2 ابريل 2012
انعقدت صباح أمس الدورة الأولى “مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة” الذي يقيمه “مشروع كلمة” للترجمة والنشر، التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، في جلسات غطت ساعات النهار في موقع معرض أبوظبي الدولي للكتاب، تحت عنوان: “الترجمة وآفاق اللحظة الراهنة”، بمشاركة عدد من المترجمين والناشرين ومندوبي المؤسسات المعنية بالترجمة فضلا عن عدد من المستعربين من العرب والأجانب.
وبدءا فإن المؤتمر ومنذ دورته الأولى لم يكن لوضع حلول ذات صلة بواقع الترجمة من العربية وإليها في الواقع الراهن، بقدر ما كان تأملا حول هذا الواقع وطرح جملة من الأسئلة عليه، الأمر الذي يُحسب لمشروع كلمة عقد مثل هذا المؤتمر على صعيد عربي، وبالتالي فقد جاءت مجمل الأوراق التي قُرئت خلال جلسات المؤتمر أو التي قيلت على ألسنة أصحابها وما تضمنته من أفكار تجدر بالنقاش لتطرح فكرة الترجمة على بساط البحث من جديد، وتبرز أهميتها الفائقة على اعتبار أنها تمثل العبور الأهم للثقافات الأخرى التي بات الحوار معها ضرورة من أجل العثور على المكان اللائق للثقافة العربية والإسلامية تحت الشمس، أو إذا كانت الترجمة نافذة على هذه الثقافات فينبغي توسيعها لتصبح بابا يخلق مشروعا مركزيا للترجمة إلى العربية ومنها، وليس التعويل على بضعة مشروعات هنا أو هناك غالبا ما تكون محكومة إلى نزعة فردية.
تمثل هذه الخلاصة العنوان العريض للمؤتمر، الذي افتتحه مبارك حمد المهيري مدير عام هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، بحضور جمعة القبيسي مدير معرض أبوظبي الدولي للكتاب ومدير دار الكتب الوطنية في الهيئة، والدكتور علي بن تميم مدير مشروع “كلمة” للترجمة، وممثلين عن المؤسسات والهيئات الثقافية الكبرى محليا وعربيا.
وأكّد المهيري خلال كلمته الافتتاحية للمؤتمر على أهمية الترجمة ودورها في التعرف على ثقافة الآخر، وبناء الحضارة البشرية معربا عن سعادته بأن “يأتي انطلاق مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة بالتزامن مع فعاليات الدورة الـ 22 من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، والذي يجمع بسلاسة بين توفير فرص للتعاون التجاري بين دور النشر ومؤسسات صناعة الكتاب، وبرنامج ثقافي غني يُناسب الأكاديميين والقراء من كافة شرائح المجتمع وفئاتهم العمرية، ويجتذب نخبة من الكتاب والناشرين والوكلاء والموزعين والمفكرين ورموز الأدب والشعر والثقافة من مختلف قارات العالم”.
وأضاف المهيري: “إنّ الترجمة كانت وما تزال وسيلتنا للتعرّف على ثقافة الآخر والتقارب معه، وقد استطاعت منذ فجر الزيارات الأولى المتبادلة مع الأصدقاء في مختلف بقاع الأرض، أن تمدّ لنا جسور التواصل، لنجد وسيلة نتفاهم من خلالها، ونتعارف ونتبادل خبراتنا، لنسير معاً يداً بيد في اتجاه بناء حضارة إنسانية خالدة”.
وأوضح أنّ نشاطات هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في مجالات الترجمة والنشر المعرفي والأدبي، تأتي في إطار دعم واهتمام صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، وبمتابعة من الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وذلك بهدف المساهمة في دفع الحركة الثقافية والمعرفية نحو آفاق جديدة، بالاستفادة من معارف الآخرين وآدابهم، ومدّ المزيد من جسور التواصل معهم.
وأعرب عن أمله في أن يحقق مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة الأهداف المرجوة منه، وأن يكون فاتحة لمشاريع وفعاليات أخرى، تصبّ في جهود التنمية المعرفية محليا واقليميا إيمانا بدور أبوظبي كمنارة للإشعاع الثقافي والحضاري في المنطقة.
ومن جهته أكّد جمعة القبيسي خلال كلمته على أهمية الترجمة في المرحلة القادمة، وضرورة وضعها ضمن أولويات المسؤولين، وقال: “انطلاقاً من رؤية ورسالة إمارة أبوظبي ودورها الريادي في خدمة الفرد والمجتمع، حرصت على بذل الجهود للارتقاء بمستوى خدماتها وتوسيع أنشطتها ومجالات عملها لكي تنسجم مع التطلعات المستقبلية لحكومة أبوظبي، ولتحافظ هذه الإمارة على موقعها المتميز، فكان لابد لها أن تتطور في شتى المجالات، ولاسيّما مجال التنمية البشرية، وعلى رأسها الاهتمام بالثقافة الإنسانية التي تعدّ العمود الفقري للتنمية البشرية، ولذلك فإنّ انعقاد مثل هذا المؤتمر يعتبر خطوةً جديدة نحو التنمية الشاملة من خلال التأكيد على أهمية الترجمة، وضرورة الارتقاء بها، فالترجمة عنوان ذو مفهوم شامل، وإنه لجدير أن يوضع محطّ اهتمام المسؤولين والمهتمين خلال المرحلة القادمة، نظراً لما يحتويه من معان وأبعاد تهتم بالثقافة وتجدّد حيويتها، بما ينعكس إيجاباً على المجتمع، ولا شكّ أنّ هذا المؤتمر سيناقش ويطرح العديد من المواضيع ذات الأولوية ليساهم في الحلول المناسبة لكثيرٍ من المشاكل والتحديات التي تواجه الترجمة، وسيساهم في تعزيز دور الترجمة في المجتمع على نحو كبير، أملاً في النهوض بالترجمة، والحفاظ على ثقافتنا في المجتمع، وإثرائها بنقل العلوم والمعارف من الثقافات الأخرى”.
وأضاف: “إنّ سياسة حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة الرشيدة بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وبمتابعة من الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، كانت ولا زالت تنتهج منهجاً يتقارب مع الاحتياجات والخدمات الأساسية والاجتماعية، التي وضعت دولة الإمارات في مصاف الدول التي جعلت نصب أعينها تغيير مفاهيم ومصطلحات التنمية الشاملة، لذا يأتي مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة لعدة أهداف من ضمنها إبراز أهمية الترجمة وضرورتها في عصرنا الحالي بكل ما ينطوي عليه من تقدّم معرفي، لتصبح أكثر دقة وجودة ونفعاً”.
وإلى ذلك تضمّن حفل الافتتاح عرض فيلم تسجيلي حول الترجمة ودورها العلمي والحضاري، إضافة إلى توقيع اتفاقية النشر الإلكتروني بين مشروع (كلمة) و(دار الكتب الوطنية) مع دار (يو ان ميديا) الكورية للنشر، وذلك بهدف نشر مجموعة الكتب المترجمة من الكورية عبر المكتبة الإلكترونية لدار الكتب الوطنية. حيث جاء ذلك في إطار التعاون المتبادل والجهود المشتركة بين مشروع (كلمة) والمؤسسات الصديقة المتعاونة معه، وضمن مبادرة جسور التي أطلقت عام 2010 في إطار معرض أبوظبي الدولي للكتاب، والهادفة إلى تشجيع دور النشر العربية وذلك بترجمة 250 عنوانا من الكورية إلى العربية، حيث وقع الاتفاقية عن دار الكتب الوطنية جمعة القبيسي مدير الدار، وعن مشروع (كلمة) الدكتور علي بن تميم مدير المشروع، وعن دار (يو ان ميديا) الكورية كيم جيهيي.
وشمل جدول أعمال مؤتمر “الترجمة وآفاق اللحظة الراهنة” خمس جلسات حوارية، حملت الأولى منها عنوان “حركة الترجمة من العربية وإليها ـ من الموروث إلى الراهن”، حيث تناولت بالنقاش ميراث الترجمة من العربية وإليها، وكذلك الترجمة في العالم العربي الحديث، ومشاريع الترجمة ومؤسساتها، إضافة إلى تسليط الضوء على التحدّيات التي تواجه الترجمة من العربية وإليها، وقد أدارتها الأستاذة أمل ديبو، وتحدّث في الجلسة نخبة من المترجمين المتخصصين في الترجمة من مختلف اللغات الحية (الإنجليزية، الفرنسية، الإيطالية وسواها) وإليها، وهم: عزالدين عناية، وعمر الأيوبي، وثائر ديب، وكذلك جان جبور على التوالي.
أمّا الجلسة الثانية فحملت عنوان “الترجمة والهوية الثقافية” وأدارها المترجم عن الاسبانية صالح علماني، وتحدّث فيها متخصصون في الترجمة إلى لغات مختلفة هم: حسن ناظم، وفيليب كنيدي، ورضوان السيد، حيث تناولوا بالحوار إشكالية الهوية الثقافية والترجمة، وألقوا الضوء على المواضيع الأكثر إثارة للجدل في الترجمة (الدين، السياسة، الأخلاق)، كما ناقشوا الرقابة الثقافية على الترجمة.
وقد استضافت الجلسة الثالثة التي جاءت تحت عنوان “تحديات الترجمة: النشر والتوزيع والتمويل” وأدارها محمد رشاد، المتحدثين فيها: عماد طحينة، وجمال الشحي، وذكر الرحمن، عن دور النشر وأهدافها بين العلمية والتجارية، وكذلك دور النشر ومشاريع الترجمة، وسلطوا الضوء على توزيع الكتب ودوره في تكرار الترجمة، وكذلك على الترجمات الرائجة في العربية، وناقشوا حقوق الملكية الفكرية في دور النشر العربية.
ويأتي مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة لإلقاء الضوء على حركة الترجمة من العربية وإليها في العصر الحديث، حيث جاء التركيز في مجمل الأوراق على إبراز أهمية الترجمة وضرورتها في عصرنا الحالي بكل ما ينطوي عليه من تقدّم معرفي، وكذلك إبراز أهمية الترجمة في التعريف بالثقافة العربية والإسلامية، وفي معرفة ثقافات الأمم الأخرى.
كما هدف المؤتمر أيضا إلى تشجيع المؤسسات الثقافية في المنطقة على تفعيل حركة الترجمة والنقل، لأهميتها في بناء حركة ثقافية وأدبية تمور بالحياة والحيوية، والوصول إلى الصيغ المثلى لترجمة العلوم والتكنولوجيا وبناء معاجم علمية متخصصة، إضافة إلى تطوير المناهج الجامعية في حقول الترجمة وإنشاء معاهد ترجمة متخصصة، لتخريج مترجمين مؤهلين وأكفاء.
المصدر: أبوظبي