6 نجوم اصطفّوا على خشبة مسرح شاطئ الراحة ليلة الثلاثاء الماضي، وهم الذين أبهروا الجمهور المتذوق للشعر النبطي بكل ما أبدعوه خلال الحلقات الماضية من مسابقة “شاعر المليون” التي استأثرت قلوب الملايين من عشاق الشعر داخل الوطن العربي وخارجه. ورغم أنّ شروط المسابقة تقتضي أن يبقى خمسة شعراء فقط في الحلقة ماقبل الأخيرة، إلا أنّ جميع الشعراء ومن دون شك تربّعوا على عرش قلوب محبيهم ومشجعيهم، وبالتالي استحقوا ما كسبوا من إعجاب بدا واضحاً من خلال الحلقات التي تُبث على الهواء مباشرة من خلال قناتي “شاعر المليون” و”أبوظبي الإمارات”.
تمّ الإعلان عن الشعراء الخمسة الذين تمكنوا من الوصول للمرحلة النهائية من “شاعر المليون”، بحضور أعضاء لجنة التحكيم المكوّنة من حمد السعيد، د. غسان الحسن، وسلطان العميمي، وذلك بمجموع درجات التحكيم وتصويت الجمهور، وهم أحمد بن هياي المنصوري “الإمارات”، الذي استطاع كسب 61%، وعلي البوعينين التميمي “السعودية”، الذي كسب 67%، فيما حصل عبدالله بن مرهب البقمي”السعودية” على 64%، وسبقه في الدرجات سيف مهنا “السعودية”، الذي حصل على 66%، بينما وصلت درجات راشد أحمد الرميثي “الإمارات” إلى 60%، وهم المتربصون ببيرق الشعر الذي كان يزين المسرح، أما الشاعر الكويتي بدر المحيني الذي أضفى على البرنامج روحاً مرحة وحضوراً طيباً، فقد خرج تاركاً انطباعاً جميلاً عند الجمهور.
المنصوري: من القومية إلى الوطنية
كان أول المتسابقين الشاعر الإماراتي أحمد بن هياي المنصوري الذي ألقى على أسماع الجمهور قصيدة قال في مطلعها:
يدور الوقت والدنيا مثل ما هي قساه ولين على لله يا غثا علمن يبثه موجز الاخبار
عسف فينا الزمان وننشده وجه الحقيقه وين وهي بين العيون ايشوفها العاقل بدون ابصار
في حين كان د. غسان الحسن أول المتحدثين من بين أعضاء اللجنة، فقال إن الملامح القومية واضحة في النص، ومنها عاد الشاعر إلى الوطنية، وكان هذا جميلاً في بناء النص من حيث التراتب، أما الفكرة فقد جاءت مسطحة وقريبة التناول، ومع أن بعض العبارات التي وردت في النص مستعملة من قبل، إلا أن في بعضها الآخر إضافات.
سلطان العميمي من جهته أشار إلى أن الموضوع الذي كتب فيه الشاعر حيوي ومهم، وثمة وعي واضح فيه، والملاحظ أن عدداً كبيراً من الأبيات لم تكن فيها رموز، كما أن الشاعر لم يتناول الموضوع بسطحية إنما كان هناك غرض منها وفيها، بالإضافة إلى ارتفاع الشاعرية في النصف الثاني من النص الذي حمل تصويراً فنياً وتعبيرات جميلة، وما لفت انتباه العميمي هو ابتعاد المنصوري عن الهم الذاتي في مجمل قصائده التي قدمها خلال المسابقة، واقترابه من الهم العام، وهو ما اعتبره جيداً في مشواره الشعري.
وأكد حمد السعيد أن النص الذي كُتب على البحر الطويل جاء في توقيت سليم، أضاف إننا بحاجة إلى ما طرحه الشاعر في الجزء الثاني من النص، حيث دخل إلى الخليج بعد أن هيأ المتلقي في الجزء الأول، فدور الشاعر أن يكون ملماً بالأحداث وبالواقع، ومن خلال هذا النص وضع المنصوري إصبعه على الجرح، حيث وصف انهزامية الأمة العربية، وفي العموم جاء النص جميلاً جداً، ومتميزاً في تسلسله منذ بدايته وحتى خاتمته.
الرميثي: عودة إلى البحر
وحل ثانياً في إلقاء القصائد راشد أحمد الرميثي الذي اختار قصيدة “القفّال”، والتي قال في مطلعها:
سردال سايك للصعيبات مخصوص
والنوخذة قفّل ويبغي المنصّه
يا بحر لك حقٍ ولا هو بمنقوص
ودّي أقصّر دوب واهديك قصّه
وقد رأى سلطان العميمي أن “القفّال”، هي استمرار لتألق الرميثي في المسابقة، ومثلما بدأ بالبحر، ها هو يعود إليه لأنه مرتبط به، وهذا لا يعيب الشاعر طالما أنه يأتي بشيء جديد، ذلك أن البحر يشكل جزءاً من هويته، الأمر الذي بدا واضحاً في المفردات التي تدل على ارتباط الرميثي بالماضي زمانياً ومكانياً، وهو ما عرضه من خلال أسلوب الفلاش باك، أما بالنسبة لقافية الصدر “الصاد” وقافية “الصّه” في العجز فإنها ومن دون شك تحتاج إلى قاموس متمكن، وقد نجح الشاعر في استحضار مفردات متميزة وتوظيفها بشكل متميز، كما أنتج صوراً شعرية جميلة، وما يميز العجز التشديد على حرف الصاد، وختم العميمي رأيه بالقول: “لم تحدّ اللهجة من ابتكار صور شعرية، ومعانٍ جميلة أعطت النص قيمة كبيرة”.
وحمد السعيد قال: “إن ما يميز النص حضور البيئتين البحرية والبرية فيه، وطريقة الربط بينهما، أما توظيف الشاعر للبيئة البحرية فقد جاء بشكل جميل، وكأنه الشاعر ذاته عائد من رحلة الغوص، وفي النص العديد من الأبيات الجميلة التي تجعله يتألق دائماً”.
من جهته رأى د. غسان الحسن أن النص مدهش في كثير من جوانبه، ومن أهمها تلك الجوانب التي أوضحت وعي الشاعر بمرحلة الغوص، وبالمفردات وبالمعاني الخاصة بها، وبينما لا يرتبط الشاعر فعلياً بمهنة الغوص، إلا أنه مرتبط روحياً بالتراث، وثقافته قائمة عليه، ومن الغوض انتقل الرميثي للإشارة إلى أمله بالبيرق، كما أشار د. الحسن إلى منتصف القصيدة التي أثبت فيها الشاعر أنه يملك مقدرة على إنجاز عبارة مكثفة بحيث يمكن أن تكون مثلاً.
السهلي: كسر الجمود
سيف السهلي عاد في هذه الحلقة مع قصيدة حكمة دار موضوعها على نبذ النميمة كفعل اجتماعي مقيت، وفي مطلع القصيدة ذهب إلى القول:
شرهة الغايب على الحاضر لا وصل العلم حده
يكرم الجنب المتين ويكرم العرض النقاوي
مالك ومال البروق اللي عن ديارك مصده
تتقي بالحره وسيلك على الطيّب نحـاوي
وقد أشار حمد السعيد إلى جمال النص الاجتماعي المملوء بالحكم، وكأن الشاعر جسد تجاربه من خلال ما أورد من أبيات، كما علّق السعيد على الأبيات التي تحدث فيها الشاعر عن كرهه النميمة وهي السلوك السيئ الحاضر في المجالس. د. غسان الحسن ركّز على ذكاء السهلي في اختيار النص الذي ذهب إلى الحكمة وإلى خلاصة التجارب، واستقراء مواقف الناس والنهي عن الأمور السيئة، كما أشاد بالذكاء في اختيار الشاعر نصاً مفتوحاً، فمن يقرأه من نهاية ثلثه الأول وحتى آخره فلن يجده مبتوراً، موضحاً أن ذلك من طبيعة نصوص الحكمة والنصيحة، أما من حيث الشكل فقد طرز السهلي نصه بالصور وبالخيال الشعري وبالفنون التحسينية كذلك، والتي اعتمدت على التقسيم والسجع والطباق والجناس، وكل ذلك يؤكد قدرة الشاعر على تحويل النص الموضوعي إلى نص جميل.
سلطان العميمي قال: “كادت المباشرة تغلب على القصيدة لولا أن الشاعر استخدم ذكاءه، فطعّمها بصياغات شعرية جميلة، مشيراً أن نصوص الحكمة لا تحتاج إلى تجربة ذاتية، لافتاً النظر إلى البيت الذي جاء في منتصف القصيدة، والذي من خلاله وضع السهلي ذاته فيها، فساهم في كسر الجمود التقليدي، ولفت العميمي إلى استخدام الشاعر ثماني مفردات جاءت في صيغة النهي، ومثلها في صيغة الأمر، في حين أن القصيدة بمجملها مطعمة بخبرة السهلي بكتابة الشعر الجميل.
البقمي: التسلسل والتناسق
كان للجمهور موعد في “آخر المشوار” مع الشاعر عبدالله بن مرهب البقمي الذي قال في بداية نصه:
يغيب الوعي لا منّي ذكرتك يا آخر المشوار
وأفيق وفي يدي خيط الأمل لو طال مشواري
صحيح اخترت لكن ف الحقيقة ما قدرت اختار
بعد ما جفّت أقلام الرجا واختارت أقداري
وهو النص الذي وجده د. غسان الحسن جميلاً للغاية على الرغم من الإلقاء غير المستحسن، حيث بدا الشاعر وكأنه يريد الخلاص، فلم يكن هناك استشعار للمعاني، لكن النص مدروس ومكتوب بوعي، حتى أن الشاعر عبّر عن التوتر النفسي عنده من خلال البيت الأول الذي اعتبره د. الحسن في غاية الجمال، إلى جانب ما في النص من صور جميلة، ومن تنقل بديع، مبدياً إعجابه في البيتين الأول والأخير من النص.
ورأى سلطان العميمي أن مطلع النص ملفت، والذي يقوم موضوعه على التجربة الصادقة، فحمل الشاعر الكثير من التوهج والبوح والعتاب، وكذلك الاضطراب في المشاعر، فيما امتلأ النص بصور جميلة وبصياغات شعرية متميزة تجمع بين الحركة والدلالات الصوتية، مما جعله مليئاً بالحياة، وأظهر البقمي الصراع الذي يعيشه من خلال نص مبني بجمال وبإحكام.
أما حمد السعيد فقد أشار إلى النضوج الشعري المتواجد في النص، وإلى التسلسل الجميل والتناسق، إلى جانب الصورة الشعرية الكاملة التي تبدأ في الصدر وتنتهي في العجز، وهذا ليس غريباً على البقمي كما قال.
التميمي: عراقة وتمكّن
“ضربة فاس” هي عنوان القصيدة التي ألقاها علي البوعينين التميمي، والذي أجاد فيها برأي جميع أعضاء اللجنة، بعد أن سمعوها، حيث قال سلطان العميمي إن القصيدة تحمل همّ الشاعر وصدقه وإحساسه كذلك، لكنه أبدى ملاحظة عليها، وهي أن بعض مفاتيح أبواب القصيدة ظلت مع الشاعر، في حين أنه ترك أبواباً أخرى فيها مفتوحة، ما يضع المتلقي في دوامة، وبالنسبة للصياغات الشعرية فقد وجدها العميمي جميلة، في حين علّق على أحد الأبيات بأنه صادم بسبب التركيب، لكن هذا يؤكد أن التميمي متوقد الذهن، وهو ما جعله ينجز قصيدة متميزة وجميلة.
حمد السعيد نوّه إلى تمكن الشاعر من أدواته، فقد تميز النص في كل تراكيبه، وفي كل صوره الشعرية التي تمتد في بيتين أو ثلاثة أبيات، أما الجرس الموسيقي الذي اختاره التميمي فهو يناسب الحديث عن الفراق الذي شبهه بضربة فاس، مُبدياً إعجابه بالنص، وبالحبكة التي انتهجها الشاعر المتألق.
د. غسان الحسن أضاف أن النص يدل على عراقة البوعينين التميمي في كتابة الشعر، وعلى درايته في كيفية الكتابة وفق الأسلوب الذي يريد، لكن د. غسان وجد أن الارتباط بين الشكل والمضمون يكاد ينقطع، ويكاد يكون فيه غموض، معيداً السبب إلى عدم وجود بؤرة مركزية في النص، وعليه فقد تفرغ الشاعر للغة وللصور، واعتنى بالشكل وبالجمال، وهي حرفة يتقنها البوعينين.
نتائج ودرجات
في مجلس التحليل النفسي تحدثت د. ناديا بوهنّاد عن الشعراء المتنافسين خلال الحلقة، فوصفت حضور بعضهم بأنه قوي، فيما كان حضور بعضهم الآخر جيداً ومتفاعلاً.
وبالعودة إلى المسرح أعلن حسين العامري وحصة الفلاسي عن الدرجات التي منحتها اللجنة لفرسان الحلقة ما قبل الأخيرة وهي من أصل 30، فحصل أحمد بن هياي المنصوري على 26 درجة، وراشد أحمد الرميثي على 28، كما حصل سيف مهنا السهلي على 26، أما علي البوعينين التميمي وعبدالله بن مرهب البقمي فقد حصلا على27 درجة. في حين أعطى الجمهور المنصوري من التصويت 24%، والرميثي 35%، والسهلي 6%، والبقمي 18%، والبوعينين التميمي17%.أما التصويت عبر الموقع الإلكتروني فذهبت نتيجته للبوعينين التميمي الذي حصل على 25%.
معايير التقييم
قبل اختتام الحلقة تحدث سلطان العميمي عن التقييم الذي تمّ اعتماده للمرحلة النهائية في هذه الحلقة والحلقة الأخيرة التي ستعرض في الأسبوع القادم، حيث منحت اللجنة الشعراء عن قصيدتي الثلاثاء الماضي 30 %، وستمنح عن قصيدة الحلقة الأخيرة 30 % أيضاً، أي ما يشكل 60%، تُضاف إليها 40 % مخصصة لتصويت الجمهور الذي سيستمر بتصويته حتى الحلقة الأخيرة، وبعدها يتم تحديد حامل البيرق. وخلال الحلقة الأخيرة على الشعراء أن يردوا شعراً على قصيدة الشاعر ناصر العجمي التي ألقاها عن البيرق شرط ألا تقل عن ثمانية أبيات، ولا تزيد على عشرة.
خمسة بيارق
ناصر العجمي الحاصل على بيرق الشعر في الموسم الرابع من مسابقة “شاعر المليون” كان حاضراً، وقد عُرض عنه تقرير كامل حول مشاركته في الموسم الرابع من بدايته وحتى نهايته، ثم ألقى شاعر المليون وحامل البيرق ثلاث قصائد، وهي: “على الصفرة الرباع” و”ألا يا ليت شعري” و”يا ريم وادي ثقيف”، وقبل مغادرته الخشبة تمنى لو أن البيرق خمسة بيارق توزع على شعراء الأمسية جميعاً.