10 يونيو 2010 20:58
العقبات التي تعترض التقدم العلمي والتكنولوجي في العالم العربي والإسلامى كثيرة ومتعددة، منها غياب الاستراتيجيات الفكرية ومنظومات العمل، وتسييس البحث العلمي، وافتقاد أسس التعاون بين الأفراد والهيئات، إلا أن الفقر المادي وضعف الإنفاق على مجالات البحث العلمي من الأسباب الرئيسة لتلك الأزمة التي اكتسبت أهمية بالغة في السنوات الأخيرة، فقد كشفت تقارير التنمية البشرية في العالم العربي التي تصدر تحت إشراف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، عن تراجع خطير في مجالات التقنية والتطور والبحث العلمي في العالم العربي جعلته في آخر القائمة على مستوى العالم؛ لذلك بادرت العديد من هيئات الإفتاء والمجامع الفقهية في العالم الإسلامي بإصدار العديد من الدراسات والفتاوي التي تدعو إلى حلول إسلامية لمواجهة أزمة البحث العلمي.
نسبة ضئيلة
وقال الدكتور كارم غنيم، الأستاذ بكلية العلوم بجامعة الأزهر الأمين العام لجمعية الإعجاز العلمي للقران والسنة، إن متوسط الميزانيات التي يتم إنفاقها على البحث العلمي في الدول العربية مجتمعة لا يتجاوز 0.5 في المئة من إجمالي الناتج القومي السنوي، وهي نسبة ضئيلة. وقال إن التقارير أكدت أن العالم العربي ينتج 1.1 في المئة من الإنتاج العالمي للكتب، وتترجم دوله من الكتب سنوياً أقل سبع مرات من اليونان، وهي أقل الدول الغربية نمواً. بينما لا نجد مجالاً للمقارنة بين براءات الاختراعات المسجلة في الدول العربية والمسجلة في دولة أجنبية واحدة.
وشدد على أن اعتماد البحث العلمي في الدول العربية على الإنفاق والتمويل الحكومي من العقبات الرئيسة التي تعترض تقدمه. وقال إن مخصصات التمويل والإنفاق الحكومي الرسمي على مجالات البحث العلمي والتكنولوجي في ميزانيات الدول العربية شبه معدوم، كما أن مساهمات القطاع الخاص لا تزيد على 5 في المئة من إجمالي ما ينفق على البحث العلمي في العالم العربي، بينما في الدول المتقدمة يعد القطاع الخاص الممول الرئيس للأبحاث، حيث يقدم أكثر من 50 في المئة من الميزانيات.
الإسلام دين العلم
ويقول الدكتور أحمد فؤاد باشا، عميد كلية العلوم الأسبق بجامعة القاهرة، إن الإسلام دين العلم والنظر العقلي والأخذ بالأسباب، ودعوته تؤكد إعمار الكون وتنمية المجتمعات والاعتماد على العلم والمنجزات العلمية لتيسير حياة الناس، مضيفاً أن النصوص الدينية التي تحض على السعي والاجتهاد خاصة في مجال العلم والبحث العلمي كثيرة، يقول الله تعالى: “اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم” العلق1-5، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم: “أنتم أعلم بأمور دنياكم”، وقوله أيضاً: “طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة”. وقال إن مقاصد الشريعة الإسلامية تحض على العلم بالواقع والإحاطة بكل ما فيه وامتلاك المعارف النافعة التي تحقق النهضة والتنمية للأمة الإسلامية، موضحاً أن التراث الحضاري الذي خلفه علماء الأمة على مر العصور يؤكد أن رسالة الإسلام هي العلم والاجتهاد وعدم التواكل والقعود عن السعي لأي سبب من الأسباب أو الركون عن العمل وطلب العلم لأن هذا يجعل أمتنا عالة على ما ينتجه الآخرون من مخترعات وإنجازات علمية وتكنولوجية ويجعل صورتها سلبية أمام العالم، بل ويعرض أمنها ومستقبلها للخطر ويجعل أعداءها يتحكمون فيها.
رفعة للإسلام
وأكد الدكتور نصر فريد واصل، مفتي الديار المصرية الأسبق، أن مصارف الزكاة في الإسلام يدخل فيها كل ما يخدم الإسلام والمسلمين وتقوية وتنمية الشعوب الإسلامية، والعلم أساس قوة المسلمين ورفعة للإسلام، والإنفاق على مجالاته سبيل للقضاء على أزمة الأمة المستحكمة التي جعلتها تتراجع.
ويضيف أن النهضة العلمية التي يعيشها العالم الغربي تحققت بفضل الحرص على الاستفادة من تجارب النهضة التي شهدتها المجتمعات الأخرى لا سيما النهضة الإسلامية، وأيضاً نتيجة الوعي بأهمية رعاية العلماء وأصحاب العقول الفذة وتخصيص الميزانيات الضخمة للإنفاق على العلم والبحث العلمي.
ويقول إن التحديات التي تعيشها الأمة تستوجب دعم البحث العلمي والأنشطة الأكاديمية من خلال مصارف الزكاة والصدقات والتبرعات، وجعل الزكاة المصدر الأساسي للميزانية في الدول العربية والإسلامية حتى نضمن تخصيص ميزانيات ضخمة للبحث العلمي ومشروعاته على غرار ما كان مطبقاً في الدولة الإسلامية في عصورها المضيئة.
ركيزة نهضة الأمة
ويقول الدكتور أحمد شوقي إبراهيم، رئيس المجمع العلمي لبحوث القرآن والسنة، إن البحث العلمي والابتكار التكنولوجي هو أساس التقدم وركيزة نهضة الأمم والشعوب، والعالم كله يبذل مجهودات كبيرة في مجالات الإنفاق على البحث العلمي وبراءات الاختراع واستثمار البحوث. ويؤكد أن عبور الفجوة العلمية والتكنولوجية التي يعانيها العالم الإسلامي ليس مستحيلاً، ولكنه يحتاج لرؤية واستراتيجية وقرارات مؤسسية تضمن وجود مصادر التمويل الرسمية أو الأهلية لأنشطة البحث العلمي وتوطين التكنولوجيا. وقال إنه لا يوجد موانع شرعية تمنع استخدام جزء من أموال الزكاة والصدقات التي يخرجها الأغنياء في العالم العربي والإسلامي والتي تقدر بالمليارات في تحسين مستوى البحث العلمي والتوسع في إنشاء المشروعات البحثية التي تهدف إلى إنجاز الاختراعات والابتكارات وتقديم الحلول العلمية لمختلف المشكلات.
جائز شرعاً
جاءت الفتوى التي أصدرتها دار الإفتاء المصرية مؤخراً لتؤكد جواز تقديم جزء من موارد الزكاة والصدقات لدعم أنشطة البحث العلمي والنهوض بالأبحاث التطبيقية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمؤسسات الإنتاج لاستعادة نهضة وازدهار الأمة العربية والإسلامية. ودعت إلى دعم الوقف العلمي والتكنولوجي بالصدقات والزكاة والتبرعات بهدف توظيف نتائج العلوم والتكنولوجيا في مختلف مجالات الحياة لتحقيق التنمية. وقال الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية، إن تقديم الزكاة لمجالات البحث العلمي جائز شرعا على مذهب الموسعين، مضيفاً أنه يجوز تدعيم المؤسسات العربية والإسلامية التي تتبنى تشجيع البحث العلمي وتمويل أنشطتها ورعاية مشروعاتها وتجاربها العلمية والتوسع فيها فهي من أولى المصارف بالدعم من أموال الزكاة. وأكد أن الشرع الإسلامى يجيز قبول الصدقات للأغراض التي تدعمها المؤسسات العلمية، موضحاً أن الصدقة أمرها واسع، فهي جائزة للغني والفقير، والمسلم وغير المسلم، فالمشروعات العلمية تعد من أعمال الخير التي تنتفع بها الأمة.
يجوز الإنفاق على البعثات التعليمية من الصدقات
يؤكد الدكتور حسين شحاتة، الأستاذ بجامعة الأزهر، أن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تضمنا تحديداً لمصارف الزكاة والصدقات، يقول الله تعالى: “إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم” التوبة 60، مضيفاً أن الفقهاء استنبطوا من هذه الآية مصارف زكاة المال وجعلوها للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم والذين أثقلتهم الديون ومن أصابتهم الكوارث والمصائب ومن في حكمهم، كذلك ما ينفق في إصلاح ذات البين وأيضاً ابن السبيل. ويقول إن مصرف في سبيل الله يراد به الإنفاق بصفة عامة لجعل كلمة الله هي العليا، ولحماية الدين لدفع الشبهات عنه ولحماية الأقليات المسلمة المطهدة في بلدان العالم، مؤكداً أنه يتسع ليشمل نصرة دين الله وطرقه وشريعته الغراء ورعاية مصالح المسلمين العامة التي بها قوام أمر الدين والدولة، ولهذا يدخل في نطاق إنفاق الزكاة في سبيل الله إنشاء المراكز البحثية والعلمية ودعمها وتمويلها وطباعة الكتب التي تساهم في تقدم المجتمعات الإسلامية والإنفاق على البعثات التعليمية لتغيير واقع الأمة وحماية مصالحها.
وأوضح أن القرآن الكريم أشار إلى مصارف الصدقات بخلاف زكاة المال، فقال عز وجل: “ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من أمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب” البقرة 177.
وأشار إلى أنه يستنبط من هذه الآية أن هناك حالات معاصرة لمصارف الصدقات التطوعية والجارية منها دعم المجاهدين في سبيل الله بالمفهوم الواسع، وكل ما يدخل في تفسير قول الله تبارك وتعالى: “وأعدوا لهم ما استطعتم” الأنفال 60، وأولها دور العلم والبحوث والمختبرات والمؤسسات البحثية والدراسات التي تساهم في تطوير الأمة والدفاع عنها، وطلبة العلم الذين خرجوا لطلب العلم النافع المشروع، ومختلف وجوه البر العامة التي فيها منافع للناس في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، ومنها بناء المساجد والمستشفيات الخيرية ودور الرعاية الاجتماعية ومراكز الثقافة الإسلامية وتمويل الأبحاث العلمية التي تفيد المسلمين وتحقق نهضتهم
المصدر: القاهرة