أحمد النجار (دبي)
الكثير من متابعيه، على إذاعة القرآن الكريم، يجهلون أنه كفيف يرى العالم ببصيرته وعندما يعلمون بذلك، يزدادون دهشة بقدراته ومهنيته العالية في إدارة برامجه التي تلامس هموم أصحاب الهمم، وتطرح قضايا اجتماعية ودينية، حيث يتفاعل المذيع الشاب محمد الحوسني مع المستمعين عبر الأثير بقراءة رسائلهم والتعليق على تغريداتهم، محمد عاش قصصاً وتجارب تحدٍ كثيرة، يصفها بـ«انعطافة ملهمة» أضاءت دروب حياته نحو المستقبل، فقد كان محمد أول طفل كفيف يولد في العائلة، مشيراً إلى أن ولادته شكلت تحدياً بالنسبة لأسرته، التي فوجئت أنه لا توجد خدمات متوافرة لأصحاب الهمم في المنطقة التي تقطنها، مما اضطرهم من نقل سكن العائلة من منطقة الظفرة بأبوظبي إلى بيت آخر في سبيل نيل تعليمه بطريقة «برايل» وغيرها من الأمور، وكان هناك تحدٍ آخر بدمج أصحاب الهمم في المدارس، أسئلة كثيرة كانت تتقافز كعلامات استفهام تشكل هواجس حقيقية لمن حوله، كان الجميع يتساءل كيف لشخص كفيف أن يدرس مع طلاب مبصرين يختلفون عنه في القدرات والاهتمامات والهوايات، مما ولد لديه حماسة لخوض هذه التجربة.
نقطة تحول
وذكر محمد قصة أخرى وصفها بـ«نقطة تحول» في حياته: عندما اخترت الدراسة في جامعة الإمارات كانت لديّ الرغبة في تخصص الإذاعة والتلفزيون، لكن إدارة الجامعة، اعترضت على قبولي بحكم أنني شخص كفيف، متحججين بأن مساقات التصوير تستلزم شخصاً مبصراً، فسألوني كيف سأتعامل مع الكاميرا، فأجبتهم بالمنطق أنه عند تخرجي ليس من الضروري أن أعمل مصوراً يمكن أن أكون مذيعاً أو معد برامج أو هندسة الصوت، وعندما رفضوا بشكل قاطع، قررت التخصص في العلاقات العامة، وبعد ذلك بنحو سنة، بدأت الصحف اليومية تتناول تجربتي كمذيع كفيف يقدم برامج اجتماعية في إحدى الإذاعات المحلية، ثم فوجئت بأن إدارة الجامعة عرضت عليّ تغيير تخصصي إلى الإذاعة والتلفزيون، لكنني رفضت ذلك لأنني سأكمل في مساري، لهذا أتمنى على الجهات المعنية بدلاً من أن تقف حجر عثرة أمام طموحات وتطلعات أصحاب الهمم، توفير الإمكانات اللازمة لهم وتمكينهم من التخصصات التي يجدون فيها ذواتهم.
المذيع الكفيف
واستعرض، من خلال تجربته في العمل الإعلامي، الكثير من التحديات التي خاضها، كيف سيأخذ المكالمات، كيف سيعرف إذا انتقلنا إلى فاصل إعلاني، وكيف سيعرف إنه على الهواء، خاصة أن التنبيه يعتمد على إشارة بالضوء، وكيف سيتواصل مع المذيع الذي يشاركه، وكيف سيقرأ الرسائل والتغريدات، لكنني بالعصف الذهني مع الزملاء استطعت إيجاد حلول مهمة، ذابت معها كل الصعوبات، وأضاف: هناك كثير من الناس الذين يجهلون أن محمد الحوسني المذيع الذي يقدم برامج اجتماعية في إذاعة القرآن الكريم، هو شخص كفيف، وعندما يعرفون ذلك يفاجأون ويزداد احترامهم وتقديرهم لي.
زواج ذوي الهمم
وأوضح: لقد وجدت فجوة كبيرة في المجتمع نفسه، وهو المجتمع الذي تحديت ظروفي الخاصة للاندماج فيه، واستطعت ابتكار الكثير من الحلول تحقق القرب وتعمق التواصل مع الناس بكل أطيافهم، وقد لمست تقدير الكثيرين الذين يمتدحونني ويغمرونني بإطراءات جعلتني أفكر أنني شخص لا يعيبه أي شي، وعندما قررت طلب الزواج من قريبات أحد الأصدقاء، فوجئت به يغير بوصلة آرائه ويتحجج بأن الزواج مسألة غاية في التعقيد، متحججاً بأنني لن أستطيع تحمل مسؤولياته وأعبائه، متجاهلاً بالطبع أنني حققت نجاحات ملموسة في أمور يصعب على أي شخص عادي نيلها أو بلوغها.
«من سبق لبق»
لدى محمد هوايات كثيرة يمارسها بشكل يومي تتعلق بالقراءة والمطالعة، لكونه يؤمن بأن المذيع لا بد أن يكون متمكناً لغوياً ومعرفياً، ومعايشاً لهموم مجتمعه، وقضايا محيطه، ليتمكن من التعبير عنها بكل شفافية، ولا تختلف يوميات محمد في رمضان عن غيره من الأشخاص العاديين، فهو يستقبل الشهر الكريم بالعبادات والطاعات، ويحرص على الإفطار الجماعي مع أسرته من دون أن يفوت فكرة الإفطارات الاجتماعية التي تسهم في تعزيز أواصر الألفة والقربى من الأهل والأصدقاء والمحيطين، ويطل محمد في رمضان من خلال برنامج «من سبق لبق»: يبث كل سبت واثنين وأربعاء الساعة 2:30 حتى 3:30، ويطمح محمد بتقديم برنامج تلفزيوني يستهدف قضايا وتطلعات أصحاب الهمم، ويتفاعل معهم بالتواصل المباشر.