أحمد مراد (القاهرة)
حبيب بن زيد بن عاصمٍ الأنصاري، أمه نسيبة بنت كعب، أول امرأة حملت السلاح دفاعاً عن الإسلام، أخوه عبدالله الذي جعل نفسه فداء للنبي يوم أحد، وقد قال فيهم النبي: «بارك الله عليكم من أهلِ بيت، رحمكم الله من أهل بيت».
جاء حبيب بن زيد بصحبة أبيه وأمه وخالته وأخيه من المدينة لمبايعة النبي ضمن وفد السبعين الذين شهدوا بيعة العقبة الثانية، وكان حبيب وقتها طفلاً صغير، وقد نفذ نور الإيمان إلى قلبه الصغير، وفي جنح الظلام ببيعة العقبة مد يده الصغيرة ليضعها في يد النبي ليبايعه على الإيمان بالإسلام ونصرته، ومنذ هذه اللحظة بات النبي أحب إليه من أهله، وأصبح الإسلام أغلى عنده من روحه وحياته.
تعلق قلب وعقل الصبي الصغير حبيب بن زيد بالنبي، وآمن برسالته وأظهر إخلاصاً منقطع النظير للإسلام ورسوله، وقد ظهر ذلك جلياً يوم بدر، حيث عرض حبيب على النبي روحه ونفسه فداء لنصرة دين الله، ولكن بسبب صغر سنه وقتها لم ينل شرف المشاركة في بدر، وكذلك لم يكتب له شرف الدفاع عن النبي ودينه في أُحد، لأنه أيضاً كان يومئذ صغيراً، ولا يزال دون حملِ السلاح.
عاش حبيب بقية سنوات طفولته وصباه إلى جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ هجرته إلى المدينة المنورة، وقد لازمه مثل ظله، وكان يشعر بفرحة عارمة ويجد سعادة كبيرة حينما يحضر مجالس النبي فلم يتخلف أبداً عن مجلس أو تجمع يحضره النبي سواءً في المسجد النبوي أو خارجه.
ظل حبيب بن زيد ملازماً للنبي حتى شب واشتد عوده، حينها أذن له النبي بالجهاد في سبيل الله، ومن يومها لم يتخلف عن غزوة غزاها النبي في تلك المرحلة، دائماً في الصفوف الأمامية.
ما بين السنة التاسعة والعاشرة للهجرة، ارتد مسيلمة الكذاب عن الإسلام، وزعم أنه نبي إلى بني حنيفة في نجد، والتف حوله البعض، وقد ازداد شر مسيلمة، واستشرى فساده، فرأى النبي أن يبعث إليه برسالة ينهاه فيها عن ضلاله، ووقع الاختيار على حبيب بن زيد ليحمل الرسالة إلى مسيلمة، وكان وقتها شاباً مكتمل الشباب.
سعد حبيب بهذه المهمة، ومضى إلى ما أمره رسول الله، وقد غضب مسليمة من رسالة النبي، وأمر بحبيب بن زيد أن يقيد، وأن يؤتى به إليه في اليوم التالي.
وجمع مسيلمة أتباعه وأنصاره، ثم أمر بحبيب فجيء به إليه، ووقف حبيب وسط هذه الجموعِ مشدود القامة، مرفوعَ الهامة، فقال له مسيلمة: أتشهد أن محمداً رسول الله؟، فقال حبيب: نعم أشهد أن محمداً رسول الله، ثم قال مسيلمة: وتشهد أني رسول الله؟، فرد حبيب ساخراً: إن في أذنيَ صمماً عن سماع ما تقول، وهنا غضب مسيلمة، وقال لجلاده: اقطع قطعة من جسده، ففعل، ثم أعاد مسيلمة على حبيب السؤال نفسه: أتشهد أني رسول الله؟، قال: قلت لك: إن في أذني صمماً عن سماعِ ما تقول، فأمر بأن تقطع من جسده قطعة أخرى، ومضى مسيلمة يسأل، والجلاد يقطع حتى فاضت روح حبيب، وهو يردد: أشهد أن محمداً رسول الله.