أسماء الحسيني – شوقي عبد العظيم، وكالات (القاهرة – الخرطوم)
ذهبت آمال الانفراج السياسي في السودان مع الريح أمس عقب قيام قوات الأمن بفض اعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة بالخرطوم بالقوة وسقوط نحو 30 قتيلاً وإصابة العشرات، بحسب مصادر طبية لـ«الاتحاد»، في الوقت الذي شكلت فيه السلطات القضائية لجنة للتحقيق في عملية فض الاعتصام.
ودعت قوى إعلان «الحرية والتغيير» إلى إضراب سياسي عام وعصيان مدني شامل، محملة المجلس العسكري الانتقالي مسؤولية مقتل المعتصمين، ودعت ضباط وضباط صف وجنود القوات المسلحة للقيام بمهامهم في حماية المحتجين العزل، والتصدي بحزم للمليشيات التي تستبيح دماء وحرمات السودانيين في الشوارع. وأعلنت وقف كافة أشكال التفاوض مع «المجلس العسكري».
يأتي ذلك في الوقت الذي نفى فيه «المجلس العسكري» نيته فض الاعتصام، مؤكداً أنه كان يسعى لإنهاء حالة الانفلات الأمني في منطقة كولومبيا العشوائية القريبة من الاعتصام ومجدداً دعوته للتفاوض. وانتشرت عناصر الأمن بكثافة في شوارع الخرطوم أمس مع خروج المظاهرات بكثافة احتجاجاً على فض الاعتصام بالقوة. وقام المتظاهرون بإحراق إطارات السيارات، كما أصاب الشلل مطار الخرطوم. وبدت شوارع العاصمة السودانية خالية تماماً مع حركة سير متفرقة وعدد قليل من المارة خصوصاً مع توقف المواصلات العامة.
وأغلقت العديد من المتاجر والصيدليات أبوابها في أرجاء المدينة. وظلت عدة شوارع مغلقة بفعل المتاريس التي أقامها المتظاهرون من الحجارة وجذوع الشجر والإطارات المشتعلة.
وقال مصدر أمنى سوداني لـ«الاتحاد» إن قوة ضخمة مشتركة من كافة القوات النظامية من القوات المسلحة وجهاز الأمن والشرطة والدعم السريع هي التي تولت تنفيذ عملية ملاحقة المتسربين من المنفلتين بمنطقة كولومبيا الإجرامية الملاصقة لميدان الاعتصام والمتداخلة معه في داخل الميدان، وتطورت إلى عملية للتعامل بصرامة مع كل حالات وظواهر الانفلات.
ومن ناحية أخرى، ذكرت لجنة أطباء السودان المركزية أن شهود عيان أكدوا لها أن عدداً من المعتصمين سقطوا قتلى في أرض ميدان الاعتصام، وتم التخلص منهم في النيل، وأن هناك بعض الجثث بدأت تطفو على سطح النيل. وأضافت أن قوات عسكرية أطلقت الرصاص داخل مستشفى شرق النيل. ومن جانبهم أكد نشطاء وشهود عيان أن الأمر تكرر في مستشفيات أخرى بالخرطوم. ودعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة «أطباء بلا حدود» إلى تقديم المساعدة العاجلة لإغاثة المصابين.
وقالت اللجنة إن القوات الأمنية أطلقت النار داخل مستشفى أثناء مطاردة المتظاهرين، كما أشارت إلى تطويق مستشفى آخر ومنع المتطوعين من الوصول إليه.
وقال الفريق شمس الدين كباشي، المتحدث باسم المجلس العسكري، إن القوات السودانية استهدفت فقط منطقة كولومبيا المجاورة لمقر الاعتصام التي باتت تمثل خطراً على أمن السودانيين بعد أن أصبحت بؤرة للفساد والممارسات السلبية، وأضاف كباشي أن «السلطات المعنية قررت التحرك صوب هذه المنطقة لإزالة هذا الخطر». وجدد المجلس العسكري دعوته إلى التفاوض مع القوى المدنية في أقرب وقت بهدف التوصل للحل المنشود للسودان.
وقال إن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع والقوات النظامية الأخرى انحازت لإرادة التغيير وظلت تعمل جاهدة للوصول إلى اتفاق حول الترتيبات للفترة الانتقالية وقد حققت تقدماً ملموساً في هذا الإطار.
وأشار المتحدث إلى أن «وتيرة الأحداث تصاعدت مؤخراً وأفرزت واقعاً مغايراً عقد المشهد ومثل تصعيداً أمنياً يتنافى مع غايات الثورة السلمية»، مضيفاً أن «ذلك أدى لظهور مناطق خارجة عن القانون تمارس فيها كل الأفعال المخالفة للقانون، مما دعا شركاء التغيير إلى التوافق على استنكار ورفض ما يحدث».
وأكد المجلس العسكري أنه «في إطار مسؤولياته الوطنية قامت قوة مشتركة من القوات المسلحة السودانية والدعم السريع وجهاز الأمن والمخابرات وقوات الشرطة بإشراف وكلاء النيابة بتنفيذ عملية مشتركة لتنظيف بعض المواقع المتاخمة لشارع النيل (كولومبيا) والقبض على المتفلتين ومعتادي الإجرام»، مشيراً إلى أنه أثناء تنفيذ الحملة احتمت مجموعات كبيرة منهم بميدان الاعتصام، ما دفع القادة الميدانيين وحسب تقدير الموقف لملاحقتهم، مما أدى إلى وقوع خسائر وإصابات.
ورفضت قوى «الحراك» السودانية بيانات وتصريحات المجلس العسكري الانتقالي، حيث حملت قوى «الحرية والتغيير» المجلس المسؤولية عن تنفيذ «جريمة» فض الاعتصام، وأعلنت وقف الاتصالات والتفاوض معه، كما دعت السودانيين إلى الإضراب السياسي والعصيان المدني الشامل والمفتوح، وناشدت المجتمع الإقليمي والدولي إلى عدم الاعتراف بـ«الانقلاب» والانحياز لخيارات ثورة الشعب السوداني.
وتوقع سياسيون وناشطون أن تتجه الأمور في السودان إلى مزيد من الاحتجاجات، والتصعيد والتصعيد المضاد.
وقالت مصادر في قوى «الحرية والتغيير» إن 3 يونيو سيكون تاريخاً فاصلاً في مسار الثورة السودانية، وعلاقتها بالمجلس العسكري.
ومن جانبه أكد ياسر عرمان، نائب رئيس الحركة الشعبية والقيادي بقوى الحرية والتغيير، أن «ما حدث جريمة وانقلاب على الثورة، وقد أنهى مسار الحوار مع المجلس العسكري»!
وأضاف عرمان، في تصريحات لـ«الاتحاد»، أن قوى الثورة ليس لديها طريق آخر سوى المواجهة السلمية والواسعة للمجلس العسكري، وأنها ستهزم كل محاولات إجهاض الثورة من قبل قوى الثورة المضادة، الذين يسيطرون على أجهزة الدولة والمال والسلاح، مؤكداً أن الشعب السوداني لديه من الوعي ما يمكنه من بلوغ وتحقيق أهداف ثورته، كما أن لديه تجربة في إسقاط الأنظمة الديكتاتورية. وطالب عرمان المجتمع الدولي والإقليمي بإدانة «الجريمة» واعتماد قوى الحرية والتغيير كممثل شرعي، ومطالبة المجلس العسكري بتسليم السلطة فوراً لحكومة مدنية تمثل قوى الثورة السودانية.
فيما قال الدكتور إبراهيم الأمين، نائب رئيس حزب الأمة والقيادي بقوى الحرية والتغيير، لـ«الاتحاد» إن الشارع السوداني خرج في كل أنحاء البلد دون انتظار دعوات للخروج، وأكد أن الهجمة على مقر الاعتصام ستدفع السودانيين بحسم مع الخط الثوري، وما كان يجب أن يفض الاعتصام بهذه الطريقة، التي ستشعل مزيداً من الاحتجاجات ومن التصعيد.
وكان حزب الأمة القومي أكد أن فض الاعتصام «غدر» و«جريمة متهورة» في عنق المجلس العسكري، وأن المجلس أقدم على فض الاعتصام بالرصاص الحي، وهو العمل الذي ظللنا نرفضه ونحذر منه بشدة وباستمرار، وأن الحزب يقف بكل قوة وبلا تحفظ إلى جانب كل النهايات المتاحة، ضد هذا «العمل الغاشم».
ومن ناحية أخرى أصدر الصادق المهدي رئيس الحزب بياناً يرد فيه على سيدة ظهرت في قناة «الجزيرة» القطرية تزعم أنه كان على علم بالهجوم على الاعتصام. وقال المهدي إن هذا الحديث عارٍ عن الصحة، وإن جماهير حزب الأمة كانت في الاعتصام حتى لحظة الهجوم.
وقال حزب المؤتمر السوداني إن المجلس العسكري وضع قوى الثورة أمام خيار واحد هو مواصلة الثورة من أجل إسقاط النظام.
وأشار إلى إرسال المجلس إشارات متواترة خلال الأيام الماضية حول عزمه فض الاعتصام.