أحمد شعبان (القاهرة)
مسجد القرويِّين بالمغرب، يعد من أقدم الجامعات الإسلامية المعروفة، ويُقارن بالأزهر بالقاهرة، وله أثر بالغ في مساجد فاس كلها، وأبرز ما يميز تلك الجامعة العريقة هو النظام الذي عملت به منذ منتصف القرن السابع الهجري، وكان لها السبق عن أوروبا بمئات السنين، وهو نظام «الكراسي» العلمية، أي «كرسي» لمادة الفقه وآخر للغة وغيره للتفسير وهكذا، وشهد هذا المسجد المناظرات والحلقات العلمية التي قادت الحضارة في العالم القديم بينما كانت أوروبا تعيش عصور الظلام.
وتذكر المصادر التاريخية أن جامع القرويين يعتبر أكبر جامع بشمال أفريقيا، ويرجع بناؤه إلى عهد أول دولة إسلامية أسست بالمغرب التي اتخذت مدينة فاس عاصمة لها، وشُرع في بناؤه على يد السيدة فاطمة الفهرية «أم البنين»، وكانت عالمة فاضلة محسنة، قدمت كل ميراثها كهبة لبناء المسجد، وتم البدء فيه العام 245هـ، وفيما بعد تم توسيع المسجد وإصلاحه وترميمه من أموال الهبات، وبعد نحو قرن من تأسيسه أصبح جامع القرويين في حاجة إلى توسعة كبرى، فتمت إضافة 3 آلاف متر إلى المسجد القديم، وفيما بعد أصبح يتسع للآلاف من المصلين.
ظهرت حلقات ومجالس علمية محدودة، بعد مضي فترة على إنشاء الجامع، كانت تلقى من خلالها دروس علمية في مختلف العلوم والفنون، يلقيها نخبة من العلماء فتحول الجامع من مسجد إلى مركز علمي ينافس المراكز العلمية الشهيرة بقرطبة وبغداد.
بعد مرور فترة تم بناء الحمامات والفنادق والحوانيت ووقفها على مساجد فاس وخاصة القرويين، ثم في عهود تالية تم تعزيز جامع القرويين بمجموعة من المدارس والكراسي العلمية والمكتبات، ما ساهم في دعوة الفقهاء إلى بحث الفروع ووضع المطولات والمختصرات على نطاق واسع.
ونظراً لاستقرار الأوضاع في المغرب، فقد انتقلت مجموعات كبيرة من أعلام وعلماء الأندلس قبل سقوطها إلى بلاد المغرب الأقصى، فساهموا في تنشيط الحياة الثقافية والعلمية.
وذاع صيت جامعة القرويين فقصدها طلبة العلم من المدن المغربية، والأندلس وأفريقيا، لتلقي علوم التفسير والحديث والفقه الأصول، وعلوم الفلك والطب والهندسة، وعلوم اللغة العربية من شعر وأدب، ونحو وبلاغة.
وضعت جامعة القرويين منذ نشأتها شروطاً لالتحاق الطلبة بها، فكان على الطالب إنهاء دراسته بأحد الكتاتيب للإلمام بمبادئ الدين وقواعد اللغة العربية، وأن يكون حافظاً للقرآن إلى جانب متون في مبادئ بعض العلوم الدينية والعقلية.
وتستغرق الدراسة في جامعة القرويين بين خمسة و15 عاماً، وكان الطلاب يختارون أساتذتهم، فيجلسون في حلقات حول الأستاذ الذي كان يستند بظهره إلى سارية من سواري المسجد.
ويذكر المؤرخون أنه منذ العام 651هـ - 1253م أخذت الجامعة بنظام الكراسي العلمية، بلغ عددها مع بداية القرن العاشر الهجري، 18 كرسياً، وكراسي القرويين هي مناصب لتدريس علوم أو كتب معينة، فأنشئ أول كرسي للأستاذية لدروس التفسير، ثم توالى إنشاء الكراسي العلمية، وخصص كل منها لمادة من مواد الدراسة، فكان هناك كرسي للفقه وآخر للحديث وثالث للنحو.
ومن العلماء المشهورين الذين شغلوا هذه الكراسي «المقري»، وابن الفحام، وابن الصفار، والتلمساني، وابن الإمام، وكانت ولاية كرسي التدريس بالقرويين تعتبر منصباً سامياً، فكانت تصدر عن السلطان، أو ولي عهده، ويحصل عليها من العلماء من نال شهادة العديد من زملائه، ثم يصبح صاحب الكرسي من جملة الهيئة التعليمية للجامعة.
أصبحت القرويين قبلة للعديد من الأعلام البارزين، ومنهم من اتخذها مقراً له، ومن العلماء الذين أقاموا بفاس ودرسوا بجامعتها ابن خلدون المؤرخ ومؤسس علم الاجتماع، ولسان الدين بن الخطيب، وابن عربي الحكيم، وابن مرزوق.
ويذكر المؤرخون أن الجامعة كانت مفتوحة أمام طلاب العلم من المسلمين وغيرهم، ويروى أن راهباً نصرانياً أصبح فيما بعد البابا سلفيستر الثاني، درس في القرويين، ونقل منها إلى أوروبا الأرقام العربية.