محمد إبراهيم (الجزائر)
يواصل القضاء الجزائري فتح قضايا الفساد المالي المتهم فيها مسؤولون كبار حاليون وسابقون، إضافة لرجال أعمال مقربين من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. ويعد مطلب محاسبة المسؤولين الفاسدين في مقدمة مطالب الحراك الشعبي المستمر منذ 22 فبراير الماضي، وباتت محكمة «سيدي امحمد» التي تتولى التحقيق في أغلب قضايا الفساد المتهم فيها كبار المسؤولين قبلة لوسائل الإعلام التي يقبع ممثلوها أمام باب المحكمة يومياً يحملون معداتهم لتصوير وصول ومغادرة المتهمين. ومثل أسعد ربراب، أحد أكبر رجال الأعمال الجزائريين، أمس أمام قاضي تحقيق محكمة سيدي امحمد، للمرة الثانية، حيث تم سماع أقواله بخصوص اتهامات متعلقة بتضخيم وفوترة واستيراد عتاد مستعمل.
وربراب هو أغنى رجل في الجزائر، ويملك مجمع «سيفيتال» للصناعات الغذائية، وسلسلة محال التجزئة «أونو» وشركات أخرى (النقل والمنتجات الكهربائية). ويمتلك ربراب ثروة قدرها 3.8 مليار دولار، حسب مجلة «فوربس» الأميركية، بحسب تصنيفها لأثرياء العالم لشهر يناير الماضي. كما يعتبر ربراب أغنى رجل في المنطقة المغاربية (شمال أفريقيا)، وفق «فوربس»، والسادس في القارة الأفريقية.
وقررت النيابة العامة بولاية سطيف (شمال شرق) فتح تحقيقات ابتدائية في قضايا فساد، وتم إحالة سبع قضايا منها على الجهات المخولة بالتحقيق.
وعلمت «الاتحاد» من مصادر قانونية أن القضايا تخص رؤساء 7 مجالس شعبية بلدية لتمتعهم بالامتياز القضائي. والامتياز القضائي هو إجراء يتم بموجبه محاكمة رئيس الجمهورية والوزراء والولاة (المحافظون) وكبار المسؤولين على تهم تتعلق بمهامهم، أمام المحكمة العليا. وأضافت المصادر القانونية أنه تم تقديم سبع قضايا أخرى إلى النيابات المختصة من طرف أجهزة الشرطة، وأحيلت إلى جهات التحقيق وصدر فيها أوامر بالإيداع الحبس المؤقت وأخرى بالوضع تحت الرقابة القضائية.
وكشفت المصادر القانونية عن وجود أكثر من 50 قضية فساد مازالت قيد التحقيق غير أن سرية التحقيقات تمنع كشفها حتى يتم الانتهاء منها، مشيرة إلى أن القضاة والمحققين يواجهون ضغطاً كبيراً بسبب كثرة القضايا وقلة عددهم. وتوقعت المصادر أن تستغرق المحاكمات سنوات، وقالت إن «القانون يفرض على المحققين التدقيق في كل المخالفات التي ارتكبها المتهمون، وسيؤدي التدقيق في كل مخالفة أو شبه مخالفة إلى تمديد التحقيقات إلى عدة سنوات».
وقال محمد عبد القادر، المحامي الجزائري، لـ«الاتحاد» إنه «عند نظر قضايا الفساد الكبرى هناك مبدأين الأول أن يثبت التحقيق إدانة المتهم أولًا، وثانياً تعطى الأولية في التحقيق والمحاكمة للقضية الأكثر أهمية.
وأضاف «لو افترضنا أن مسؤولاً متهماً في أكثر من قضية فساد، هنا التحقيق يجب أن يركز على أهم قضية وبدء المحاكمة للحصول على الإدانة أولاً فيها، ثم الانتقال لباقي القضايا الأخرى». وأشار إلى أن القضاء في مصر وتونس اتبع هذا المبدأ بعد عام 2011 أثناء التحقيق ومحاكمة مسؤولين سابقين متهمين بالفساد». وشهدت الأسابيع الماضية التحقيق مع عشرات المسؤولين الحاليين والسابقين بتهم فساد مالي، وتم إحالة أحمد ويحيى وعبد المالك سلال رئيسي الحكومة السابقين، و8 وزراء ووالي ولاية الجزائر العاصمة السابق ووالي ولاية البيض الحالي إلى المحكمة العليا بعدما أثبت التحقيق الابتدائي إدانتهم.
يأتي ذلك فيما لاتزال أزمة الانتخابات الرئاسية المقبلة تراوح مكانها، دون أي تقدم يزيل الغموض حول مصيرها.وأعلن المجلس الدستوري الجزائري، الأحد الماضي، تلقيه ملفين لمرشحين اثنين مستقلين في الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي أحجمت كافة الأحزاب السياسية عن تقديم مرشحين فيها. ومن المقرر أن يفصل المجلس الدستوري في طلبات الترشح بحد أقصى 5 يونيو المقبل.إلا أن محمد جميعي الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني «الأفلان» الحزب الحاكم في الجزائر منذ الاستقلال عام 1962 قال إن حزبه «سيقدم أو يدعم مرشحاً نوفمبريا (في إشارة لثورة التحرير التي انطلقت في نوفمبر 1954) في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وقال جميعي في تصريحات له «إن هناك محاولات للزج في البلاد في أزمة ومن يريد الخروج عن الدستور يدعون إلى مغامرة انتقالية مجهولة ويريدون السطو على صلاحيات الشعب». وثمن جميعي دعوة الفريق أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع رئيس الأركان الجزائري للحوار، وقال: «لا حل إلا في حوار مبني على التنازلات لإنقاذ البلاد». وكان الفريق قايد صالح قد دعا قبل يومين إلى حوار بين كافة الأطراف السياسية للوصول إلى مخرج دستوري لأزمة الانتخابات الرئاسية، التي رفضت كل الأحزاب تقديم مرشحين فيها، بعدما وحدت مطالبها مع الحراك الشعبي.
ويطالب الحراك الشعبي بتأجيل الانتخابات الرئاسية والدخول في فترة انتقالية، وتشكيل مجلس لإدارة شؤون البلاد، وإقالة الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، ورئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الثانية في البرلمان) معاذ بوشارب، باعتبارهم من رموز نظام بوتفليقة.
ويشهد البرلمان الجزائري حاليا حراكا واسعا من النواب وصل إلى الكتلة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الذي ينتمي له بوشارب للمطالبة بإقالته.
وجدد الأمين العام لحزب جبهة التحرير مطالبته لبوشارب بتقديم استقالته والامتثال لقرارات الشعب، وأعرب عن مساندته لقرار نواب الحزب تعليق نشاطات كتلة الحزب في المجلس.