الجمعة 18 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات 34 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

التجارب النووية الفرنسية الـ 17 بالصحراء الجزائرية جريمة ضد الإنسانية

14 أكتوبر 2005

الجزائر- حسين محمد :
تعد التجارب النووية الفرنسية الـ(17 ) التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية بين سنوات 1960و 1966 إحدى الجرائم ضد الإنسانية التي إرتكبتها خلال فترة إحتلالها للجزائر وبعدها؛ إذ أن أغلبها أجري بعد إستقلال البلد في 5 يوليو 1962 بموجب إتفاقية إيفيان مع الحكومة الجزائرية المؤقتة·· في هذا الملف نتناول تفاصيل الجريمة: بداية البرنامج النووي الفرنسي وكيف حولت فرنسا الصحراء الجزائرية وسكانها إلى حقل تجارب مستمرة لقنابلها النووية، وما خلفه ذلك من آثار وخيمة على الإنسان والبيئة وشهادات جزائريين عايشوا هول التجربة·
ما إن تمكنت الولايات المتحدة الأميركية من تصنيع قنبلتها الذرية الأولى وإجراء أول تفجير إختباري في 16 يوليو1945 ثم إلقاء قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين في 6 و9 أغسطس 1945 ، حتى سكن فرنسا هاجس إمتلاك السلاح الذري بدورها والتخلص من التبعية لأميركا، وازداد هذا الهاجس إلحاحًا بعد توصل الإتحاد السوفيتي' سابقا' وبريطانيا إلى إمتلاك سر صنع القنبلة الذرية· آنذاك قررت فرنسا عمل كل ما بوسعها لتصنيع هذا السلاح والتخلص من عقدة النقص والتبعية لهذه الدول التي حررتها قبل ذلك ،من الإحتلال النازي لأراضيها· وفي 8 أكتوبر1945 أصدر دوغول مرسوما يقضي بإنشاء 'محطة الطاقة النووية' وأوكل لها مهمة البحث عن أسرار تصنيع القنبلة النووية وتوفير كل الوسائل الضرورية لذلك· وانصبت بعدها الجهود العلمية والعسكرية على تحقيق الهدف لاسيما وأن الولايات المتحدة وبريطانيا رفضتا تزويد فرنسا بسر الوصول إلى قلب الذرة وتصنيع سلاح نووي ، وبدأ العلماء الفرنسيون ينجزون الدراسات العلمية والتقنية منذ 1945 ثم بدأت مرحلة الجهود التطبيقية ببناء مخابر ومفاعلات في العديد من المناطق الفرنسية منذ سنة 1948 ·
'رقان'··وكنز القنابل
وفي 1955 بدأت مرحلة تجسيد المشروع الفرنسي لانجاز قنبلة ذرية، وتم صنع مختلف عناصرها ومكوناتها بمنطقة ' برويار لوشاتيل'· ووضعت رزنامة ، منذ عام 1957 ، حدد فيها تاريخ التفجير في النصف لأول من سنة 1960 ، ولم يتبق سوى وضع اللمسات الأخيرة على القنبلة واختيار المكان المناسب لتفجيرها، فوقع اختيار الفرنسيين على ' رقان' بأقصى الصحراء الجزائرية·
وصادف أن بدأت المفاوضات بين فرنسا وجبهة التحرير الجزائرية بعد اشتداد لهيب الثورة المسلحة منذ 1959 ، فأبدت الحكومة الفرنسية تشبثا عنيدا بالصحراء الجزائرية وقررت، في 16 سبتمبر 1959 ، فصلها عن المفاوضات وساومت جبهة التحرير على منح الإستقلال لشمال الجزائرفقط مقابل تخليها الكامل عن الصحراء، وكان ذلك السبب الأول لفشل الجولات الأولى من المفاوضات بين الطرفين بسرعة حيث رفضت جبهة التحرير العرض الفرنسي جملة وتفصيلا وأصرت على استقلال البلد كله أو مواصلة الثورة·
وكانت جبهة التحرير تعتقد في البداية أن سبب تمسك فرنسا بالصحراء يعود إلى اكتشافها كنزا هائلا من البترول إبتداءً من 1957 ، بين أنه مع أول تفجير نووي فرنسي في ' رقان' عام 1960 ، تبين أن لفرنسا سببًا آخر لايقل عن عامل النفط إن لم يفقهُ أهميةً وهو الرغبة بجعل المنطقة حقلا مثاليا لتجاربها النووية·
وكانت فرنسا في البداية ترغب بإقامة مجموعة من المصانع العسكرية الثقيلة في عدد من مستعمراتها الإفريقية بعد أن أصبحت أوروبا ، كما دلت تجربة الحرب العالمية الثانية، منطقة غير آمنة لهذا النوع من الصناعات التي تتحطم بسهولة، وكانت فرنسا تخشى المواجهة مع الإتحاد السوفييتي وتحطم مصانعها داخل أراضيها الضيقة ففكرت بإقامة 'قاعدة خلفية' لها بإفريقيا ، غير أن إشتداد التوتر داخل هذه المستعمرات وفي مقدمتها الجزائر، دفعها إلى التخلي عن البرنامج والتركيز فقط على الإحتفاظ بالجزائر ثم تقلص الإهتمام وانصب تحديدا على الإحتفاظ بالصحراء لتحقيق' الردع النووي ' الذي يمكنها من تفادي خوض حرب مدمرة كتلك التي خاضتها مع ألمانيا· وبسبب هذه الرغبة ، طالت المفاوضات بينها وبين جبهة التحرير الوطني لمدة ثلاث سنوات كاملة ولم توافق على إستقلال الجزائر كاملا إلا بعد أن قبل الجزائريون ببقاء قواعد عسكرية في الصحراء لمدة 5 سنوات بعد الإستقلال، وكان ذلك أحد أسباب غضب العقيد هواري بومدين على الحكومة الجزائرية المؤقتة التي قبلت هذا التنازل وهي تدرك ما وراءه من إستعداد فرنسا لمواصلة تجاربها النووية·
13 فبراير ··1960 أول جريمة
بعد أن قررت فرنسا تفجير أول قنبلة نووية في 'رقان' جنوب الجزائر، بدأت تهيئ المنطقة لإحتواء التجارب، فبعثت إليها فرقة من 6500 عالم وتقني وجندي إضافة إلى 3500 عامل جزائري شغلوا بطريقة تشبه السّخرة لاسيما وأن الكثير منهم كانوا مجاهدين اعتقلتهم القوات الإستعمارية · واستقرالمقام بالجميع بمنطقة 'حمودية' 65 كلم عن ' رقان'، وبنيت مدينة جديدة من السكنات الجاهزة لإيوائهم وأقيمت أجهزة رصد ومطار ومنشآت جوفية لحماية الأشخاص، وأستكمل تجهيز المنطقة لإجراء أول تجربة·
وضعت القنبلة النووية الفرنسية الأولى على برج معدني يرتفع عن سطح الأرض ب106 أمتار، ونصبت كاميرات على أبراج أخرى على أبعاد مختلفة لتسجيل الحدث بالصورة ووضعت حول برج القنبلة دبابات وسفن بحرية وأسلحة مختلفة لقياس تأثير الإشعاعات النووية والحرارية على الأسلحة كما وضعت عينات من المعادن في المناطق المحاذية للنقطة صفر لدراسة التغيرات التي تطرأ على تركيبتها·
ومن الناحية الصحية ،جلبت مياه ومواد غذائية وحيوانات مختلفة وهي بحسب الباحث في الهندسة النووية عمار منصوري: فئران(600) ،زواحف، حشرات ، طيور وكلاب وماعز وإبل وأرانب وقطط لدراسة مفعول التفجير النووي والإشعاعات الناتجة عنه ،على الكائنات الحية والنباتات والمياه·
إلا أن الجريمة ضد الإنسانية تتجلى في جلب قرابة 200 أسير من مجاهدي جيش التحرير لإستعمالهم كحقل للتجارب ' كوباي' مما أدى إلى إستشهادهم جميعا، وبهذا الصدد يقول الكاتب الفرنسي ' برولو باريلو ' في كتابه ' التجارب النووية الفرنسية 1960 1996 - ' أن الأسرى وجدوا بعد التجربة متجمدين كقطع البلاستيك المحترق·
وإضافة إلى ال200 أسير جزائري، أستعمل سكان ' رقان' ومن جاورهم ' موضوعا' آخر لدراسة تأثير الإشعاعات دون علمهم ؛ حيث يؤكد شهود عيان قدموا شهادات متطابقة ل' المركز الجزائري للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954 ' أنه تم توزيع قلادات عليهم قبل التفجيروأمرهم الجنود الفرنسيون بوضعها في أعناقهم ، وتبين بعد ذلك أن الهدف هو قياس شدة الإشعاعات التي تعرضت لها القلادات ، وطلب الجنود من السكان الخروج من ديارهم والإحتماء بغطاء فقط · وبعد التجربة سارع الفرنسيون إلى إرسال مجموعة من المختصين بالطب الإشعاعي إلى 'رقان' لفحص السكان·
اليربوع الأزرق
في يوم 12 فبراير1960 وقبل التجربة ب 15 دقيقة، انطلقت في السماء 3 أسهم نارية معلنة عن قرب وقت الإنفجار، وقبل 50 ثانية فقط أطلق سهم أحمر وبدأ العد التنازلي ثم انفجرت القنبلة التي تحمل اسم' اليربوع الأزرق' بقوة 70 كيلوطن ؛ أي أكثر من ثلاثة أضعاف القوة التدميرية لقنبلة هيروشيما، وتشكلت كرة نارية هائلة انبعث منها ضوء باهر ثم سمع دويها الرهيب، ثوان بعد ذلك انطلقت طائرات موجهة عن بعد وحلقت فوق القطر الكبير واخترقته طائرة ،وحطت بعد ذلك ليسارع المختصون إليها لدراسة الإشعاعات التي سقطت عليها، وتم تسجيل كل مراحل التجربة ونقلها إلى باريس لإطلاع الجنرال ديغول عليها في نفس اليوم فسارع إلى عقد ندوة صحفية للإعلان عن نجاح فرنسا بالإنضمام إلى 'النادي النووي' ليصبح رابع بلد في العالم يملك السلاح الذري، وزعم ديغول أن التجربة لم تمس إلا رقعة صغيرة من الصحراء وهي خالية من السكان وبالتالي لم تحدث أية أضرار بيئية أو بشرية ·بينما قال جيل موش مندوب فرنسا في الأمم المتحدة لأعضاء المنظمة إن التجارب تمت في 'صحراء العطش التي يتفاداها البدو الرحل دوما'·
وسرعان ما تبين زيف هذه الإدعاءات بعد أن بدأ ينكشف حجم الأضرار الصحية والبيئية التي خلفها التفجير والإنفجار، كما أورد برونو باريلو' قي كتابه' التجارب النووية الفرنسية 1960- 1996 ' شهادة مهمة لإيف روكار المستشار العلمي للبحرية الفرنسية أن ضباط الطيران الفرنسي الذين كلفوا بمراقبة المدى الذي تبلغه السحابة النووية الناجمة عن الإنفجارأكدوا له بلوغها إلى غاية الحدود الليبية، مما يعني أن مداها الحقيقي تجاوز الألف كلم عكس التقارير الفرنسية التي تتحدث عن إمتداد لايتعدى 150 كلم طولا و30 كلم عرضا· كما سقطت أمطار تحمل إشعاعا نوويا في منطقة 'فاغو' بالبرتغال يوم 13 فبراير1960 ثم أمطار أخرى مشابهة باليابان في 17 فبراير 1960 ·
ونبه الكاتب الفرنسي أن المنطقة لم تكن خالية من السكان بل إن منطقة 'توات' القريبة من التفجير آهلة بالسكان وتضم سلسلة من واحات النخيل، المورد الرئيس لغذائهم ورزقهم، وأكد تفاقم حالات الإصابة بالسرطان والأمراض التنفسية والجلدية والإجهاض والعقم منذ 12 فبراير إلى يومنا هذا، ليخرج الكاتب بملاحظة هامة وهي أن فرنسا أجرت تجربتها الأولى ثم 3 تجارب سطحية أخرى برغم درايتها الكاملة بتأثيرها الماحق على السكان والبيئة مما يعني أن 'التدابير الوقائية' التي تقول فرنسا إنها اتخذتها ، مجرد أكذوبة تدمغها الحقائق المريرة ·
ثلاثة' يرابيع' أخرى مدمرة
هللت إسرائيل للتجربة وقالت إنه' أمر مفرح لكل العالم الغربي ' ورحبت أميركا أيضا وقال إيزنهاور إنها أمر طبيعي، كما أيدتها بريطانيا والحلف الأطلسي وسكتت عنها الأمم المتحدة لإفتقادها إلى مواد قانونية تمنع إجراء هذا النوع من التجارب· وبالمقابل ندد وزير الإعلام بالحكومة الجزائرية المؤقتة محمد يزيد بالتفجير النووي الفرنسي وقال في تصريح يوم 22 فبراير 1960 إن التجربة تعد جريمة أخرى ضد الإنسانية وتحديا للضمير العالمي وهي لن تضيف شيئا لقوة فرنسا ، كما لقيت التجربة تنديدا واسعا من دول عربية وإسلامية ودول المعسكر الإشتراكي آنذاك و دول في العالم الثالث·
غير أن فرنسا لم تبد أي اكتراث بردود الفعل المنددة والرافضة وواصلت تجاربها النووية بالصحراء الجزائرية، حيث فجرت ثلاث قنابل نووية سطحية أخرى في ' رقان' بنفس الطريقة وهي 'اليربوع الأبيض' في 1 أبريل 1960 بقوة 20 كيلوطن ثم 'اليربوع الأحمر' بنفس القوة التفجيرية في 27 أبريل 1960 ثم آخر قنبلة سطحية 'اليربوع الأخضر' في25 أبريل1961 بقوة أقل من 20 كيلو طن ، وخلفت التجارب الأربع خسائر بيئية وصحية مضاعفة بسبب حمولة القنابل من البلوتونيوم ، وخلفت المزيد من ردود الأفعال المنددة والمطالبة بوقفها، ونتيجة لذلك اتجهت فرنسا إلى تبني خيار إجراء تجارب باطنية في أنفاق تحفرها لهذا الغرض في مكان ملائم بالصحراء الجزائرية·
الحكومة المؤقتة·· وغضب بومدين
أجرت فرنسا تلك التجارب النووية السطحية الأربعة التي فجرتها فرنسا في صحراء ' رقان' جنوب الجزائربعد التوصل إلى سر تصنيع السلاح الذري والإنضمام إلى 'النادي النووي' العالمي، وبعدها اضطرت فرنسا إلى إيقاف تجاربها السطحية والإتجاه إلى إجراء التجارب الباطنية تحت تأثير الإنتقادات الدولية وربما إتفاقها مع 'الحكومة المؤقتة' الجزائرية كجزء غير مكتوب من اتفاق إطلاق النار بين الجانبين، و قد أجرت 13 تجربة باطنية وواحدة أخرى فاشلة في أنفاق حفرتها لهذا الغرض وسخرت لها آلاف المسجونين والعمال الجزائريين موهمة إياهم بأنهم ينقبون عن الذهب·
حينما قررت فرنسا التحول إلى إجراء التجارب النووية الباطنية،اختارت منطقة 'إن إيكر' بالصحراء الجزائرية لإعتبارات جيولوجية، حيث وجدت مصالح المناجم الفرنسية جبل' تاوريرت' بالهقار على بعد حوالي 100 كلم شمال ولاية تمنراست، ملائما لإجراء التجارب لكتلته الغرانيتية الصلبة ويبلغ محيطه 40 كلم، وقامت بحفر أنفاق باطنية أفقية طويلة من 800 إلى1200 مترمخترقة الجبل من عدة جهات·
أنهيت تهيئة نفقين في السداسي الأول لعام 1961 ، وفجرت القنبلة الأولى واسمها 'أغات' وقوتها أقل من 20 كيلوطن، يوم 7 نوفمبر ،1961 فزعزعت الجبل وما حوله ووصلت إلى جبال' مرتوتك' على بعد 70 كلم تقريبا·
وفجرت القنبلة الثانية في أول مايو 1962 ؛ أي بعد 41 يوما من اتفاق وقف إطلاق النار بين جبهة التحرير الوطني وفرنسا والذي مهد لإستقلال الجزائر في 5 يوليو 1962 ، مما يدعو إلى التساؤل عما إذا كانت هذه التجارب جزءا غير مكتوب من الإتفاق بين الطرفين؟
أحد قياديي جبهة التحرير الوطني أكد ل'الإتحاد' أن التجارب أجريت بموافقة الحكومة المؤقتة التي لم يكن لها خيار آخر غيرإبداء بعض الليونة إزاء إصرار فرنسا على التشبث بالصحراء الجزائرية لمواصلة تجاربها النووية وتطويرها في إطار السباق المحموم نحو التسلح بين المعسكرين الشرقي والغربي ، وكانت مسألة الصحراء قد أعاقت سير المفاوضات بين فرنسا وجبهة التحرير طويلا ،فكان لابد من تقديم تنازل لفرنسا والموافقة على شرطها إقامة قواعد عسكرية في الصحراء لمدة 05 سنوات بغية حسم مسألة إعترافها بإستقلال الجزائر والإنسحاب منها بعد 132 سنة من الإحتلال، إلا أن الحكومة المؤقتة أصرت على ضرورة إقامة هذه التجارب تحت الأرض لدرء خطر الإشعاعات النووية على سكان الجنوب الجزائري· ولكن الأمر أغضب العقيد بومدين كثيرا ودفعه للإنقلاب على الحكومة المؤقتة وتسليم الحكم لإبن بلة فور إستقلال الجزائر، وبعد الإستقلال ، فجرت فرنسا 11 قنبلة نووية أخرى بين18 مارس 1963 و16 فبراير 1966 · - تجربة 'مونيك' ··ومقتل 39 جزائريا
وكانت أقوى تجربة باطنية هي تجربة 'مونيك' بقوة 127 كيلوطن في يوم 27 فبراير ،1965 وأدت إلى حدوث تحركات أرضية على بعد50 كلم ، كما سجلت تصدعات على سطح الكتلة الغرانيتية للجبل يبلغ عرضها عدة أمتار وطولها بين 50 و100 متر كما تصدعت قشرة الغطاء على عمق لايقل عن 20مترا وأدت قوة التجربة إلى مقتل 39 مواطنا على الأقل بحسب 'عمار منصوري' باحث في الهندسة النووية ، كما تسربت منها سحابة ذات نشاط إشعاعي ووصلت حتى الحدود الليبية، وتسببت في تلوث 365 هكتارا من الأراضي بالهقار ·
يقول طواهرية الطاهر وهو أحد العمال المشاركين في حفر الأنفاق إ: لقد شاركت في جميع أعمال الحفر منذ بدايتها قبل الإستقلال إلى غاية سنة 1966 وأن الفرنسيين لم يكونوا يشترطون أية مؤهلات ولايحددون نوع العمل فهو متوفر لكل من يرغب به وما عليه إلا تسجيل إسمه ولقبه وسنه لدى مكتب اليد العاملة وبهذه الطريقة وجد الفرنسيون 900 إلى ألف عامل جزائري·
ويؤكد طواهرية :أن الفرنسيين أوهموا العمال البسطاء بأنهم سينقبون عن الذهب بالمنطقة ، لكنهم علموا بعد ذلك أنهم يحفرون أنفاقا كبيرة لإجراء تجارب نووية فرفض عدد من العمال الجزائريين إكمال العمل ، لكن عمالا آخرين قالوا إن الأمر يختلف عن 'قنبلة رقان' ولن تسبب القنابل الباطنية أي خطر على السكان والبيئة فعادوا إلى العمل خصوصا وأنهم يعانون فقرا مدقعا وليس هناك أي عمل في المنطقة يسدون به رمق عائلاتهم بينما كانوا يتقاضون أجرة شهرية تصل إلى 750 فرنكا فرنسيا·
إبادة القرى
عامل آخر شارك في أعمال الحفر بأنفاق 'إن إيكر' وإسمه علي بوقاشة من مواليد 1943 شارك في أعمال الحفرعام 1960 وعمره لايتجاوز السابعة عشر، يتحدث عن أحد الإنفجارات الباطنية فيقول:' لم أكن أبعد عنه سوى كيلومترات ·· كان إنفجارا قويا ورهيبا جدا ،و تلوثت السماء وانتشرت رائحة غريبة بالمنطقة ووصلت إلى قرية 'ماقوتك' البعيدة نسبيا فتضررت وتوفي الكثير من سكانها وحيواناتها وتعرض آخرون لأمراض خطيرة وعديدة بسبب تلوث الهواء· وفي قريتي 'سفيلات' وبن سفا' تعرض السكان لأمراض طيرة وتوفي كثيرون ، كما أن قرى بأكملها أبيدت، كما أن هناك سببا آخر لإنتشار الأمراض والوفيات بين السكان وهو أن الكثير منهم راحوا يتسابقون على أخذ الخيم وغيرها من البقايا الملوثة التي تركها الفرنسيون في العراء·
مدافن نووية
أجرت فرنسا ، في المجموع، 17 تجربة نووية في الصحراء الجزائرية وواحدة أخرى فاشلة ، وبلغت طاقتها التفجيرية الكاملة حوالي 500 كيلوطن منها 130 كيلوطن برقان و370 كيلوطن بموقع 'إن إيكر' ·
وقبل رحيل القواعد الفرنسية في عام1967 ، قامت بحفر خنادق عميقة ووضعت فيها كل المعدات والآلات المستخدمة في تنفيذ الأشغال الثقيلة والنفايات من مواد كيماوية وبكتيرية ومواد إشعاع خطيرة على البيئة والإنسان·
ويؤكد الكاتب الفرنسي برونو باريلو أن تفكيك المعسكرات النووية الفرنسية ب 'رقان' و'إن إيكر' ونقل مركز التجارب إلى مستعمرة 'بولينزيا' دون إزالة التلوث يعد جريمة شنعاء يمكن تصنيفها ضد الإنسانية ويجهل إلى حد الساعة أماكن دفن كل النفايات النووية الفرنسية، بيد أن سكان ولاية الوادي جنوب الجزائر تحدثوا مؤخرا عن 'اكتشاف'إحدى مقابرالنفايات النووية الفرنسية بالمنطقة وقالوا إنها تعد أحد أسباب الفتك بثروة النخيل بالوادي ؛ حيث هلكت أكثر من مليون نخلة خلال العشر سنوات الأخيرة مما عرض هذه الثروة لنزف حقيقي· ويقول سكان هذه الولاية الجنوبية أيضا أن الإشعاعات النووية السابحة بحريّة في الفضاء تعد السبب الرئيس لتفشي حالات السرطان بالمنطقة، وقد كشفت 'الإتحاد' في عدد 14 سبتمبرالماضي، عن حدوث 10 حالات سرطان شهريا في هذه الولاية بسبب الإشعاعات النووية بحسب مصادر مطلعة على الملف·
ويرى د عبد الكاظم العبودي باحث عراقي وأستاذ معهد العلوم الطبيعية بجامعة وهران وأحد أبرز المهتمين بملف التجارب النووية الفرنسية في الجزائرأن الإشعاعات التي تخلد مئات السنين والنفايات النووية يعدان أكبر عدوين للبيئة والصحة العامة وأن المزيد من الأضرار الصحية وعلى المنتجات الزراعية لاتزال مرشحة للظهور ولم يستبعد أن تكون فرنسا قد دفنت نفاياتها النووية بمناطق عديدة ولم تطلع الجزائر على خريطة إنتشارها غداة سحب قواعدها العسكرية في ·1967ويؤكد العبودي أن الإصابات بالسرطان لدى سكان الجنوب الجزائري أعلى من الإصابات المسجلة لدى سكان الشمال ، إلا أنه لايقدم أرقاما ·
وفي ذات السياق، يطالب الدكتور مصطفى خياطي رئيس هيئة حماية الصحة وترقيتها السلطات بفتح الملف وتشجيع الباحثين المختصين والأطباء على القيام بدراسات وبحوث ميدانية لقياس آثار الإشعاعات وشدتها وأماكن نشاطها ومدى خطرها ··· وكشف خياطي ،بهذا الصدد ل' الإتحاد' أن أطباء وباحثين جزائريين حاولوا القيام بذلك في عهد الرئيس الأسبق هواري بومدين فتعرضوا للإيقاف والتعنيف بذريعة ' المساس بأسرار الدولة' ·
- سري جدا
تصنف فرنسا تجاربها النووية بالصحراء الجزائرية ضمن خانة الأسرار العسكرية التي لايمكن للباحثين والمهتمين الإطلاع عليها إلا بعد 60 سنة من إجراء آخر تجربة؛ بمعنى أنه لن يتسنى للجزائريين الإطلاع على حدث مهم جرى ببلدهم ولايزال يوقع ضحايا بينهم ، إلا في سنة 2026 ،ومما يزيد المسألة تعقيدا أن السلطات الجزائرية لاتلح على فرنسا لفتح الملف وإنهاء صبغة السرية غير المبررة عليه،بل إن المسؤولين الجزائريين لم يتعودوا الحديث عن المسألة علنا طيلة 41 سنة من الاستقلال، ولم يتم التطرق إليها لأول مرة إلا في سبتمبر الماضي حيث ذكر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ، في تجمع شعبي تحسيسي لإستفتاء 29 سبتمبر عقده بولاية بشار، فرنسا بما خلفته تجاربها النووية على سكان الجنوب في سياق رده على القانون الفرنسي الممجد للفترة الاستعمارية بالجزائر·
ويؤكد الوزير السابق للمجاهدين السعيد عبادو بهذا الصدد ل' الإتحاد' أن فرنسا فتحت الملف على احتشام في السنوات الماضية أمام الجزائريين بعد الحاحهم ولكنها سرعان ما أعادت غلقه بسرعة دون تقديم تفسير· ويعد عبادو أحد أبرز المهتمين بهذا الملف وقد شارك في كل الملتقيات والندوات التي تقام سنويا لإحياء ذكرى أول تفجير ، وزار مناطق التجارب ب 'رقان' و'إن إيكر'ويقول إن وزارتي الصحة والدفاع قامتا بدراسات حول آثار التجارب كما أن وفدا من المنظمة العالمية للطاقة الذرية زار مناطق التجارب النووية بدوره في السنوات الماضية·
ويأمل الجزائريون أن يكون هذا الإنتقاد بداية لكسر ' التابو' ومطالبة فرنسا بفتح الملف كله خصوصا وأن هناك مفاوضات جارية بين الجزائر وفرنسا للتوصل إلى ' اتفاق صداقة وتعاون' بين البلدين وتوقيعه قبل نهاية السنة ، وبإمكان الجزائر الضغط ، ليس فقط لحمل فرنسا على الإعتذار عن جرائمها الإستعمارية والتراجع عن قانون تمجيد الإستعمار ، بل لفتح كل الملفات والأرشيف السري على مصراعيه أمام الباحثين والدارسين والمؤرخين وكل المهتمين بالمرحلة الإستعمارية وتأثيراتها على الحاضر·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض