عبير زيتون (دبي)
تصف الناقدة والباحثة الإماراتية د. عبير الحوسني غياب النقد الأكاديمي عن الساحة العربية بظاهرة «وأدِ التفكير الناقد» الذي بات اليوم حبيس أدراج البحوث الجامعية، والمجلات الدورية المحكمة، البعيدة كل البعد عن تفكير القارئ العربي. وتؤكد لـ «لاتحاد» أن هذا «الوأد» أدى مع عملية التراكم، وتفشي النقد المجامل، وسهولة التأليف والطباعة، إلى تساوي كفتي الغث والسمين، في ميزان القيمة المعرفية والإبداعية، وحال من دون القدرة على التمييز بينهما.
وتشرح الحوسني التي أصدرت مؤخراً كتاب «النقد الثقافي في العالم العربي بين النظرية والتطبيق» «دائرة الثقافة والإعلام الشارقة» أهمية ما يسمى بالنقد الثقافي بالقول: «يمكن أن نعدّه نشاطاً نقدياً ومعرفياً، ظهر لدى العالم الغربي في أواخر القرن الماضي، نتيجة للمناداة والدعوة، إلى نقد جديد يتجاوز النقد الأدبي بجمالياته، بالتزامن مع التّغيرات التي طرأت على مفهوم ما بعد البنيوية، وما بعد الحداثة، وهو يهتم بالأنساق الثقافية المضمرة، والمستترة خلف الأبنية اللغوية، والسياقات المختلفة، وهذا ما أتاح له فرصة التقاطع مع المعارف الإنسانية الأخرى، كنظرية الأدب، وعلم الجمال، والتحليل النفسي والأنتروبولوجيا والتاريخانية الجديدة والتحليل الفلسفي، وغيرها».
وحول القيمة المعرفية المُضافة في خطوات تَكَون مؤلفِها الجديد الذي استغرق العمل عليه خمس سنوات من البحث والدراسة، وقدم كرسالة للدكتوراه تخصص نقد، تقول الحوسني: «من الصفات الرئيسة للنقد هي ديناميته الفكرية، وحركته المتواصلة، لذا لم تعد وظيفة النقد الأدبي، البحث في مواطن الجمال والقبح في الأعمال الإبداعية، لذلك كان لابد من وجود مشروع نقدي عربي حقيقي، يضيف ولا يستهلك، يقدم إضافات ملموسة على أرض الواقع، إضافة حقيقية، لا يستهلك النظريات الغربية التي هي في الأصل نتاج أوضاع سياسية وظروف اجتماعية مغايرة، من هنا تنطلق القيمة النقدية للكتاب، وتكمن في تشريحه للمفهوم، وإبراز أهميته، وآلياته، وأهداف جهوده الأكاديمية، مع تقديم قراءة مغايرة للمفاهيم، والضوابط، والأسس التي يقوم عليها مصطلح (النقد الأدبي)، خاصة، وأنه اتخذ من الغوص في طبيعة الأنساق الثقافية الكامنة وراء الكلمات، في النص الإبداعي، وسيلة لتفحص مكونات العمل الإبداعي، فحصا مجهريّا، بما يضمن بقاء النقد الأدبي حياً، مع تبدّل وظائفه الأساسية تماشياً مع القراءات الجديدة للنصوص».
ولكن كيف نستطيع اليوم أن نقيّم حضور ما يسمى بـ «النقد الثقافي أو الأدبي الأكاديمي» في الساحة الأدبية في الإمارات، وهي تشهد العديد من الفعاليات والمهرجانات الثقافية والفكرية؟ تقول رئيسة نادي النقد في اتحاد أدباء وكتّاب الإمارات برأس الخيمة: «إن الساحة النقدية في الإمارات، تشهد نوعاً من التغييب، مع بروز ظاهرة النقد الانطباعي، والمجامل، الذي يتعمد إظهار الإيجابي شكلانياً فقط، من دون القدرة على التشريح الحقيقي، وعن فعل النقد القائم على أسس علمية، ومنهجية التي لها أصولها ومعارفها. فاليوم نجد أي شخص يعمل في الصحافة، يمارس النقد انطلاقاً من قناعاته الشخصية، في استسهالٍ قاتل لمفهوم النقد، لإيمانه بأن هذا الأمر لا يحتاج لدراسة أو تخصص، وهذا ما يُسيء ليس لمفهوم النقد الإبداعي فقط، بل أيضاً للأعمال الإبداعية الجيدة، التي قد لا يلحظها. وهو مشكل أساء لمسار تطور المعرفة الأدبية والفكرية في الساحة العربية من مشرقها إلى مغربها».
وعن الحل لهذا الغياب الخطير للحؤول من دون استفحال آثاره على قيمة المنجز الأدبي والفكري ترى الحوسني، صاحبة «أنت المؤلف»، أنه من الصعب علاج هذا النقص الحاد معرفياً في عالمنا العربي، بمعزل عن الثقافة العربية والوضع العام له، وتضيف قائلة: «إن (النقد) مرتبط بحرية الفكر، وحرية التعبير، ونحن في العالم العربي أمام تحدّ كبير، متمثلاً في تراجع المعرفة، وتراجع النقد الأدبي، فنحن لا نجد من يحمي الناقد الأكاديمي، عندما يقوم بدوره المعرفي. وهذا يحتاج إلى مؤسسات حقيقية تحميه، وتحمي جهوده الأكاديمية، وتطور من عمله النقدي المدروس القائم على منهجيات، يجب أن تتوافر بكل من يقترب من هذه الساحة».
وحول طبيعة المسؤولية الملقاة على عاتقها، مع قرار اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، استحداث «نادي النقد» في فرع الاتحاد برأس الخيمة، تقول: «نحاول من خلال هذا النادي الاهتمام بالأعمال النقدية الأكاديمية، التي تتناول الإبداع الإماراتي شعراً ونثراً، وذلك باستضافة الباحث نفسه، لينقل لنا خبرته النقدية، وتجربته البحثية، وتعريف الجمهور المتلقي بالنقد، وأهميته، ووظيفته الأدبية، القائمة على التفسير والتوجيه والتقويم، مع التركيز على رصد الحركة النقدية في الخليج العربي عامة، والإمارات خاصة، ومدى تأثّرها بالمدارس النقدية الغربية، والسعي لمواكبة الحراك النقدي الفكري والواقع المعاصر، ومن الموضوعات التي نسعى لطرحها أيضاً ونشر ثقافتها النقدية، هي النظريات النقدية المعاصرة، والدراسات النقدية المواكبة للإبداع الأدبي المحلي والعربي والعالمي».