القاهرة (الاتحاد)
شجرة الدر أو شجر الدر، امرأة لا تتكرر كثيراً في التاريخ، لها طابعها الخاص الذي تجلى في قوتها وشجاعتها وجرأتها، وعقلها وحكمتها، لها قدرة كبيرة على القيادة، كانت جارية من جواري الأمير «نجم الدين»، تميزت بالذكاء الحاد والفطنة، والجمال والجاذبية، متعلمة تجيد القراءة والغناء، واختلف المؤرخون في تحديد هويتها.
قال المقريزى، في «السلوك لمعرفة دول الملوك»، إنها تركية، وقيل أرمنية، ويعود بداية ذكرها مع العام 1239م، عندما ضمها نجم الدين أيوب إلى جواريه، وقيل إنها وُلدت مسيحية، اختطفت وبيعت في سوق النخاسة، وأعجب بها نجم الدين بن الكامل بن العادل بن صلاح الدين الأيوبي، واشتراها ولقبها بشجرة الدر، وحظيت عنده بمنزلة رفيعة، ملكت قلبه وعقله، وأصبحت صاحبة الرأي، ونشأت على عقيدتها الجديدة الإسلام، وبسببها ترك زوجته وأم ولده توران شاه، افتتن بجمالها وذكائها وحظيت عنده بمكانة مرموقة فأعتقها وتزوجها وأصبحت الوحيدة في قلبه.
كان نجم الدين حاكماً لحصن «كيفا» على حدود تركستان، وجاءته الأنباء من القاهرة، بأن أباه عين أخاه الصغير وليا للعهد بدلاً منه، فغضب وأقسم أن الخلافة لن تكون لغيره، وتوجه وزوجته وابنه ومن معه إلى مصر، وخلع أخاه عن الحكم، وألقى به في السجن، وقتله خنقاً وحكم مصر بشكل كامل، وأصبحت شجرة الدر صاحبة الكلمة العليا، وأوتيت الجاه والسلطان وهو ما كانت تطمح له، إلا أنها وقعت تحت تأثير صدمة عنيفة عندما توفي ابنها، وما إن استجمعت قواها حتى حدثت الصدمة الكبرى وهي وفاة زوجها في العام 647ه.
كانت الحروب تشتعل بين المصريين والصليبيين بقيادة لويس التاسع عشر ملك فرنسا، إلا أن شجرة الدر تصرفت بحكمة، فأخفت خبر موته، واستمرت الأوراق الرسمية تخرج وعليها علامة السلطان، وواصلت التصرف في أمور البلاد بالاستعانة بالمقربين والمخلصين، وركزت على مواجهة الخطر الصليبي، وحققت انتصارات كبيرة على الجيوش الفرنسية.
لاحظت أن خبر وفاة زوجها أوشك أن ينكشف، فاستدعت ابن زوجها «توران شاه» وسلمته مقاليد الحكم، وأعلنت خبر وفاة نجم الدين، إلا أن توران شاه بدأ يعاملها بقسوة، وطلب منها ما تبقى من ثروة أبيه، ما أدى إلى التآمر عليه، وتم قطع يده وأجهز المماليك عليه، بعد خمسة أسابيع من مبايعته على المُلك.
أصبح العرش خالياً وبايع الأمراء ورجال الدولة شجرة الدر لتكون أول ملكة تجلس على العرش في التاريخ الإسلامي، وكان لقبها الملكة عصمة الدين، وتم نقش اسمها على الدنانير والدراهم وبدأ في عهدها تسيير المحمل المصري إلى الحجاز والذي كان يحمل كسوة الكعبة، وتولت حكم مصر لمدة ثمانين يوماً، ويقول «ابن تغري بردي»: كانت خيّرة دَيِّنة، عظيمة في النفوس، وكان عهدها زاهراً، وأظهرت جدارتها في الحكم، وتنعم الفقراء بحسناتها، كانت ملكة عاقلة، لا تشرع في عمل إلا بعد أن تعقد مجلس المشاورة.
أدركت شجرة الدر أنه لا بد من رجل يساندها، فتزوجت الأمير عز الدين أيبك التركماني، وبعد أن بلغت الخمسين من عمرها أخذ يُخطط لمن سيتولى العرش بعده فقرر أن يتزوج فساءت علاقتهما، وغضبت وقررت أن تقضي عليه، واغتالته بضربِه على رأسه بالقبقاب حتى مات، وثار أنصاره عليها وقادوها إلى القلعة وسجنوها، ونادوا بابن عز الدين ملكا على مصر والشام، فقامت باستجماع أعوانها وقتلته، لكن أمه اجتمعت مع المماليك، فاقتادوا إليها شجرة الدر وضربتها الجواري بالقباقيب إلى أن ماتت.