علي العمودي:
أكد الإمام يحيى هندي إمام جامعة جورج تاون واحد ابرز قيادات المسلمين في اميركا أن المسلمين في الولايات المتحدة قد اصبح لهم حضورهم المميز ، وباتوا جزءا من نسيج المجتمع الاميركي، ودعا الجالية المسلمة في كل مكان خارج العالم الاسلامي الى ابراز القيم الاصيلة لعقيدتهم وتأكيد قيم التسامح والحوار والانفتاح على الآخر·جاء ذلك خلال لقائه بعدد من الزملاء من اسرة تحرير 'الاتحاد' في المقر الرئيسي للصحيفة في أبوظبي، وشاركت فيه عدد من طالبات الإعلام بجامعة الامارات واللاتي يقمن بتدريب عملي في الصحيفة·
استهل الضيف الاميركي حديثه بالاشادة بالنهضة الشاملة التي تشهدها دولة الامارات بفضل القيادة الحكيمة التي حرصت على تسخير الامكانيات من اجل حياة كريمة ورغدة لأبنائها المواطنين والمقيمين·
لمحة تاريخية
بدأ الامام يحيى هندي اللقاء بمقدمة تاريخية عن بداية دخول الاسلام الى اميركا، وقال ان الاسلام وصل الى شمال اميركا والولايات المتحدة مبكرا، وسجل حضورا تعود بداياته للعام ،1328 ويعتبر المسجد المقام في يوتا اقدم مسجد في الولايات المتحدة، ويعود بناؤه للعام·1879
وقال ان وصول المسلمين الى اميركا اتخذ شكل موجات بشرية على فترات مختلفة من التاريخ غالبا ما كانت ترتبط بالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة في الاوطان الأم· وقد تنوعت اهتمامات هؤلاء المهاجرين بحسب الغاية من التواجد في اميركا ان كان لجهة العمل وتحسين المستوى الاقتصادي للمهاجرين ومن ثم العودة الى بلادهم الاصلية، وصولا لأحدث موجات الهجرة في العصر الحديث من خلال اولئك الذين قدموا لطلب العلم ومن ثم البقاء في اميركا، وحتى 1984 لم يكن لدينا في اميركا مساجد باعداد كافية، كما ان الجالية المسلمة كانت منكفئة على نفسها·
ويواصل الامام يحيى هندي حديثه قائلا: في كل مرة تشهد الولايات المتحدة احداثا جسيمة يتجدد الاهتمام والحديث عن الاسلام، فبعد تفجيرات اكلاهوما سيتي بدأ البحث والاستفهام عن المسلمين وعقيدتهم، كما كانت فرصة لطرح المزيد عن الحقوق المدنية للمسلمين في المجتمع، وقد كان ذلك جديا الا انه لم يكن كافيا لتغطية كل احتياجات المسلمين هناك على مستوى البلاد· وفي آخر دراسة جرت أظهرت ان هناك ما لا يقل عن 2500 مسجد جديد، وبعد عام 1994 ونحن نسارع في تعزيز التواجد الاسلامي فكان هناك 447 مدرسة اسلامية في غضون اعوام قليلة·
وقبل احداث 11 سبتمبر شهدت اميركا موجة جديدة من اعتناق الاسلام بعد عودة اعداد كبيرة من الجنود الاميركيين الذين شاركوا في حرب الخليج الثانية، وبعد ذلك جرى انفتاح كبير لمعرفة المزيد عن الاسلام وبدء حوار اوسع بين الاديان، ومن اجل خدمة مثل هذه الاهداف قررت جامعة مثل التي اعمل بها وهي جامعة جورج تاون الاستعانة بي لأجل فهم اعمق للاسلام وبما يمكن من تحقيق الهدف بأن يكون مسلمو اميركا ضمن نسيج البلاد·
وقبل أحداث 11 سبتمبر لم يكن هناك حوار بين المسلمين والمسيحيين في اميركا، او بين المسلمين واليهود، وهذه كلها امور اثرت، ولكن بعد هذا التاريخ استيقظ كثير من المسلمين الاميركيين على اهمية الحوار مع المسيحيين ، وهؤلاء ابناء بلدنا، وان كنا نخالفهم في العقيدة فإننا نوافقهم في امور اخرى، وطبيعة الحوار الذي انطلق بين المسلمين والمسيحيين واليهود بعد 11 سبتمبر في اعتقادي كان مهما جدا، وافاد المسلمين ايجابيا وسيؤتي بثماره حتى على الصراع العربي الاسرائيلي، فهؤلاء الحاخامات بما لهم من قوة في اميركا والائمة بما لهم من نفوذ في اوساط مسلمي اميركا اذا تعاملوا بعقلية منهجية بعيدة عن العواطف الجياشة سيكون لهم تأثير جيد وايجابي للغاية على هذه القضية·
وعلينا ادراك حقيقة ان اميركا بلد المهاجرين، المهاجر يجيء الى البلاد ويمكن الاشتباه به قبل ان يصبح جزءا من العملية، وهذا ما يحصل اليوم مع المسلمين الاميركيين، فقد اصبح المسلم الاميركي ولله الحمد جزءا من نسيج المجتمع، وهناك اليوم 17000 الف مسلم يخدمون في القوات المسلحة الاميركية، وفي مختلف افرعها البحرية والجوية والبرية· المسلمون اصبحوا اكثر بروزا في المجتمع وفي الادارات الحكومية، فهناك على سبيل المثال لا الحصر المعهد الوطني للصحة الذي يعد الاكبر من نوعه في العالم ومديره مسلم من اصول جزائرية، وبالامس تلقيت رسالة عبر البريد الالكتروني عن العشرة الاوائل من الطلاب النابغين في الولايات المتحدة وقد احتلت المرتبة الثانية طالبة اميركية مسلمة، وقبل ثلاثة اسابيع كرمت البلاد أفضل ضابط شرطة في العام وكان ضابطا مسلما اميركيا من اصول باكستانية في هيوستون بولاية تكساس· وهذه مجرد نماذج لانخراط المسلمين في الحياة العامة وتعزيز دورهم كجزء من نسيج البلاد·
وبعد هذا الايجاز طرح بعض الزملاء المشاركين في اللقاء اسئلتهم·
بدأنا حواراً إسلامياً مسيحياً يهودياً ستكون له نتائجه على القضية الفلسطينية
؟ في البدء كان السؤال عن وظيفته كإمام؟
؟؟ قال الامام يحيى هندي: انا إمام كذلك لمستشفى القوات البحرية في باتسدا، وقد تعاقدت معي البحرية كإمام، كما انني امام في مسجد محلي كذلك، اما في جامعة جورج تاون فانا استاذ للدراسات الاسلامية ومقارنة الاديان، وهو مساق جرى طرحه في عام 2000 من أجل ابراز التقاء الاديان، كما ان هذه المادة يعلمها الى جانبي حبر يهودي وقس مسيحي كاثوليكي· والمقصود من تدريس هذه المادة تعريف الطلاب بالفرق بين هذه الاديان على ارض الواقع من اصحابها والامور المتشابهة بين هذه الاديان، وليعرفوا الاختلاف مع وجهة النظر الاخرى بطريقة علمية وحضارية دون حرب ودون حقد او اعلاء اصوات وما الى ذلك· ولم يعد هذا المساق يدرس في جامعة جورج تاون فقط ، وانما تبنته ايضا العديد من الجامعات الاميركية الاخرى، اما عن خلفيتي الاكاديمية فأول درجة ماجستير لي كانت في الشريعة والتفسير كتخصص، اما درجة الماجستير الثانية فقد كانت في الاديان المقارنة والمسيحية كتخصص حيث درست الانجيل، اما درجة الدكتوراه فقد كانت في اليهودية ودرست العبرية والقانون الشرعي لليهودية وغيرها من فروع هذه الديانة، كما ان من احد مهامي ان اقوم بدور استشاري في القضايا الاسلامية لرئيس الجامعة وكذلك لعمداء الكليات واعضاء الهيئة التدريسية ، وأتلقى اسئلة واستفسارات بصورة يومية، كذلك اقوم بدور المستشار لطلابي فيما يتعلق بمهامهم ودراساتهم، كما اقوم بدور الارشاد ان صح التعبير، وبحكم وجودي في جامعة كبيرة كجورج تاون اصبحت مستشارا ومحللا للقضايا الاسلامية للعديد من شبكات التلفزيون الاميركية مثل 'سي ان ان' و'آي بي سي' وغيرها، واظهر بصورة تكاد يومية على هذه الشبكات، كما يتم الاتصال بي من جانب البيت الابيض والخارجية الاميركية كلما اقتضى الامر في القضايا التي تعني الجالية المسلمة والقضايا الاسلامية وهذه اختصارا المهام التي اقوم بها كإمام·
؟ هل يتضمن السبعة ملايين مسلم الذين ذكرتهم أتباع طائفة 'أمة الاسلام' التي يتزعمها لويس فرخان؟
؟؟ لا·· لا·· السبعة ملايين مسلم، ثلاثة ملايين ونصف منهم هم من الذين اعتنقوا الاسلام،3,5 مليون مسلم هم من المهاجرين الذين وفدوا الى اميركا، اما طائفة 'امة الاسلام' فلا تعد ضمن التعداد الاساسي لمسلمي اميركا· وقد ترددت في الاجابة على هذا السؤال لأن عبارة 'أمة الاسلام' محط جدل، تاريخيا 'امة الاسلام' من عام 1933 عندما تأسست من قبل فرد محمد واليجا محمد وحتى 1977 عندما توفي المؤسس كانت تحمل هذا الاسم، ولكن بعد ذلك عندما تولى المسؤولية ابنه واليس جرى انقسام حول الاسم، وكان هناك خلاف في القيادة بين لويس فرخان الذي احتفظ بالاسم، ولكن اغلب اصول الجماعة واموالها واغلب الاتباع تحولوا الى جماعة تحول اسمها الى مؤسسة 'المسلمين الاميركيين'، وقد كان العديد من قياداتها اعضاء في 'أمة الاسلام' ولكنهم لم يحتفظوا بالاسم وهؤلاء نعم جزء من السبعة ملايين مسلم في اميركا· وبالعودة الى جماعة لويس فرخان فهي ليست مجموعة كبيرة، وبعض الدراسات تشير الى انهم لا يتعدون الالفي شخص وبعضها يقول انهم لا يتجاوزون الثلاثمائة شخص في افضل التقديرات، وبعض قيادات مجموعته مسيحيون يمارسون الشعائر المسيحية، ولكنهم لأسباب عرقية او سياسية هم جزء من جماعة 'أمة الاسلام'·
؟ ما هي ابرز المواقف المحرجة التي تعرضتم لها بعد احداث 11 سبتمبر؟
؟؟ لا اقول عنها محرجة، ولم اواجه أيا منها مع طلابي، ولكن في محاضراتي الخارجية نعم، فعادة ما يتواجد من لديه ملاحظات وافكار مسبقة، ويقرأ من ورقة مكتوبة ليقول انني لا اصدق أي كلمة مما تقول لأنها كلها اكاذيب، والاسلام كذا وكذا، وكل هذه الملاحظات منقولة من كتاب مؤلفه من ولاية الاباما وهو ضد الاسلام، وفيه انك اذا أردت ان تجادل او تحارب مسلما عليك اثارة هذه النقاط العشر، وامثال هؤلاء يحملون تلك النقاط الواردة في الكتاب لطرحها في المحافل، وهم نوعية من البشر لا يريدون الحوار او الاستماع للاخرين، وانا لا اعتبرها مواقف جارحة او محرجة، وانا استاذ زائر في جامعة جون هوبكنز وفي كلية اسمها 'دانيا كوليج' في واشنطن دي·سي ولا توجد عندي قصة يمكن أن اسميها 'محرجة او جارحة' او عجيبة، بالعكس وأعني ما اقول، وعلى وجوه 99 بالمئة من الذين يحضرون محاضراتي ارى الدموع في العيون، ويجيئني الكثير منهم ليقول: شكرا يا إمام لقد غيرت عقلي وافكاري لقد كنت اكره المسلمين وكنت اتمنى لو يموتون كلهم، والان اتمنى لو انا اعتنق الاسلام اليوم، واصبح مسلما، ويا امام ما الذي يمكن ان افعله لأحمى الاسلام والمسلمين، تسمع امورا مثل هذه من الكثيرين سواء كانوا مسيحيين او يهودا او من غيرهم من اتباع ديانات وملل اخرى· واقول من واقع خبرتي بعد 11 سبتمبر انها كانت خبرة ايجابية، ويرجع ذلك لطبيعة الطرح المعتدل الذي اطرحه والذي يحترم حرية الرأي الاخر، ويحترم التعددية الفكرية والدينية، لدرجة ان البعض يتهمني بان هذا ليس هو الاسلام، ويقول انني معتدل للغاية· وأرد عليهم ببساطة بان ما ادعو اليه هو اصل الاسلام، فيسألون وما تعني بذلك؟ فاقول اعني بأنه اصل الاسلام لأن كل ما اطرح يستند على نصوص قرآنية واحاديث نبوية، وهذا تفسير حرفي لما يعنيه الاصل بالتعبير الاميركي، وعندما اقول الاعتدال فانني لم ادع الى شيء لم يكن له وجود من قبل، البعض عندما أستعرض امامه حقوق المرأة كما حددها الاسلام يصاب بصدمة، لأنه لم يكن يعرف بوجود هذه الحقوق للمرأة، وحتى عندما اقول له ان الاسلام يتيح للمرأة أن تطلق نفسها، يعتبر ان ذلك دعوة معتدلة مني بينما اقول له ارجع للقرآن، ونحن نعرف ذلك في الفقه، وتجد بعضهم يرفض ذلك ، ويقول لك ان 'طالبان' (الحركة المتشددة التي حكمت في افغانستان بعض الوقت) قالت كذا·· وكذا· وهذه بعض المشاكل التي نواجهها· وربما بسبب هذا الطرح المعتدل كان اهتمام البيت الابيض بحضوري لحفل الافطار السنوي الذي يقيمه في كل رمضان، لحرص الرئيس بوش على الاستماع للاراء والاصوات المعتدلة التي تحترم اراء الاخرين من غير تشنج او تعصب·
التصدي للتطرف
؟ فوجئت اوروبا بأن الانتحاريين الذين نفذوا تفجيرات لندن في يوليو الماضي كانوا مسلمين من مواليد بريطانيا، وقاتل المخرج فان جوخ في هولندا كان مسلما من مواليد تلك الديار، أي انهم لم يترعرعوا في بلدان الشرق الاوسط، كيف وصل التطرف في رأيك الى تلك البيئات واحتمالات انتقاله لمسلمي اميركا؟·
؟؟ في الواقع لقد وصلت لتوي من روما، كما زرت خلال الاشهر القليلة الماضية العديد من الدول الاوروبية، وبداية أود القول ان هناك فرقا كبيرا بين مسلمي اميركا واوروبا حيث تتفشى الامية في اوساطهم، وبعض قياداتهم اكتفت بالتوجيهية، وغالبيتهم ذهبوا الى هناك بحثا عن عمل، والكثير منهم يعمل في محطات الوقود والمزارع، الوضع بالنسبة لنا في اميركا مختلف، فنحن متعلمون تعليما عاليا، وعندما تذهب الى مدينة كفليت في متشجان او ديترويت هناك ما لا يقل عن 800 طبيب، وفي فينكس اريزونا هناك 6000 مهندس مسلم، وعندما تأتي للعاصمة واشنطن ستجد مسلمين مؤهلين تأهيلا عاليا سواء اكانوا في السلك الدبلوماسي او أساتذة جامعات او رجال اعمال وشخصيات تحظى باحترام كبير، لذلك من الصعب تسويق التطرف في دوائرهم وفي اوساط الاشخاص المتعلمين الذين هم واثقون من انفسهم وانفتاحهم على الاخرين، هذا اولا·
ثانيا عندما تجيء للائمة هناك مشكلة، فقد كنت مع حوالي 60 اماما من الجالية المسلمة في ايطاليا لم يكن أي واحد منهم يتحدث اللغة الايطالية، بل ان بعضهم يعتبر ذلك حراما قائلا ان من السنة ان تتحدث بلغة القرآن· وسألتهم كيف يمكن ان تصلوا الى الشباب بلغة لا يفهمونها، وقد اعتبرتهم ائمة أعدوا لبلاد غير ايطاليا، وان المسلمين هناك بحاجة الى ائمة أعدوا لايطاليا، وضربت لهم مثلا بالسيارات التي قلت انها يجب ان تكون بمواصفات البلد الذي تسير فيه، والشيء ذاته بالنسبة للائمة، أئمة المسلمين عندنا في اميركا على درجة عالية جدا من التعليم والمعرفة، ولدينا الان مجلس جديد يدعى المجلس الوطني لأئمة المسلمين، وفي غضون عام من الان لا يسمح لأي شخص بالعمل كامام ما لم تكن لديه شهادة ماجستير على الاقل، وفي بحر خمس سنوات على كل منهم تعلم اليهودية والمسيحية، ليس ذلك فحسب بل التاريخ الاميركي والعلوم السياسية والسيسلوجيا ومثل هذه المواد، فهذه نوعية الرؤية التي لدينا ونعتقد انها سوف توفر الحماية للجالية المسلمة من أي تطرف· والظاهرة التي يمكننا ان نطلق عليها ظاهرة الامام المستورد تكاد تكون غير موجودة في اميركا·
؟ وماذا عن ما يقال من اثر للتهميش في بروز التطرف في تلك المجتمعات؟
؟؟ لقد قلت في مناسبة سابقة في احدى محاضراتي ان الانسان يكتسب الاحترام لا يفرضه، واذا كنت محترما فان الاخرين سيحترمونك، لذلك فان الجاليات المسلمة بحاجة ان تحقق الاحترام لنفسها قبل ان تطلب من الاخرين احترامها في المجتمع الذي تعيش فيه ، لقد كنت في مؤتمر في مدينة ميلانو الايطالية في يونيو الماضي ، وخلال احدى جلسات النقاش وقف خمسة من قيادات المسلمين هناك كل منهم يزعم انه ممثل لمسلمي ايطاليا، وعندما التقيت بعمدة ميلانو قال ان هذه هي المشكلة التي يواجهها، لذلك على الجالية المسلمة في اوروبا ان تحترم نفسها من خلال الامام الذي تقدمه على الساحة، والطرح الاسلامي الذي تقدمه، ومن خلال طبيعة تعاملها مع الواقع السياسي في تلك البلاد·
القضية الاخرى ان المسلمين بسبب خوفهم من الذوبان ابتعدوا عن الاندماج ، وكنت قد قدمت محاضرة في بروكسل قبل عام لعدد من وزراء الاتحاد الاوروبي حول هذا الموضوع أكدت فيها وجود فرق كبير بين الذوبان والاندماج، وقلت لهم اذا كانت اوروبا تصر على تذويب المسلمين فانها حقيقة تخسرهم، من خلال دفعهم الى ما لا يريدون، فهم يريدون ان يكونوا جزءا من معتقداتهم· وقلت لهم اسمحوا لهم بالاندماج كما نفعل نحن في اميركا، فالمسلمون في اميركا يتم ادماجهم في المجتمع بل ويتم تشجيعهم على ذلك بدون ان يطلب منهم احد التخلي عن دينهم· فإرغام المسلمة على التخلي عن الحجاب في فرنسا على سبيل المثال يعد اجبارا للمسلمين على التصرف بطريقة اخرى كرد فعل· ولا اعتقد انها قضية بالنسبة للحكومة الفرنسية ان ترتدي المرأة الحجاب من عدمه، ففي اميركا ترى المسلمة المحجبة وغير المحجبة تجدها في المنشآت العسكرية، تجدها حتى في البيت الابيض وفي الكونجرس من دون ان يطلب منها احد التخلي عنه، لذلك اقول ان الاندماج في اوروبا هو طريق ذو اتجاهين: الدول المضيفة لها حقوق يجب ان تحترم، وعليها واجبات ايضا نحو القادمين الجدد، وهؤلاء عليهم واجبات ايضا تجاه البلدان المضيفة، والامر الاخير هو التعليم فطبيعة التعليم والمناهج التعليمية التي نقدمها عليها مسؤولية كبيرة في تشكيل وظهور التطرف بشكل او بآخر· واخيرا رؤية زعماء المسلمين في اوروبا في التفاعل مع التحديات التي يواجهونها في اوروبا·
دور أكبر
؟ كقيادات للجالية المسلمة في اميركا كيف ترون مستقبل الوجود الاسلامي هناك، وهل لكم -أي للجالية المسلمة- أية تطلعات للعب دور سياسي وكم سيستغرق ذلك من اعوام؟
؟؟ هذا سؤال صعب الاجابة عليه، والله أعلم به، ولكن اعتقد انه في غضون خمسة عشر عاما سيكون لدينا عدد من اعضاء وعضوات الكونجرس من المسلمين، وستسمع عن عدد اكبر من سفراء الولايات المتحدة من الجالية المسلمة، وكذلك عمد لمدن كبيرة، وستسمع بروائيين مسلمين اميركيين، وتواجد اقوى ومؤثر في صناعة السينما في هوليوود، اقول هذا واقدم لك مثلا: في عام 1999 بعد قليل من اشتغالي في جامعة جورج تاون كان لدينا مؤتمر للمحامين المسلمين ودعونا الجميع فلم يحضر سوى 36 محاميا من كل الولايات وغالبيتهم كان ممن اعتنق الاسلام مع الاخرين، نفس المؤتمر عقد العام الحالي وحضره 700 محام مسلم تتراوح اعمار كل منهم ما بين 30 و35 عاما وكلهم خريجو الاعوام الخمسة الماضية، وهذا يكشف لك رؤية المسلمين في اميركا الذين كانوا يركزون في دراستهم فقط على الطب والهندسة، واليوم المسلمون يريدون ان يكونوا جزءا من النظام لذلك اتجهوا الى دراسة القانون، ويعتقدون ان ذلك سوف يساعدهم، خاصة وان العديد من السياسيين هم محامون، وهذا ما يمكن ان يدلك على الافق الذي يتجه نحوه مسلمو اميركا· ثانيا هناك العديد من المؤسسات الخاصة بالمسلمين التي تعمل على جعل عملها مؤسساتيا وصياغة نوعية الانشطة السياسية والعلاقة مع مؤسسات الدولة، وهذه رؤيتنا· وهناك مسلمون في المعسكر الديمقراطي وآخرون في المعسكر الجمهوري، لذلك سنشهد خلال الخمسة عشر عاما المقبلة وجودا قويا للمسلمين في المشهد السياسي، وكذلك على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، والامر يعتمد في الاساس على كيفية ادراك المسلمين لعقيدتهم وممارستها، واقول دائما انه لا توجد ازمات في الاسلام، ولكن توجد ازمات فعلا في فهم الاسلام، والمسلم عليه ادراك طبيعة وجوهر عقيدته بانها عقيدة تحترم الاخرين، وانا بصدد طرح مؤلف جديد حول ماهية الاسلام ، والذي اؤكد من خلاله ان الاسلام هو التوحيد بلا شك، والتوحيد كنظرية تتطلب كتطبيق ما نقول عنه الاستخلاف، ولا اعني بذلك المفهوم السياسي للخليفة، ولكن التركيز على استخلاف الله لنا في الارض وما يعنيه ذلك من استخلاف في امور ثلاثة: التزكية 'الدور الروحي' والاصلاح والسلوك القويم والعمران أي تعمير الارض بانشاء الطرق والعيادات والمستشفيات وهو ما تعرفه العلوم السياسية اليوم بتوفير الخدمات العامة، والحكومة الجيدة هي تلك التي توفر لمواطنيها خدمات عامة جيدة، والاسلام عندما يكون عقيدة تريد لاتباعها ان توفر لهم الخدمات الجيدة يكون ذلك ايجابيا أي انه يريد لهم الحياة الكريمة، بحيث يلبي الاحتياجات المادية والروحية، وعندما اتحدث عن التزكية اقول (كل حزب بما لديهم فرحون)، اليهود لديهم نظامهم الخاص، وكذلك المسيحيون، والمسلمون لديهم نظامهم الخاص، ولكل خياره، ولكن البشرية تشترك في هذين الامرين في العمران والخدمات العامة وفي النظام الخلقي والسلوكي بمفاهيمه العامة، لو استطاع المسلمون ان يتعاملوا مع غيرهم ضمن هذه الاهتمامات العالمية سيكونون ايجابيين ونظرة العالم لهم ستكون ايجابية، وضمن هذا المفهوم ايضا سيكون هناك حوار وهو ما ادعو اليه في العالم العربي، حوار بين اولئك الذين يسمون انفسهم علمانيين ومن يسمون انفسهم اسلاميين، واقول هنا: من قال ان الاسلامي سيدخل الجنة قبل العلماني؟ واعني ما اقول، والعلماني قد يدخل الجنة قبل الاسلامي بمئة عام، بحسب مفهوم الحديث ان 'المسلم من سلم الناس من لسانه ويده' المسلم ذلك الذي قدم ماء ليروي عطش كلب، او ما حرم قطة من الطعام، لذلك لا بد من الحوار بين الجانبين على المبادئ العامة لخدمة الناس، وهذا لمصلحة الجميع، لمصلحة الدولة والنظام السياسي القائم ولمصلحة الاحزاب وكذلك الشعوب على ارض الواقع، وهذا تحديدا ما نريد، و(لكم دينكم ولي دين)·
لذلك يجب ان نتفق على هذه الامور ونتعاون لخدمة كل الناس، واذا كان المسلمون على استعداد لقبول مثل هذا المنهج فان الامور ستتحسن، والموقف الغربي من الاسلام سيتغير، وسنوجد مفاهيم مشتركة للتعامل من خلالها مع المسيحي ومع اليهودي ومع البوذي، ومع العلماني ومع الشرق ومع الغرب، واؤكد اخيرا على دور المرأة فاذا فشلت الامة في احترام اغلبية ابنائها وأعني المرأة ستجد نفسها مشلولة·