الأحد 20 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات 34 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وزارة الأوقاف المصرية تبدأ تنفيذ مشـروع توحـيد الآذان

16 أكتوبر 2005

القاهرة - عبدالمعطي عمران:
خلال شهر رمضان تستعد وزارة الأوقاف المصرية لتنفيذ مشروع توحيد الأذان، الذي أعلنه د محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف، قبل أكثر من عام مضى، واثار موجة واسعة من الجدل، وتباينت آراء العلماء حوله بين مؤيد ومعارض
وقد انتهت وزارة الأوقاف من وضع اللمسات الأخيرة للمشروع الذي أنجزته إحدى شركات المصانع الحربية المصرية بتكلفة بلغت نحو خمسة ملايين جنيه، وتقوم فكرته على إنشاء شبكة إذاعة داخلية تربط مساجد القاهرة مركزيا لينطلق منها آذان واحد بصوت احد مشاهير القراء عندما يحين وقت الصلاة ويشمل المشروع أربعة آلاف مسجد بالقاهرة كبداية لتعميمه في سائر المحافظات·
وكان المشروع قد قوبل بعاصفة شديدة من الرفض والاستنكار من عدد كبير من العلماء في الأزهر والأوقاف ومن الرأي العام، باعتباره يلغي شعيرة من شعائر الدين، ويحل الآلة محل الإنسان ويحرم أكثر من تسعين ألف مؤذن تابعين لوزارة الأوقاف من عملهم، كما يحرم الناس من ثواب الأذان الذي ذكرته الأحاديث النبوية الشريفة، فضلا عن اهدار المشروع لملايين الجنيهات·
وفي حين أيده بعض رموز المؤسسات الرسمية في الأزهر ودار الافتاء، فقد عارضه اغلب الأئمة والخطباء بوزارة الأوقاف نفسها ولفترة التزم وزير الأوقاف بالصمت ازاء هذا الموضوع، إلى ان فاجأ الكثيرين مؤخرا بإعلانه عن قرب تنفيذ المشروع في أربعة آلاف مسجد بالقاهرة الكبرى بعد انتهاء الدراسات والتجارب الخاصة به بنجاح تام·
ويؤكد د زقزوق أن المشروع سيساهم في إشعار المواطنين بقدسية الأذان وروحانيته التي افتقدناها بعد ان عمت 'البلوى' عن طريق حرب مكبرات الصوت التي يساء استخدامها أبلغ اساءة
وذكر وزير الأوقاف أنه فكر في هذا المشروع لتحقيق أمرين في غاية الاهمية راحة الناس وهدوء بالهم في منازلهم وعدم إزعاجهم، خاصة أن فيهم المرضى والطلاب الذين يستذكرون دروسهم وكبار السن والاطفال، بالاضافة إلى المحافظة على جلال وقدسية وروحانية الأذان الذي تحول الى شبه معركة بين مكبرات الصوت، نتيجة الضوضاء وتداخل الأصوات الصادرة منها، بالإضافة إلى بعض الأصوات المنفرة التي تفتقر إلى عذوبة الصوت وحلاوته التي ينبغي ان يتحلى بها صوت المؤذن·
ورغم أن الضوضاء والأصوات المزعجة والمنكرة تملأ الشوارع والصخب والضجيج يطاردان الناس آناء الليل واطراف النهار، بعيدا عن الأذان الذي لا يستمر أكثر من دقيقتين، فإن وزارة الأوقاف مصممة على تنفيذ خطتها مهما كانت التكاليف فهل ستعيد هذه الخطة الهدوء إلى أهل القاهرة، وما مواقف المؤيدين والمعارضين لها من العلماء؟
الإعلام بالوقت
د نصر فريد واصل -مفتي مصر الاسبق- من المؤيدين لفكرة توحيد الأذان، حيث يرى أن الأذان معناه الإعلام والإخبار عن دخول وقت الصلاة، وتحديد الفواصل بين الفروض ووقت الأداء، بحيث لا يحدث تضارب بين الصلوات الخمس ومن هنا يرى أنه يجب أن يكون معلوما للناس العامة والخاصة أن ما درج عليه علماء السلف والخلف حتى عصرنا هذا يكون مؤديا للغرض، ولكن أصبح الآن هناك شيء من عدم التنظيم، وتضاربت أصوات المؤذنين في المساجد والزوايا، مما قد يؤذي مشاعر المسلمين، والأصل في العبادة هو التنظيم واليسر ورفع الحرج·
ويقول د نصر: وقد اقتضى الواقع التفكير في مثل هذا المشروع، بحيث يتم توحيد الأذان في المدينة الواحدة لمنع الآثار المترتبة على أداء الأذان بالصورة الموجودة حاليا من التضارب والتداخل بين أصوات المؤذنين، والتشويش الذي تحدثه مكبرات الصوت بعضها على بعض، كما أن القضية تتعلق بالإزعاج الذي زاد عن حده وأذهب قدسية وجلال الأذان في كثير من الأماكن·
ومن هذا المنطلق يرحب مفتي مصر الأسبق بالفكرة لأنها في رأيه تأتي في إطار المصلحة العامة ولا شيء فيها من الناحية الشرعية، وتتفق مع المقاصد والأحكام الشرعية، وهي مقبولة لإعلاء كلمة الله، والحفاظ على وقت قضاء الصلاة المفروضة، والالتزام بتعاليم الإسلام السمحة مع ضرورة الأخذ في الاعتبار مراعاة اختلاف المواقيت بين المدن المختلفة بسبب بعد المسافات بينها وفروق التوقيت التي تخضع للشروق والغروب حتى لا يحدث اي نوع من الالتباس·
ويتفق د جلال عبدالرحمن -أستاذ اصول الفقه بكلية الشريعة جامعة الازهر - مع فكرة توحيد الأذان، ويقول: الأذان معناه إعلام الناس بدخول وقت الصلاة، وحكمه أنه مكمل للفريضة، إذا تركه أهل بلد يأثمون، وعلى الإمام أن يقاتلهم حتى يقيموا الأذان، وكان بلال مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم يصعد الى أعلى بيت بالمدينة ليبلغ الناس بصوته العذب وقت دخول الصلاة حتى يذهبوا إلى المسجد لإدراك صلاة الجماعة، ومادام وزير الأوقاف يريد إبلاغ هذا الأمر للمسلمين عن طريق شبكة لربط المساجد بعضها ببعض في كل مدينة مثلا ويرفع الأذان عن طريق مكبرات الصوت في وقت واحد، فهذا لا مانع منه لأن المقصود هو توصيل الأذان الى الناس لإعلامهم بوقت الصلاة وأن يصل إليهم من كل مسجد·
مكبرات الصوت
ويرى الشيخ منصور الرفاعي عبيد -وكيل أول وزارة الأوقاف السابق- أن سوء استخدام مكبرات الصوت في المساجد، يسبب الكثير من الضوضاء والازعاج، ويقول: نظرا لأن الكثير من المساجد متقاربة فقد تداخلت الأصوات وأحدثت صداعا في رؤوس الناس من حولها، بسبب الفوضى التي يتعامل بها بعض العمال أو المشرفين على المساجد، مما دفع وزارة الأوقاف إلى وضع بعض التشريعات التنظيمية لاستعمال الميكرفون داخل المساجد، حفاظا على راحة الناس وعدم إزعاجهم، فنبهت الوزارة على عدم استخدام الميكرفون إلا في الأذان فقط أما إلقاء الدروس وتلاوة القرآن الكريم، فيقتصر على السماعات الداخلية·
ولكن المخالفات تحدث بسبب كثرة عدد الزوايا والمساجد في الحي الواحد، حيث تتداخل الأصوات وتحدث الشوشرة والإزعاج للناس، الذين لا يسمعون من هذه الميكرفونات إلا الصياح دون ان يفهموا شيئا، والإسلام حريص على راحة الناس وعدم إزعاجهم، وعلى جعل بيوت الله مصادر رحمة وطمأنينة وروحانية وليس سببا للازعاج والقلق وتنفير الناس بالضوضاء وبعض الأصوات الزاعقة
ويرى الشيخ محمد عبدالرحمن -مدير عام المساجد بوازرة الأوقاف- أن توحيد الأذان لا شيء فيه من الناحية الشرعية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان في المدينة المنورة، لم يكن موجودا إلا أذان واحد، وكان سيدنا بلال رضي الله عنه هو الذي يؤدي هذا الأذان بصوته العذب الجميل، ولذلك يشترط فيمن يؤدي هذه المهمة أن يكون حسن الصوت والأداء، وألا يخرج عن نصوص الأذان الشرعي، وليس كما يحدث الآن حيث نسمع كثيرا من الأصوات الزاعقة والمزعجة التي تفتقد إلى العذوبة والروحانية، فالهدف من توحيد الأذان هو القضاء على هذه الفوضى·
خطأ فقهي
وعلى الجانب الآخر هناك العديد من العلماء المعارضين لهذه الفكرة، ومن بينهم د محمد سيد احمد المسير -أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر- وهو يعدد أسباب رفضه لفكرة توحيد الأذان في النقاط الآتية:
* أنها خطأ فقهي، فالعبادات وشعائر الدين لا تمارس بميكنة آلية، ولا بأجهزة تكنولوجية، وإنما هي مرتبطة بالجهد الإنساني والإرادة البشرية، والرغبة في الثواب والحرص على الالتزام الشخصي لهذه الشعائر وقد حث الإسلام على الأذان والتنافس الشريف في أدائه، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا' كما أن الأذان مأمور به حتى لو كنا في الصحراء، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جن ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة·
* إنها تعطيل للشعيرة، فشأن المسلمين أن يذهبوا لأداء صلاة الجماعة في المسجد الذي ينادى فيه للصلاة، وصدى الأذان ليس أذانا، ونقل الذبذبات الصوتية لا يغني عن الأذان المباشر في موقع كل مسجد، فهذه الفكرة تمسخ الأذان وتلغيه من قائمة الآداب الشرعية للمساجد والجماعات·
* إن التعلل بانتقاء الصوت هو حجة واهية، فتوحيد الأذان ليس انتقاء للصوت، وانما هو احتكار للصوت، والقول بأنها تقضي على الإزعاج الصادر من ميكروفونات المساجد، هو قول متهافت ما دام الصوت المركزي، سينطلق من نفس الميكروفون في كل مسجد، كما أن الزعم بأن المرضى والطلاب يزعجهم الأذان، هو قول مناف للحقيقة، لأن المريض والطالب في حاجة إلى التذكير بقدرة الله تعالى التي لا يعجزها شيء في الأرض ولا في السماء، فالأذان يمنح الناس الأمل في عفو الله ورحمته، ويجعل القلب موصولا بالملأ الأعلى، وينتشل الإنسان من ماديات الحياة إلى روحانياتها، كلما تكرر خمس مرات في اليوم والليلة·
* إن هذه الفكرة فتح لأبواب الفتنة، فقد ينسج على منوالها خطبة الجمعة، بحيث تلقى مركزيا وتبث على كافة المساجد، وليس ذلك ببعيد على من يفكر مثل هذا التفكير بل قد تتوالى الفتن، فتغلق المساجد، ويصل الناس في البيوت حيث يتوافر الأذان الندي من المذياع والتلفاز، وحيث نسمع الخطب الممتعة ونشاهد المصلين على الشاشات الفضائية والمحلية!!·
إهدار المال العام
أما الدكتور عبدالعظيم المطعني -الأستاذ المتفرغ بجامعة الأزهر- فهو من الرافضين لفكرة توحيد الأذان، لأن الأذان عبادة، أي أن أداءه من المسلم عبادة يثاب عليها فاعلها، فينبغي أن يظل كما هو، لا أن يصدر من آلة قد تتعطل أو يحدث لها أي خلل أو عطل أو انقطاع كهرباء، فتتعطل شعيرة الأذان في مدينة كالقاهرة بأكملها ويقول: اختلاف أصوات المؤذنين ليس مشكلة، وإن كان على وزارة الأوقاف أن تختار أصحاب الأصوات الندية وتدربهم على أداء الأذان حتى لا يخطؤوا فيه ومنذ صدر الإسلام والأذان يرفع مباشرة من صوت طبيعي يجلجل في الآفاق بنداء الصلاة، وهو باب من أبواب اكتساب الأجر والثواب عند الله تعالى، كما أن هناك أكثر من تسعين ألف مؤذن بوزارة الأوقاف، فماذا سنفعل بهم؟ ولماذا إهدار ملايين الجنيهات على هذا المشروع الذي نحن في غنى عنه وليس هناك أي ضرورة له؟ بل يمكن بشيء من التنظيم وحسن الادارة أن نستغني عنه، فتستطيع وزارة الأوقاف أن تأمر المساجد وكلها تحت إشرافها سواء كانت أهلية أو منضمة للوزارة- بالأذان في وقت واحد، وأن يقتصر الأذان على مسجد واحد في كل منطقة، في حين تلتزم الزوايا المتقاربة بالأذان في السماعات الداخلية مثلا حتى لا يحدث الضجيج والتضارب في الأصوات الذي يتعللون به لتنفيذ هذا المشروع ·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض