6 ابريل 2012
شاع منذ فترة طويلة وفي الكثير من المجتمعات تضخيم أهمية الأغذية الغنية بالفيتامين “بي 12” سواءً الطبيعية أو المصنعة، الأطعمة أو المكملات. وينبع هذا التهويل والتضخيم لأهمية هذا الفيتامين من بعض البحوث التي أسهبت في تعداد فوائده، وجعلته يبدو في نظر المستهلكين وكأنه غذاء طاقي يقضي على التعب ويقوي مناعة الإنسان فيُبعد عنه كل الشرور والأمراض. ما دفع الكثيرين إلى التهافت في الحصول عليه من أي مصدر كان، وانتشرت ممارسات التزود به عبر مكمل غذائي سائل أحمر اللون وقابل للحقن.
العلاج التعويضي
من المؤسف أن هذا الاعتقاد ظل سائداً على الرغم من ضعف الأدلة العلمية التي سيقت للترويج لأهمية هذا الفيتامين لجميع الفئات العمرية، ولعل نسبة استهلاكه ومبيعاته على شكل مكملات على نحو خاص تدل على أنه ما زال يحظى بشعبية كبيرة إلى الآن وسط الشباب أكثر من مستحقيه الحقيقيين: الكهول. وفي سنة 1985، أظهر تقرير وطني أن حوالي 2,5 مليون أميركي تلقوا حقن فيتامين “بي 12”، وتبين أن دوافع معظمهم لم تكن تعويض نقص هذا الفيتامين الفعلي في أجسامهم، ولكنهم قاموا بذلك لدوافع أخرى لا علاقة لها بحالتهم الصحية. وهذا أخطر ما في الأمر، كما يقول الباحثون.
وشهدت الأوساط العلمية الأميركية أول تجربة سريرية معتمدة ومحكمة حول فيتامين “بي 12” سنة 1973، وشملت هذه التجربة 29 شخصاً شاركوا جميعهم في دراسة استمرت لمدة ستة أسابيع متتالية. وكانت مستويات فيتامين “بي 12” في دم المشاركين جميعهم طبيعيةً، وقُدم لمجموعة منهم جرعةً من هذا الفيتامين مرتين في الأسبوع، بينما قُدم للمجموعة الأخرى غُفل لا يحتوي على أي عناصر غذائية أو دوائية فعالة، ثم مُنحوا فترة استراحة لمدة أسبوعين قبل الانتقال إلى المرحلة النهائية التي كانت مدتها أسبوعين أيضاً، والتي تم فيها تغيير الجرعات الحقيقية من الفيتامين “بي 12” بشكل سري وتقديمها للمجموعة التي كانت تتناول الغفل. ولم يخلص الباحثون في نهاية الدراسة إلى وجود أي اختلافات إحصائية على مستوى الشهية وأنماط النوم والتعب لدى المجموعتين، لكنهم لاحظوا أن أولئك الذين قُدمت لهم جرعات فيتامين “بي 12” مبدئياً كانوا أكثر سعادةً، وكانوا يشعرون بحال أفضل.
وفي دراسة أخرى أجريت سنة 1989، قُدم لمجموعة متكونة من 15 شخصاً مصابين جميعهم بمرض التعب المزمن خليط من مشتقات الكبد ولآخرين غفل خال من المغذيات، أو حمض الفوليك وفيتامين “بي 12” في مراحل مختلفة خلال دراسة استغرقت شهراً كاملاً. فلاحظوا أن مستويات التعب لديهم ظلت نفسها بصرف النظر عن الرقم الترتيبي للمرحلة.
عنصر ضروري
دور فيتامين “بي 12” يبقى مهماً إذا استُخدم كعلاج تعويضي للأشخاص الذين يعانون من نقص في هذا الفيتامين، فهو يُعد عنصراً ضرورياً لتمثيل الحمض النووي وتطور خلايا الدم الحمراء واندماج الأعصاب المحورية وأداء الوظائف الإدراكية. وهذا الفيتامين لا يُنتَج داخل أجسامنا، بل يمكننا الحصول عليه فقط من البروتينات الحيوانية أو الحبوب البروتينية الصناعية المقواة. وبمجرد استهلاكه، تُفرز المعدة حمضاً لاستخلاصه من الطعام، وذلك قبل امتصاصه لاحقاً في الأمعاء الدقيقة.
مستحقو ”بي 12”
وفق تقرير الصحة الوطنية والاختبار الغذائي للفترة 2001-2004 في الولايات المتحدة الأميركية، فإن 3,2% من أولئك الذين تتجاوز أعمارهم 50 سنةً يعانون من نقص في فيتامين “بي 12”، وأكثر من 30% منهم يفتقرون إلى الحمض المعدي الكافي لاستخلاص فيتامين “بي 12” من الأطعمة التي يتناولونها.
وينتشر اضطراب الافتقار إلى الحمض المعدي المساعد على امتصاص فيتامين “بي 12” في صفوف المرضى الذين يستخدمون أدوية مثبطات مضخة البروتون. ومن بين الأمراض التي يتسبب علاجها في التقليل من حمض المعدة الممتص لفيتامين “بي 12” دواء “ميتفورمين” الخاص بعلاج مرض السكري.
ويقول منتقدو متبعي مذهب “النباتيين” إنه يجب على معتنقي هذا المذهب أن لا يقسوا على أنفسهم وأن يحرصوا على الأقل على تعويض نقص الفيتامين “بي 12” بأغذية مقواة أو مكملات بروتينية. وتختل وظيفة امتصاص الفيتامين “بي 12” لعدة أسباب من أبرزها داء الأمعاء الالتهابي.
وينصح الباحثون بألا يُقْدم الشخص على أخذ مكملات غذائية لفيتامين “بي 12” على شكل حقن أو غيرها إلا إذا بعد استشارة الطبيب، وإذا كان عمره يتجاوز 50 سنةً، أو كان يتناول أحد مثبطات مضخة البروتون، أو الميتفورمين، أو كان نباتياً، أو مريضاً بداء الأمعاء الالتهابي.
عن “لوس أنجلوس تايمز”