محمد حامد (دبي)
تظل كرة القدم ساحة ثرية للمواقف الإنسانية، بل إنها الأكثر قدرة على بث الرسائل، التي تفوق في تأثيرها تحقيق فوز أو تسجيل هدف، بل إنها أكثر بريقاً من التتويج ببطولة، ويتصدر النجم الأسترالي صاحب الأصول السودانية أوير مابيل 23 عاماً، صدارة المشهد الكروي والإنساني في البطولة، ويفرض نفسه بقوة على الساحتين الأسترالية والعربية وصولاً للعالمية، ومن اللافت أن هناك اهتماماً عربياً كبيراً بتألقه مع منتخب السوكيروس الأسترالي في البطولة، وما سبقها من مباريات.
والأمر لا يتعلق بحالة إنسانية للاعب مهاجر على إثر اللجوء لبلد آخر، فقد تكرر هذا المشهد طول السنوات الماضية في كل مكان، خاصة في القارة العجوز، وغيرها من قارات العالم، بل إن ما يجعل الأنظار والقلوب تتعلق بقصة مابيل أنه يحقق انطلاقته الكروية من فوق الأراضي العربية، وكأن المنطقة بكاملها تريد مصالحته وتعويضه، فقد سجل اللاعب البالغ 23 عاماً 4 أهداف في 7 مباريات، والمفارقة أنها جميعاً على الأراضي العربية، بل في شباك منتخبات عربية، حيث كان البداية بهدفه في مرمى الكويت في مباراته الأولى بقميص أستراليا، وذلك خلال المواجهة الودية التي أقيمت في منتصف أكتوبر الماضي بالكويت.
ثم واصل مابيل تألقه بهدف آخر في عمان نهاية ديسمبر الماضي، وأقيمت المباراة بالإمارات، وانتهت لأستراليا بخماسية بيضاء، وحظي النجم الصاعد بثقة الجهاز الفني الأسترالي، وأثبت أحقيته بالحصول على مكان في التشكيلة الأساسية، لتصبح الإمارات وجه السعد بعد سنوات المعاناة التي عاشها في طفولته، فقد برز مابيل بقوة، وسجل ثنائية لأستراليا في البطولة القارية، الهدف الأول في شباك فلسطين، ثم أحرز هدفاً في المرمى السوري، ليؤكد أنه قادم بقوة لصدارة مشهد النجومية في صفوف منتخب السوكيروس.
وبعيداً عن تألقه الكروي في فترة قصيرة، والذي جعله يقف على أول الطريق إلى الشهرة والنجومية، فقد ارتفعت أسهمه بعد أن جذب الأنظار بقوة بطريقته في الاحتفال بتسجيل الأهداف، والتي حظيت باهتمام كبير عبر الصحف الأسترالية، وفي كواليس البطولة القارية، فقد وضع أصبعين في اتجاه الرأس، في صورة رمزية لطلب الهدوء والراحة الذهنية والنفسية، فيما تعمد وضع اليد الأخرى على الفم طلباً للحديث وعدم الصمت.
وتعود القصة كما يقول مابيل إلى وقت وجوده في فريقه بالدنمارك، فقد جلس مع صديق له، وتناقشا في ضرورة أن يكون له طريقة مميزة في الاحتفال بتسجيل الأهداف تحمل بعداً إنسانياً، فكانت هذه الطريقة التي يخاطب من خلالها من يعانون من الأمراض الذهنية والنفسية، والتي قد تصل إلى حد المرض العقلي، حيث طالبهم بالهدوء في إشارته بأصبعيه إلى الرأس، كما يفتح أمامهم أبواب الأمل في التواصل مع المجتمع بوضع يده على فمه، وهي إشارة إلى ضرورة التواصل مع الآخرين وعدم الصمت، فضلاً عن أن رسالته هدفها الوصول لملايين حول العالم من أصحاب الأمراض النفسية، وللملايين ممن يحيطون بهم لكي يكونوا عوناً لهم.
وقال مابيل تعليقاً على احتفالية التي جذبت الأنظار، وأثارت التساؤلات: هذه الطريقة في الاحتفال بتسجيل الأهداف مهداة لمن يعانون من الاكتئاب وغيره من الأمراض التي تتعلق بالصحة الذهنية والنفسية، أريد أن أجعلهم يعلمون بأننا نتعاطف معهم، وفي الوقت ذاته، يتوجب عليهم التواصل معنا، والشعور بالهدوء والسلام، وهو ما يتجلى في إشارتي إلى الرأس، أعتقد أن لاعب الكرة شخص محظوظ، ومن ثم يجب عليه أن يقوم بدور ما ورسالة ما خارج الملعب يكون لها مفعول إيجابي، أشعر بالحزن العميق والتعاطف مع كل شخص يعاني من العزلة أو الاكتئاب.