هكذا هي الطبيعة دائماً عندما يشتد غضبها على الانسان وعندما تقسو عليه فهي لا تبقي منه باقية حينما تزمجر وتقوم قائمتها، فهناك صراع مستمر بينها وبين المخلوقات على وجه هذه الارض وخاصة الانسان فهو الوحيد الذي يغضبها وهو المحرك الرئيسي لشعورها المتهلف للفتك به لا يتركها لحالها مما يولد لديها شعوراً قوياً بأن هذا المخلوق المسمى بالانسان لابد وأن يرى جبروت هذه الطبيعة ومن قوتها وعنفها عندما تستشيط غضباً وقهراً، فحقيقة الطبيعة ومنذ الأزل وعند أول خلق للكون وهي في تحد مستمر مع الانسان ولكن دائماً الطرف المنتصر هي الطبيعة فهي انما تستمد قوتها من خالقها مدبر هذا الكون الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى·
الطبيعة أعطيت من القوة والعنفوان والجبروت ما لم يعط الانسان رغم أنه أعطيه العقل والتفكير الا أن ذلك لم يسعفه امام تحدي الطبيعة وجبروتها الذي لا يقهر، فكل ما في هذا الكون هو من الجنود المسخرين من الباري عز وجل لخدمة هذه الطبيعة المحيطة بنا فأي من هذه المخلوقات الطبيعية ان أراد أن يفعل بنا شيئاً فنحن معشر الانس جميعاً أمامه أقزام لا نستطيع أن نفعل شيئاً والأدهى من ذلك فإننا نفر هاربين أمام هول وغضب الطبيعة تاركين المجال مفسوحاً أمامها لكي تفعل فيه كيفما تشاء وكيفما يحلو لها منسحبين وفارين من ساحة التحدي لا نستطيع فعل أي شيء أمامها رغم ما أوتينا من قوة وعقل وتفكير الا أننا لا نستطيع أن نواجهها مهما حاولنا ومهما بلغ بنا العلم والتقدم والحضارة والتكنولوجيا الحديثة والمعاصرة فكل ذلك لا يساوي شيئاً أمام غضب الطبيعة فجله يذهب جفاء أمام تحديها لنا والشاهد على ذلك كثير، مثالان بسيطان نسوقهما على من واقع عالمنا المعاصر الذي نعيش احداثه وآلامه في يومنا هذا وفي عصرنا الحاضر وبالزمن القريب جداً وليس بالبعيد فكلنا يعرف كيف فعلت موجة تسونامي الشهيرة قبل عام تقريباً ببني البشر في مناطق شرق آسيا وكيف فعلت بأوطان وأقوام، زمجرت بهم وطوتهم تحت سطوت جناحيها في غمضة عين فشردت وقتلت وفرقت الكثير من خلق الله وهدمت في لحظة من اللحظات وفي طرفة عين ما بناه الانسان عبر دهور وسنين عديدة فقلبت الامور رأساً على عقب وانقلبت المسرات والافراح التي كان يقضيها الانسان عند قرب نهاية السنة الميلادية الى أحزان وأتراح ، لقد حولت كل ذلك البنيان إلى كومة من الأنقاض، كل ذلك بفعل موجتين فقط كل الذي رأيناه وشاهدناه بأم أعيننا على شاشات التلفزة بفعل موجتين ،فما بالكم لو أن هذا العجوز الهادر قد غضب وتحرك بنفسه وهز برأسه يميناً وشمالاً واقصد هنا بكلمة العجوز هو هذا البحر الشاسع المستمد قوته من ذلك المحيط المتسع العملاق فما بالكم لو أن هذا البحر وبكل ما أوتي من قوة جبارة أمره خالقه بالتحرك المفاجئ وبدون استئان للزحف على مدن بني البشر ومعاقبتهم فما هي القوة القادرة على صده والوقوف في وجهه ؟لا أحد يستطيع ذلك ففي لحظات قليلة وسويعات وجيزة يحيل المدن العامرة إلى مناطق منكوبة ويتشرد كل من يصادفه· وكمثال على غضب الطبيعة تعتبر اليابان بلد العلم والتقدم والالكترونيات والبحوث العلمية المتطورة والمتقدمة لكن هذا لا يشفع لها عند أول هزة أرضية مفاجئة رغم محاولاتها المستمينة لاختراع جهاز يستطيع التنبؤ بموجة الزلازل إذ أنها تقف حتى الآن عاجزة عن تحقيق ذلك لأنها لا تستطيع، زلزال واحد يحول منطقة عمرانية سكنية مكتظة بالبشر في ثوان معدودات إلى أطلال وخراب ودمار، لا أحد يستطيع أن يقف أمام مواجهة الطبيعة مهما كانت قوة متحديها وقوة بأسه فكل ذلك لا يشفع له أو يقدم أو يؤخر في الأمر شيئاً لأنه كما قلنا ان الطبيعة تستمد قوتها وشدتها وعنفوانها من خالقها العزيز الحكيم الذي أودع في كل خلق خلقه سراً من أسراره الكونية، كل عناصر الطبيعة المحيطة بنا لا نستطيع نحن بني البشر الوقوف امامها وتحديها ولا نستطيع أن نكتشف عنصر المفاجأة والمبادرة التي تتمتع به هذه الطبيعة·
نعم هي وديعة وجميلة ومحبوبة من الناس عندما تكون هادئة مستكينة وما أرعبها وأشرسها عندما تهيج وتغضب وتزمجر، رنه صراع مستمر بين الانسان والطبيعة ولكن الغالب والمنتصر دائماً وأبداً وسيظل إلى النهاية هي الطبيعة·
حمدان محمد - كلباء