الأحد 5 يناير 2025 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

آندريه ميكيل: اكتشفت العربية بالمصادفة

آندريه ميكيل: اكتشفت العربية بالمصادفة
17 يناير 2019 03:20

حاورته: بريجيت بودرييه

يعتبر آندريه ميكيل آخر المستعربين الفرنسيين الكلاسيكيين، بقدر ارتباطه وكونه متخصصاً في الأدب واللغة العربيين الكلاسيكيين. ولد المؤرخ والمستعرب آندريه ميكيل في ميز، بإقليم هيرو، في عام 1929. درس الآداب، وحصل على دبلوم التبريز في النحو، ثم الدكتوراه في الآداب. درس اللغة والأدب العربي في الكوليج دو فرانس، حيث كان مديره العام، قبل أن يشغل منصب مدير المكتبة الوطنية.

إشعاعه التعليمي ودراساته، مثل كتبه ومقالاته الكثيرة، جعلته يحتل مكانة مرموقة، من بين جميع المتخصصين في إسلام الأمس واليوم، داخل الأوساط الأكاديمية الفرنسية. بيد أن موقفه المؤيد والمتحيز للقضايا العربية، وبالأخص المسألة الفلسطينية، أصابه بسهام الإقصاء الفرنسي منذ ثمانينيات القرن الفائت، مع الصعود التدريجي وتنامي دور اللوبي الصهيوني في وسائط الإعلام وكذا في الأوساط الأكاديمية الفرنسية.
من بين كتبه، «الأدب العربي»، «عن العالم وعن الغريب. الشرق، العام 1000»، «الجغرافيا العربية وتمثلات العالم، الأرض والغريب».
ترجم آندريه ميكيل أيضاً نصوصاً كلاسيكية كبرى، من ضمنها: «الحب، قصائد المجنون»، «سبع قصص من ألف ليلة وليلة»، «من صحراء شبه الجزيرة العربية إلى إسبانيا، مختارات شعرية»، «العرب والحب» (بالاشتراك مع حمدان حجاجي)، «قصائد الحياة والموت لأبي العتاهية».
وأخيراً، كتب العديد من الروايات والقصائد، تحديداً «الكلس الجميل، ذاكرتنا».
وهنا حوار معه، حول حياته الأكاديمية وتجربته الثقافية:

* كيف تقدم نفسك؟ جامعياً، متخصصاً في اللغة والأدب العربيين الكلاسيكيين، كاتباً؟
** أنا جامعي، وأردت في نفس الوقت أن أكون كاتباً، ولا أعرف إن كنت نجحت أم لا. كمتخصص في اللغة والأدب العربيين الكلاسيكيين، نقلت هذه المعارف بجعلها، على قدر ما استطعت، مفهومة ومقروءة عبر نتاج علمي. علاوة على ذلك، كتبت بعض الروايات، وأفكر في كتابي «الجغرافيا الإنسانية للعالم الإسلامي حتى منتصف القرن الحادي عشر»، لكي أعمل على فهم الأدب العربي الكلاسيكي لجمهور عريض. في روايات أخرى، «وجبة المساء» و«الطفل العاق» على وجه التحديد، أجبت على حاجتي في التحرر، في الكتابة لئلا أجن. أفضل «مؤلف» عن «كاتب»، الكتابة فعل ذاتي ومتعمد يلزمنا أن ننجح في تحقيق شيء ما.

عن الكتابة
* في الثمانين من عمرك، لماذا كتبت «أعتقد أو أحلم» (مطبوعات فايار، 2010)، كتاب عن الإنسان، الله وأسرارهما الخفية؟
** يرجع طريقي مع الله إلى فترة بعيدة. حققت «أبحاث» من أيام طفولتي، مروراً بزواجي ـ أول فعل عقيدي ـ ثم، اختبار ـ وهو الأصعب ـ لوفاة ابني بيار في سن الخامسة عشر. في السنوات الأخيرة، قادتني هذه المسيرة بيسرها وعسرها إلى أن أكتب انطباعاتي عن الله، الموت، العالم كما هو وكما يثير قلقي. جوليا كريستيفا (اللغوية، السيميائية، النفسانية والكاتبة) التي أعرفها نوعاً ما والتي قرأت كتابها عن سانت تيريزا دافيلا، أقنعتني بنشر كتاباتي.
* هل موت ابنك الذي ذكرته في «الطفل العاق» علمك، تحديداً، أن تقاوم، تصلي وتؤمن؟
** في هذه المتاهة الطويلة بين رعب رؤية ابني يصاب بالمرض العضال ويموت أمام عيني والأمل، كان من الممكن أن أنهار. توجهت، خفية، إلى بيار، وقلت له: «إذا لم أكن مؤمناً لقتلتك!». لا نعرف شيئاً عن السر الخفي الكبير للكون. نتقدم، بالتأكيد، في مجالات أخرى ولكن، أعترف، حينما أحاول أن أفهم البداية، النهاية، تكون العوالم، ذهني يترجرج. وهكذا أمضي، ليس عبر ما هو مضاد للعقل، وإنما عبر ما هو خارج مضمون كل فكر، إلى حدود كل اللغات. الإيمان، حقاً، فعل عقيدي، أي فعل إرادي.
* «لا أعرف إن كنت أؤمن ولكن كل ما أعرفه أنني أريد أن أؤمن»، ذكرت في «أعتقد أو أحلم». لمن؟ لماذا؟
** لسبب بسيط للغاية: أتمنى، يوماً ما، أن أستعيد كل من أحببتهم. المقربون وإنما أيضاً من قابلتهم في حياتي، الذين منحوني صداقتهم، ومعهم تقاسمت هذه اللحظات الكبيرة التي تمثل كثيراً في حياتي.

عن العرب
* أنت متخصص في اللغة والأدب العربي الكلاسيكي. كيف اكتشفتهما؟
** بالمصادفة! من خلال تذوق الغرائبي. طفل (لانجدوك) ـ إقليم يطل على البحر، يدعو إلى النظر إلى الضفة الأخرى ـ الحالم بزيارة هذه البلاد لرؤية أشجار النخيل، المنارات... تتمثل النقطة الفاصلة في الرحلة المنظمة لآجاسيو (بكورسيكا)، تونس، الجزائر، الرباط ومراكش لستة عشر صبياً وفتاة، الناجحين في الامتحان العام للجغرافيا في عام 1946. بالنسبة لي، كانت تجلياً مزدوجاً: أرحل إلى بلاد حلمت بها وأقع عاشقاً بجنون لطالبة سأخطبها بعد سنوات، بعد مراسلات طويلة ومقابلات. ثم تنقلت: مكثت عاماً في سوريا، كمبعوث للمعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق، وعاماً آخر كسكرتير عام للبعثة الثقافية والآركيولوجية بإثيوبيا، وعاماً كأستاذ في ليسيه باسكال بكليومون-فيرون (فرنسا). طلبت الإدارة العامة للعلاقات الثقافية والتقنية لوزارة الشؤون الخارجية مني التوجه إلى القاهرة للقيام بأطروحتي عن «الأدب والسينما في مصر المعاصرة». فكرت: مصيري أن أكون جامعياً وكاتباً.
* ما الذي تعلمته من ترجمة المؤلفات العربية، ومن ضمنها «ألف ليلة وليلة» والقصائد؟
** «ألف ليلة وليلة» كنثر أسهل في الترجمة، إنها محاولة لمنحها شيئاً من التنفس في معادلة لغة الاستقبال كما في اللغة الأصلية. وهذا يفترض أن يتوافر حد أدنى من الوفاء في الترجمة وإنما أيضاً بشرط عدم الابتكار السيئ. وبيت شعر للمجنون (مجنون ليلى) مكثت أعمل عليه خمسة عشر يوماً حتى وجدت مثيله لدى شارل بودلير: «حينما يهدهدنا البحر العريض والمساء».

أبطال وقديسون
* اليوم، ما الذي توحي به الحضارة الإسلامية؟
** بالنسبة لي، الحضارة الإسلامية، اليوم، هي في بادئ الأمر المثقفون الذي أتقاسم معهم نفس الأفكار عن الديمقراطية والعلمانية: في المعرفة، رد الدين إلى مكانته التي هي مكانة الدين. وعدم تعريضه لمخاطر السياسة، السلطة... وغيرهما. ماذا تعلمت من الحضارة العربية الكلاسيكية؟ رؤية الحضارة التي كانت، بين القرن الثامن والقرن الحادي عشر، متقدمة عن حضارتنا. حضارة رحبة وذات ثقافة رفيعة، أفكر وأنا أقول هذا في مترجمات النصوص اليونانية إلى العربية، في ازدهار العلم والفلسفة العربيين، وكانت الدولة تضمن التسامح إزاء الأقليات اليهودية والمسيحية. في عام ألف تقريباً، الذي خرج غربنا فيه بالكاد من البربرية، كانت على الضفة الأخرى دولة تحترم الإيمان والحرية، ليس فقط للمواطنين ـ ولم نكن بلغنا هذه المرحلة ـ وإنما الحرية الإيمانية للذوات. اليوم، لست في حاجة إلى التسامح ـ كفعل تمنحه السلطة ـ وإنما في حاجة إلى الأخوة.
* «وسائل الإعلام تتأسف على ما وصلت إليه في «أعتقد أو أحلم»، تفضل في غالب الأحايين من يخربون نظام العالم... بينما في هذا العالم يوجد أبطال وقديسون، أسماؤهم غير معروفة، عن أسماء من يساعدونهم على العيش أو على الإيمان». من هم أبطالك؟ من هم قديسوك؟
** إنهم من مختلف الأنظمة. بالبقاء ببساطة وهذا بالتحديد لب الموضوع، أسمع الإذاعة، حيث يجول صحفي في فرنسا ويلاقي ما أطلقت عليه ابتكارات النظام الاجتماعي، الثقافي، التربوي، الزراعي التي قام بها أبطال الحياة اليومية. بالنسبة للقديسين، الأب بيار، الأم تيريزا، ولم لا كولوش وضحكاته التي تخرج من القلب، العمال وغيرهم. من يذكرونهم نادراً، وأحياناً لا كلمة عنهم.

الحدائق السرية
* في ساعة «القرية العالمية»، كيف تصون وتقيم الثقافات؟
** بالكشف عن المشاكل المرتبطة بالثقافات الحية من ناحية أولى وبثقافات الأقليات. أعتقد أنه توجد، في كل ثقافة، حدائق سرية لا نستطيع ولوجها. الحديقة السرية، بالنسبة لي، الموسيقى الشرقية. أحبها وإنما لا تبكيني مثلما أسمع مقطوعة لبيتهوفن، لأنها تموضع قواعد لم أستطع مماثلتها. لا نستطيع أن نولج الحدائق السرية للثقافات بينما ننأى عن معرفة وسائلها. لنتخيل أرضاً سوف تكون أرضنا غير أن هناك حدائق أصغر وأسراراً مخصصة لورثة الأماكن. حدائق يمكن لكل فرد أن يزورها من دون أدنى شك ولكن باحترام المضيف والكنز الذي يعتبر الوحيد الذي يعرف أسراره: الإيمان، الموسيقا، الشعر. مرتبطاً بمكان الميلاد (ولد آندريه ميكيل في ميز)، لم أتعلم اللهجة الأوكسيتانية (لهجة أوك في جنوب فرنسا)، لأنه كان زمن جمهورية اللغة الفرنسية وهي فقط التي تدرس في الفصول. ماذا يتبقى، إذاً، من هذه الثقافة الخاصة بالأقليات؟ حركة حية في المجلات، الإصدارات، بعض الأسماء الكبيرة ومن بينها ماكس روكيت، أب القصيدة المكتوبة بلهجة الأوك. ولكن فرنسا وجدت من خلال فكرة الأمة وهذه الفكرة، إذا تجاسرت على قولها علمانياً، مقدسة! لماذا، داخل هذا الكل، لا تحيا اللهجة الأوكسيتانية في إقليم بروتاني (إقليم يتحدث مواطنوه الأصليون إلى اليوم بلغة السلت)؟ لماذا لا يتعلم الأطفال في المدرسة الابتدائية، في نفس الوقت مثل اللغة الفرنسية، لغة أخرى ربما نساها والداه؟ نستطيع أن نحلم بهذا الطفل الذي سيدخل إلى الفصل السادس وهو يعرف بصورة مثلى الفرنسية والأوكسيتانية، اللتين سيحافظ عليهما على مدى دراسته وسيضيف إليهما لغات أخرى حية. هذا الموضوع الرائع للانعكاس من اللازم أن يكون مادة فعل.
* حينما ترجع إلى بداية الطريق التي مشيتها، هل تحكم على نفسك بأنك راض عما قمت به، قلق، مذنب؟
** الثلاثة في آن واحد! أعتقد أنني أستطيع القول، من دون تواضع زائف، أن مهنتي التدريسية جعلتني راضياً. قال طلبتي إنهم لن ينسوني أبداً. وهي أجمل مكافأة. قلق، ليس فقط بالنسبة لي، وإنما بالنسبة للعالم بأسره في توجهه. ومذنب لأنني لم أقم بكل ما أردت القيام به.
* هل أدركت بهجة العمر التي أسميتها الطمأنينة ـ قابلية إثراء اللحظات العادية؟
** سوف أقول طمأنينة المعنى. أحيا وزوجتي الحب الراجع إلى أيام الخِطبَة. وقتذاك، كان هناك وقت يجب أن يمر قبل التحقيق الفيزيقي للحب. في بادئ الأمر، يستلزم ضمان مستقبله. «لا نتزوج قبل أن نحصل على الشهادة!»، كما قال أبي. جانين وأنا، تمت خطبتنا عند دخولي إلى دار المعلمين. وظللنا ثلاث سنوات. أقيم في باريس، وهي في فيشي، وهذا يبسط العديد من الأشياء! نتلاقى في الإجازات، مع والدي أو والديها. في الثمانين من عمري، تحت خلفية القلق بالتأكيد نحيا حباً رائعاً لأنه يكتفي بنفسه. ونجعله لطيفاً في كل يوم!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
( * ) André Miquel, Le temps de croire et de vivre, in: A l ecoute, Juin-Juillet 2010-nr 174.
...................................................
ترجمة: أحمد عثمان

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©