السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

من مكة إلى سيناء.. رسائل ضد الإرهاب

من مكة إلى سيناء.. رسائل ضد الإرهاب
9 يونيو 2019 00:18

لم تكد قمة مكة تلملم أوراقها كي يعود القادة والزعماء إلى ديارهم حتى ضرب الإرهاب الأسود سيناء، الأمر الذي أكد بعد نظر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. فقد جاءت كلمته في القمة بمثابة «صرخة زرقاء اليمامة»، حين حدد رؤيته بوضوح وحذر من تداعيات ما يحدث في المنطقة، ودعا إلى مواجهة الإرهاب بحزم، ليضعنا بذلك جميعاً شعوباً وحكاماً أمام مسؤوليتنا التاريخية في هذه الظروف الدقيقة التي تعصف بمستقبل المنطقة وتهدد أمنها.
فرؤية سموه جاءت بانورامية أوضحت فهمه العميق للمخاطر وإدراكه للتحديات التي تحيط بالأمة من كل جانب. ولعل المسألة التي استوقفتني كثيراً هي صراحته في مكاشفة الزعماء والقادة، وكذلك حديثه بشفافية عن مسؤوليتنا في حماية أمن واستقرار المنطقة، وقوله بجلاء: (صحيح أن استقرار المنطقة يمثل مصلحة عالمية نظراً لأهميتها الإستراتيجية بالنسبة للعالم، لكن المسؤولية الكبرى عن ضمان أمن المنطقة واستقرارها تقع على كاهل العرب أنفسهم في المقام الأول). ليكون بذلك قد حدد مكمن الداء، وبات الطريق إلى تحديد الدواء الناجع سهلا وميسورا، فلا سبيل لمواجهة التحديات والصعاب إلا ببناء موقف عربي فاعل وموحد للتعامل مع المخاطر المحدقة بالأمة.
ولا شك أن حديث ولي عهد أبوظبي - وهو الصلب الجسور - حديث خبير يدرك ضرورة مكافحة الإرهاب والتطرف بجدية، ويؤمن بأهمية اجتثاثه من جذوره وضرب أوكاره، وفضح قوى الظلام المساندة له، وكشف الدول الحاضنة والداعمة والراعية له تخطيطاً أو تمويلاً أو دعماً لوجستياً، وهي التي توفر الملاذ الآمن لرؤوس الأفاعي التي تفتي بالإرهاب وتبرر سلوكه مع أنه سلوك إجرامي دموي.
ولعل الجريمة التي وقعت في سيناء صبيحة يوم العيد تؤكد ما دعا إليه الشيخ محمد بن زايد، وهو العلم البارز والعنوان الواضح في الحرب على الإرهاب، خاصة أن دور سموه مشهود عالمياً في مكافحة كارثة العصر تلك.
وإذا كان أبو الطيب المتنبي قد تساءل يوماً حين قال: (عيد بأيّ حالٍ عُدْتَّ يا عيدُ؟!)؛ فإن لسان حال المصريين كان يردد قول صلاح عبدالصبور:
يا صاحبي إنّي حزين
طَلَعَ الصّباحُ
فما ابتسمتُ
ولم يُنِرْ وَجه الصّباح
فما كاد الأشقاء في أرض الكنانة ينفضّون من صلاة العيد حتى فجعهم نبأ الحادث الآثم الذي استهدف حاجزاً أمنياً في قرية السبيل الواقعة غربي مدينة العريش بشمال سيناء.
كان النبأ صادماً، وفي أعقابه خيّمت أجواء الحزن على مصر، وتحول العيد إلى مأتم كبير في البلد الذي كان له النصيب الأوفر من التصدي لجماعات التكفير والإرهاب، وكان دوماً بشهدائه الأبرار في مقدمة الصفوف.
حين سمعت الخبر داهمني الألم واعتصرني، ولم أملك مشاعري وأنا أتابع تفاصيل الجريمة وتداعياتها، والردود العربية والدولية عليها، واستوقفني موقف بلادي. فقد أدانت الإمارات بشدة الهجوم الإرهابي، وهو موقف ليس غريباً عليها، وهي التي كانت وما تزال تضع مواجهة الإرهاب على رأس أولوياتها.
بعد ساعات من متابعتي التفاصيل حاولت كبح جماح الألم الذي سيطر عليّ، فقررت تنحية عاطفتي جانباً لأكتب من منطلق مقاومة اليأس والإحباط الذي اعتراني، مستعيداً بعض ذكرياتي حين التحقت بالسلك العسكري لخدمة الوطن وقيادته، حينها تعلّمت أن أمننا القومي لا يقف عند الحدود الجغرافية للإمارات، إنما يمتد ليشمل الوطن العربي.
إن ما حدث رسخ قناعتي وإيماني بأن الجهات والدول التي حركت أذرعها الإرهابية لضرب مضخات النفط في السعودية وكذلك سفن الشحن التي كانت راسية بالقرب من مياه الإمارات، هي ذاتها التي تقف وراء الجريمة التي وقعت في سيناء، والتي لا تنفصل -برأيي - عن الرد على مجريات القمم الثلاث التي استضافتها مكة بما حملت من رسائل القادة والزعماء.
مجدداً أعود إلى رحاب البلد الحرام، فقد ذهب ما ذهب وبقيت الفكرة حيث المسؤولية تقتضي الجدية في التعاطي مع المخططات الإجرامية التي تحاك في الغرف المظلمة، وبالتالي لا بد من البدء فوراً - ومن دون أي إبطاء - بوضع الخطط المشتركة وآلياتها العملية القابلة للتطبيق.
في مقالي السابق دعوت طهران - على وجه الخصوص - وغيرها من القوى الإقليمية إلى قراءة وتحليل كلمة ولي عهد أبوظبي بعناية لما تحمله من رسائل، وتعمدت فيها أن لا أشير إلى أطراف أخرى تصنّف -للأسف- في خانة الشقيق. لكنني اليوم أدعو الجميع إلى تأمل حصافة وبراعة ولي عهد أبوظبي، وخصوصاً عندما قال: (إن التهديدات الحالية تستهدف الجميع دون استثناء، وإن التعامل معها يجب أن يكون من خلال تعزيز وتفعيل الأمن الجماعي العربي بمفهومه الشامل). بعد تلك الرسالة التي لا يمكن لعاقل أن يغفل عن مغزاها وفحواها، يحدوني الأمل - ولو كان ضعيفاً - بعودة «الشقيق الضال» إلى جادة الصواب، والكف عن أفعاله.
لكن ظني خاب جرّاء النهج الذي تتبناه الدوحة التي زعمت في البدء أن الدعوة لحضور القمة لم توجّه إليها، ومع ذلك حضر رئيس الوزراء على رأس وفد بلاده، وكان في قلب الحدث، واستمع إلى كلمات القادة التي ترجمها البيان الختامي، وما إن غادر مكة حتى نكص وانقلب على ما اتفق عليه المجتمعون!
ولهول الموقف أصرخ بأعلى الصوت علّ كلماتي تجد آذاناً صاغية، فيراجع القطريون موقفهم ويكفون عن العبث، وإن أيادينا ممدودة - كما هي العادة - بالخير وللخير، مستنيرين بمواقف الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه- الداعية إلى وحدة الصف والرافضة لكل مؤامرات الفرقة والتشرذم والانقسام. فالتاريخ يقتضي منا أن نعيد قراءته لنستلهم منه الدروس والعبر، شرط أن نبقى مراقبين للواقع ولما يجري فيه من أحداث ووقائع ترسم ملامح المستقبل.
وأخيراً أقول لأولئك الذين ابتعدوا كثيراً، وخطّوا طريقاً آخر وكأني أراه يقودهم نحو الهلاك: صححوا مواقفكم. وقد نصحنا بالحسنى مرات ومرات بأن (صديقك من يَصْدُقك لا من يُصَدِّقُك).
أفيقوا قبل فوات الأوان.. أليس بينكم رجل رشيد؟!

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©