الأحد 27 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات 36 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشيخ المنجي: الصيام شريعة قديمة في أديان السماء ومستمرة حتى اليوم

الشيخ المنجي: الصيام شريعة قديمة في أديان السماء ومستمرة حتى اليوم
14 أكتوبر 2005

القاهرة - أحمد مراد:
بعد ليلتين خلتا من شعبان من السنة الثانية من الهجرة، فرض صيام شهر رمضان المبارك على المسلمين بنزول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) ومع ذلك فالصيام واحد من أهم التشريعات القديمة استمر بقاؤها في أديان السماء حتى اليوم·
إلى هذا المعنى انتهى الشيخ فرحات السعيد المنجي -من علماء الأزهر الشريف- في دراسته حول تاريخ الصيام، والتي يستعرض فيها وجوه وأشكال الصوم منذ بدء الخليقة، وحتى فرضه الله تعالى على المسلمين في شهر رمضان· فهل صام آدم ونوح وإبراهيم عليهما السلام؟ وكيف كان صيام موسى وداود ويونس؟ وما الفرق بين الصوم في الشرائع الاخرى وبين الصوم في الإسلام؟
هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على الشيخ المنجي في حوار عن تاريخ الصيام·
؟ ما هو الصيام؟ وهل فرض في شرائع أخرى غير الإسلام؟
؟؟ الصيام هو الكف عن شيء ما، وله ثلاثة وجوه:
الأول: كف عن الطعام والشراب وشهوتي البطن والفرج· والثاني: كف عن الكلام· والثالث: كف عن العمل· والأول هو المصطلح على تسميته صوما، وأما الثاني فكان صوما في شرائع أخرى بجانب الصوم الأول، وأما الثالث فلم يكن شيئا، ومن الصوم الوضعي ما كفر به أصحابه، وأعلنوا صراحة عدم جدواه، وهناك من العقائد ما كان الصوم فيها بعيدا عن الشمول حيث قصر فرضه على نوع من الناس دون آخرين، وهناك من العقائد ما قست على اتباعها ففرضت الصوم على الهرم فقط، وزادت عقائد أخرى فحرمت الغذاء على الإنسان مدى الحياة، وقابلتها ديانة حرمت الصوم كذلك مدى الحياة·
؟ وكيف ترى الفرق بين الصيام في هذه العقائد والصيام في الإسلام؟
؟؟ صيام هذه العقائد صوم عجيب ما قصد إلى علاج الجسد ولا هدف إلى مران الروح، ومن هنا نجد أن الصوم في الإسلام دون الطاقة الإنسانية رحمة وفضل، وفوق القصور سعة وشمول، فإنه يلمس واجب النمو في جسد الصبي، وحق الراحة بجسد الهرم، ويدرك حق الجنين في غذائه، وحق الرضيع في نموه، وترفق بالمسافر في رحلته، والمريض ليعينه على برئه، وهذا كله يؤكد أن الإسلام شريعة واعية بالإنسان لأنها من لدن خالقه·
الذين قبلنا
؟ يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) فمن هم الذين قبلنا؟
؟؟ الأمر لا يخلو من أحد اثنين، الأول يجعل الصوم (على الذين من قبلكم) غير مقيد فيعتبر الصيام فريضة مشروعة ذات منهج وكيفية تزداد أيامها أو تقل على الكل، ولو كان ذلك مرادا لورد لفظ 'كل' وكانت الآية كما كتب على كل الذين من قبلكم، وهو ما لم تتحدث به الآية، فيكون على من قبلكم وهم المسيحيون فقط ولا يبتعد أكثر من ذلك وهذا هو الأمر الثاني، والآية تتحمل التفسيرين·
؟ من المعلوم -والمؤكد في الوقت نفسه- أن آدم 'عليه السلام' عاش على فترتين، الأولى في الجنة، والثانية على الأرض· فهل كان له صيام في هاتين الفترتين؟ وكيف كان صيامه فيهما؟
؟؟ بالنسبة لصيامه في المرحلة الأولى، فلا نجد على ذلك إجابة، صحيح هناك قرار تحريم أبدي لنوع من الطعام صدر لآدم وزوجته في الجنة، وهو قرار بالكف الدائم عن أكل نتاج الشجرة التي نهاه الله عنها، ولكننا لا نجد شيئا عن كف مؤقت نعتبره صوما شرعيا·
ثم إن الجنة دار تكريم وليست دار تكليف، ويبدو أن التكريم لآدم وزوجته هو وعد الله لهما بأنهما لا ينالهما فيها جوع ولا عطش، ولا يمسهما برد ولا حر، وفي هذا يقول جل شأنه: (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى· وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) وبين الجوع والعري والظمأ والضحو -الاصابة بالشمس- مقابلة، وإن كان الجوع يقابل العطش، والعري يقابل الضحو، لأن الجوع ذل الباطن، والضحو هو ذل الظاهر، فنفى الله تعالى عن ساكن الجنة ذل الظاهر والباطن وحر الظاهر والباطن·
أما بالنسبة للمرحلة الثانية والتي بدأت بعد هبوطهما من الجنة إلى الأرض، وقد سبقتهما رحمة الله، إذ تاب عليهما وتعلم آدم كيف يقيم حياته على الأرض، فهذه الفترة ايضا لا يقدم لنا فيها اي كتاب سماوي شيئا عن صيام آدم فيها، ولم يقع أي حديث صحيح يدل على ذلك، وقالوا إن آدم وحواء بكيا على ما فاتهما من نعيم الجنة مائتي سنة ولم يأكلا ولم يشربا اربعين سنة ولم يقرب آدم حواء مائة سنة، إضافة إلى أن هناك احاديث مدسوسة على الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود 'رضي الله عنه' فادعى البعض بانه قال: سألت رسول الله 'صلى الله عليه وسلم' عن أيام البيض، فقال: إن آدم لما عصى وأكل من الشجرة اوحى الله اليه يا آدم اهبط من جواري وعزتي لا يجاورني من عصاني، فهبط إلى الأرض مسودا فبكت الملائكة وضجت وقالوا: خلقت خلقته بيدك وأسكنته جنتك وأسجدت له ملائكتك، وفي ذنب واحد حولت بياضه، فأوحى الله إليه يا آدم صم لي يوم ثلاثة عشر فصامه فأصبح ثلثه أبيض، ثم أوحى إليه كذلك صوم يوم 14 و15 فصارا أبيض· وهذا الخبر بالتأكيد مكذوب، فقد حوى كذبة مراجعة الملائكة لله تعالى وهذا وحده كاف لإسقاطه· وتلك هي أخبار صيام آدم وما منها خبر تقوم به حجة، ولا نقضي صيامه أو عدمه، ولكن الأمر يحتاج إلى دليل·
ليست علما
؟ ورد عن نبي الله إدريس عليه السلام أنه كان يصوم الدهر قبل نوح·· فهل هذا صحيح؟
؟؟ ما ورد عن صيام إدريس هو من الأقاصيص، وليست علما· ومن المعروف أن إدريس هو جد نوح عليه السلام، وليس هو 'أخنوخ' الوارد ذكره في العهد القديم، ومن العجيب أننا لا نجد نبيا من الأنبياء حكيت حوله الأساطير مثل إدريس عليه السلام، فقيل انه باني الهرم وتحدى العالم أن يفرشه حصيرا بعدما فرشه ذهبا، وأنه دخل الجنة وأبى أن يخرج منها، وليس ثمة دليل على صيامه فأمره أمر آدم عليهما السلام·
؟ وهل صام نوح عليه السلام؟
؟؟ نوح عليه السلام هو من أولي العزم من الرسل، ويذكر رواة مسلمون صيامه هو وقومه، فقد روى في مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأناس من اليهود وقد صاموا يوم عاشوراء، فقال: ما هذا الصوم؟ قالوا: هذا اليوم نجى الله موسى وقومه من الغرق وغرق فيه فرعون، وهذا يوم استقرت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح وموسى شكرا لله تعالى· فقال النبي: 'أنا أحق بموسى وأحق بصوم هذا اليوم' فأمر أصحابه بالصوم· وقال قتادة: هبط نوح عليه السلام من السفينة يوم العاشر من المحرم، فقال لمن معه: من كان منكم اليوم صائما فليتم صومه ومن كان مفطرا فليصم· وما ورد لنا من صيام نوح يمكن أن يستنتج منه أن الصيام كان فرضا ونفلا، إذ كان في قومه يوم الجودي مفطرون ولو كان صيامهم في هذا اليوم فرضا ما كان بحاجة إلى تنبيه لمفطر أن يصوم· وكذلك روى ابن ماجة أن عبدالله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: 'صام نوح الدهر إلا يوم الفطر ويوم الأضحى فصيامه جمع الفرض والنفل'، وقد اورد ابن كثير في تفسيره رأيا يرى أن المراد بالذين من قبلكم في آية الصيام هم قوم نوح·
صيام إبراهيم
؟ إذا كانت شريعة نوح وهي قبل شريعة إبراهيم قد قرر فيها الصوم فلابد إذن ان تكون شريعة إبراهيم كذلك·· فهل صام إبراهيم هو الآخر؟
؟؟ ثبت أن إبراهيم عليه السلام صام في مدينة 'أورجنوب'، فقد ظهر الخليل إبراهيم وسط وثنية تامة يعبد قومه اصناما وكان ذلك قبل الميلاد بألفي عام، فكان أول الكافرين بهذه الوثنية، بل انه حطم اصنامهم فقذفوه في النار فكانت بردا وسلاما، وانتقل بدعوته غربا ثم جنوبا ونادى بها في مكة· وقد روى ابن ماجة ان عبدالله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: 'صام إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر'·
ويكون معنى الآية: كما فرض على الذين من قبلكم من أهل الكتاب أياما معدودات وهي شهر رمضان كله، لأن من جاء بعد إبراهيم كان مأمورا باتباعه، وذلك لان الله تعالى جعله للناس إماماً وأخبرنا الله عز وجل أن دينه كان الحنيفية السمحة المسلمة، فأمر نبينا 'صلى الله عليه وسلم' بمثل ما أمر به من قبله من الانبياء·
؟ وهل ثبت صيام أنبياء آخرين غير نوح وإبراهيم؟
** هناك ثلاثة أنبياء غير نوح وإبراهيم ثبت أيضا صيامهم بكيفية مختلفة، والثلاثة هم: موسى عليه السلام، فقد اذن الله لموسى عليه السلام فتلقى ألواح التوراة وفي نسخها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون، وأقام موسى من أجلها 40 يوما في سيناء صائما، فلما انتهى موعده مع ربه عاد إلى قومه بشريعته· وتزعم اليهود أن صيام الأربعين يوما هذه فرض على موسى وحده، وهو خاص به، ليس عليهم منها شيء· وقال المفسرون في قوله تعالى: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة) ان موسى عليه السلام صام الأربعين ليلة وطواها، أي لم يتخللها فطر أبدا، أما بنو إسرائيل فيصومون يوما واحدا، وهو الفرض في العام، وهو يوم الغفران ويبدأ صيامه قبل غروب الشمس بربع ساعة إلى ما بعد غروب اليوم التالي بربع ساعة، وأما صيام النفل عندهم فأيامه موزعة في بساط السنة، وترتبط بأعياد لبعضها مناسبات وقعت لهم بأنحاء شتى من العالم القديم مثل مصر وبابل وفارس·
والثاني هو داود عليه السلام، ويعتبر صيامه ذروة صيام النفل كله، فقد كان يصوم يوما ويفطر يوما، وهذا اللون من النفل أقصى ما ارتضاه رسولنا عليه الصلاة والسلام لأمته إذا تنفلت، فقال: 'لا صيام لمن صام الدهر'، فكان أحب مرغوب النفل في الإسلام صيام إبراهيم الخليل ثلاثة أيام من كل شهر، وأقصى صيام النفل صيام داود، وعندما انقطع عبدالله بن عمرو الى الصيام وعلم الرسول بأمره راجعه وعرض عليه الاكتفاء بثلاثة أيام، فقال: 'يا رسول الله إني أجد قوة· فقال الرسول: 'لا أفضل من ذلك'·
والثالث هو يونس عليه السلام، فعندما كفرت بلدته -نينوى عاصمة آشور- بدعوته نزل عليها العذاب، ولم يرفع الله تعالى عذابا أنزله على أمة وقضى به عليها غير 'نينوى'، ولم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حين حضرها العذاب فتركت إلا قوم يونس، فلما فقدوا نبيهم وظنوا ان العذاب قد دنا منهم قذف الله في قلوبهم التوبة، فرجعوا إلى الله اربعين ليلة، فلما عرف الله منهم الصدق والتوبة كشف عنهم العذاب· ويذكر أن أهل نينوى نادوا بالصيام وشمل الصغير والكبير وفرضه الناس على البهائم فلا تذق الناس ولا البهائم ولا البقر ولا الغنم شيئا·
قبل فرض الصيام
؟ وهل اقتصر الصيام على الأنبياء والشرائع السماوية فحسب أم أن له وجود أيضا في الديانات الوثنية؟
؟؟ كان هناك في مصر القديمة شعائر اوزوريس من صلاة وصيام وحج وقرابين، وكان الصيام فرضا يشمل خدمة المعبد وكهنته، وكان على خادم المعبد صيام سبعة أيام متتالية من غير الماء قبل أن يلحق بالمعبد، وقد زادت إلى 42 يوما وكانوا أيضا يصومون للفيضان·
؟ وقبل فرض الصيام في شهر رمضان، هل صام رسولنا 'صلى الله عليه وسلم'؟
؟؟ صام رسول الله 'صلى الله عليه وسلم' قبل فرض الصيام في رمضان، ولم يختلف الفقهاء ولا المفسرون في وقوع هذا الصيام وهو صوم يوم عاشوراء، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر ويرجح ابن حجر أن عاشوراء كان فرضا قبل رمضان، ويستدل على ذلك بما رواه ابن عمر حينما قال: صام النبي عاشوراء وأمر بصيامه فلما فرض رمضان تركه· وفي رواية أخرى 'من شاء صام ومن شاء ترك' وصيام ثلاثة أيام لم يصوموها إلا ستة اشهر فقط وهي الواقعة من المحرم إلى رجب ثم جاء شعبان وأمر فيه بصوم رمضان·
نقطة انطلاق
؟ وأخيرا·· كيف نستغل فرصة رمضان في ترويض أنفسنا وإصلاح أمر مجتمعاتنا الاسلامية؟
؟؟ رمضان شهر القرآن، وجدير به أن يكون شهرا كريما عظيما، وجدير بمن عرف قدره أن يصوم نهاره ويقوم ليله، وأن يكثر فيه من قراءة القرآن، وأن يكون المسلم كريما سخيا وذلك شكرا لله على آلائه ونعمه العظيمة، فرمضان يجب أن يكون وقفة للحساب على ما مضى ونقطة انطلاق لما يأتي، فلابد أن نضبط ألسنتنا فننزهها عن الغيبة والنميمة وقول الزور، ولابد لنا أن نغض أبصارنا عن محارم الله، وأن نضبط شهواتنا غير المشروعة، ولابد لنا أن نتحرى الحلال خوفا من أن يرد علينا صيامنا، ولابد لنا أن نبتعد عن المجالس التي لا ترضي الله إكراما لهذا الشهر حتى نتعود على تركها على الدوام·
ومع أن رمضان شهر العمل الصالح والقربات، ولكن هذا لا يعني أن فرص العمل الصالح قاصرة عليه، بل إن أبواب الخير مفتحة في كل الشهور، ومسالك القرب نافذة في كل الأوقات، فالعمل الصالح قوام حياة النفس كما أن الطعام قوام حياة الجسد، والفقر في حقيقته هو فقر العمل الصالح، والغنى في جوهره هو وفرة العمل الصالح·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض