السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

"واحة العين".. تروي تاريخ 4000 سنة

"واحة العين".. تروي تاريخ 4000 سنة
31 مايو 2019 00:05

الكبيرة التونسي (أبوظبي)

في تلك القطعة النابضة بالحياة يستنشق الزائر عطر البداوة وكرم الضيافة، ويشعر بالألفة والطمأنينة، في ظل فضاءات رحبة تسافر بضيفها إلى حقبة زمنية كانت تعج بالأحداث، وما زالت شاهدة تروي قصة الأجداد الذين احتضنتهم ومنحتهم الحياة، بعد أن سقوها بجهدهم وعرقهم، هي «واحة العين» أكبر واحات العين، والتي لها حضور في الذاكرة الجمعية لأهل العين بشكل خاص وللإمارات بشكل عام، حيث شكلت ملاذاً للناس عند ارتفاع درجات الحرارة، وكانت أيضاً مصدر رزق لأهلها، أما اليوم فهي تعتبر إرثاً إنسانياً يقدم تجربة ثقافية وإنسانية للزوار.

قائمة اليونسكو
عمر سالم الكعبي مدير واحات العين، قال إن مدينة العين تحتل مكانة خاصة بين المواقع التاريخية والتراثية في دولة الإمارات، ما جعلها أول موقع إماراتي مدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي الإنساني، وذلك عام 2011، نظراً لوجود العديد من المواقع الأثرية والتاريخية فيها، مثل مقابر جبل حفيت، التي يعود تاريخها إلى العصر البرونزي، والتجمعات البشرية الأثرية في منطقة الهيلي، لافتا إلى أن العين تشتهر بواحاتها الكثيرة ومواقعها التاريخية، وهي تحتضن 6 واحات خصبة، من بينها واحة العين التي تعتبر أقدم التجمعات البشرية المأهولة بالسكان، وتمتد هذه الواحة التاريخية على مساحة 1200 هكتار، وتحتوي على ما يزيد عن 147 ألف نخلة تنتج أكثر من 100 نوع من التمور، وبعد أن كانت واحة العين تقوم بدور حيوي في حياة الناس، إلا أنها اليوم تقوم بدور سياحي وثقافي، حيث توفر للزوار تجربة ثقافية غنية بالتاريخ التراثي والثقافي لمدينة العين وإمارة أبوظبي، وتقع واحة العين في قلب مدينة العين، ويعود تاريخها إلى أكثر من 4000 سنة. ويوجد بالقرب منها متحف العين الوطني شرقاً، ومتحف قصر العين غرباً، وتشتهر بنظام الري بالأفلاج، وهي مجموعة من القنوات المائية المتصلة التي تنقل المياه العذبة من منابعها بسلسلة جبال الحجر المجاورة إلى مزارع النخيل.

يعيش في الذاكرة
وأشار الكعبي إلى أن واحات العين، تتضمن واحة القطارة وواحة الجيمي، وواحة المويجعي وواحة المعترض، موضحاً أن واحة العين لها حضور قوي في الذاكرة الجمعية لأهل العين، وكانت تقوم بدور حيوي في السابق، اشتملت على أشجار النخيل، والعديد من الأشجار المثمرة الأخرى، كاللومي والبرتقال والمانجو والموز والرمان والتين، إلى جانب إنتاجها للخضراوات المتنوعة والحشائش التي شكلت علفاً للحيوانات، وذكر الكعبي أن واحة العين أحاطتها قرى مختلفة من الطين، وهذه القرى كان يطلق عليها «الحارة»، بحيث احتضنتها مجموعة من الحارات من كل الاتجاهات، تتوسطها الواحة الكبيرة التي شكلت مصدراً مهماً للمعيشة، فكانت النخلة يصنع منها البيت، والأفرشة، والأواني والحبال، كما شكلت مصدر رزق للجميع، موضحاً أن حضور الواحة في ذاكرة أهل العين قوي، خاصة لدى كبار المواطنين، الذين عايشوا الكثير من الأحداث بها، من أفراح وأحزان، فهي شكلت مجتمعاً قائماً بذاته، شكل فيه النخل والماء عصب الحياة.

«مقيظ»
وأضاف الكعبي، قائلاً: «واحات العين، لم تكن مصدر عيش للسكان فقط، بل أيضا «مقيظا» لسكان الساحل ولمختلف قاصديها من مناطق الإمارات، حيث كانت الواحة تقوم بأدوار متعددة أهمها التواصل الحضاري، حيث كان يهرب لها سكان الإمارات للاحتماء بظلها الوارف وحصد المنتوجات وجني التمور، وكانوا يقضون فيها الصيف خلال رحلة الغوص الكبير، وخلال هذه الفترة كانت تقام طقوس الحياة اليومية من أعراس وتعارف الناس في إطار التواصل الاجتماعي، وعبر ممرّاتها المظلّلة شعر سكانها بالانتعاش بعيداً عن المناطق الحارة، خلال فصل الصيف.

إرث إنساني
ولأنها ثروة خالدة، حسبما قال الكعبي، وجب الحفاظ عليها واستثمارها، وحرصت هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة على افتتاح الواحة أمام الزوار، معتمدة ممارسات دقيقة ومعايير عالمية، لضمان عدم تأثير افتتاح الواحة على نظامها البيئي الدقيق، كما أنها تسمح للزوار بالتعلّم ومشاهدة المناظر الطبيعية، والتفاعل مع الأنشطة وعناصر الموقع الفريدة، في إطار التزامها باحترام وصون الأهمية البيئية والمجتمعية للواحة المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، والتي توفر فرصة للزوار من داخل الإمارات وخارجها للتعرف على العديد من العناصر التراثية الأخرى، التي تجسد تقاليد الحياة اليومية في الواحة، وتقدم الجولة عرضاً للبيئة الصحراوية والهندسة المعمارية التاريخية والتراث الثقافي والممارسات التقليدية، إلى جانب تعريف الزوّار بنظامها البيئي، الذي استطاع التعايش والتغلب على الظروف المناخية القاسية في الصحراء، ما يتيح آفاقاً واسعة للدراسات والأبحاث المتخصصة في البيئات المناخية الصعبة.
وأشار الكعبي إلى أن الواحة تم الحفاظ عليها كإرث إنساني للبشرية، بالإضافة إلى دورها السياحي، حيث يمكن للزوار القيام بجولة تعريفية بالحفريات الأثرية، التي تعود إلى العصرين الحجري والبرونزي، لتروي سيرة تطور المجتمعات في المنطقة على مر التاريخ، وما امتلكه أبناء المنطقة من براعة ومرونة للتكيف وتحدي الصعاب. وترسم هذه المواقع الأثرية صورة واضحة للتحول الثقافي، عند الانتقال من المجتمعات المرتحلة إلى المجتمعات المستقرة حول الواحات، والتي شكلت مهداً لازدهار الثقافة الإماراتية. وتعتبر هذه الجولة عنصراً محورياً في التجربة المتكاملة في واحة العين، حيث تؤكد قدرة سكان المنطقة على تأسيس مجتمعات مستقرة، منذ العصر الحجري الحديث وحتى اليوم.

نظام إيكولوجي
أشار أحمد الهاشمي، قائلاً إنه يمكن لزوار الوثبة أن يتوقعوا مشاهدة عدد من الكائنات الأخرى التي تقطن المحمية، منها دبور الوقواق، العقرب ذو الذيل الأسود السمين، العقاب المرقط الكبير، الثعلب الأحمر، الضب، الورل، الأرنب الجبلي، اليعسوب البنفسجي، الفأر البري والقنفد الأثيوبي، فضلاً عن مجموعة متنوّعة من اليعاسيب وحشرات الرعاش. موضحاً أن الدخول إلى المحمية مجاني ومفتوح للجمهور، كما يتواجد بالمحمية مراقبون لمساعدة الزوار في تخطيط رحلتهم داخل المحمية ليتمتعوا بتجربة لا تنسى، يمكننا أيضا تنظيم جولات خاصة لطلاب المدارس والجامعات في تجربة تعليمية فريدة للتعرف على الأنواع التي تؤويها المحمية، واستكشاف الأراضي الرطبة، والسّبخات «الرمال المتحرّكة»، والرمال المتحجّرة والكثبان الرملية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©