الجمعة 22 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مسجد بيرق.. تاريخ صامد في قلب بلجراد

مسجد بيرق.. تاريخ صامد في قلب بلجراد
28 مايو 2019 00:08

طه حسيب (بلجراد)

يعتبر مسجد باجراكلي (بيرق) أحد أشهر المباني العتيقة التي تشهد على التاريخ المعماري في بلجراد، وكان المسجد الذي أنشأه الأتراك العثمانيون في عام 1575، واحداً من 273 مسجداً شيدتها الإمبراطورية العثمانية أثناء حكمها لصربيا. المسجد يقع في وسط بلجراد، في شارع «جوسبودور جيفريموفا». وفي بداية تأسيسه كان يطلق عليه اسم «مسجد القمّاش» نسبة إلى تاجر قماش يدعي «هادزي أليجا»، وتم تغيير الاسم إلى مسجد «بيرق»، استناداً إلى تقليد يقضي برفع راية على منارة المسجد لتكون إشارة للمصلين من مساجد أخرى، كي يقيموا صلاتهم في هذا المسجد، أي أنه مسجد جامع، من خلاله يتم تحديد الموعد لكافة المساجد الأخرى في العاصمة الصربية، بصفته أكبرها وأقدمها. ويتكون المسجد من قبة واحدة ومئذنة واحدة على خلاف ما جرت عليه العادة بوجود مئذنتين أو أربع. وبني المسجد بوقف من تاجر أقمشة ثري يُدعى «الحاج علي»، وكان اسمه في البداية «كوهادزي»، في إشارة إلى مهنة «صاحب الوقف».
والمسجد هو الوحيد الذي ظل قائماً من بين 273 مسجداً في بلجراد، نتيجة منعطفات تاريخية قليلة. فعندما طردت النمسا العثمانيين من بلجراد أثناء غزو القرن الثامن عشر، حولت المسجد إلى كنيسة كاثوليكية رومانية، وهو ما أنقذه من التدمير. ولكنه تحول إلى مسجد مرة أخرى على يد العثمانيين في عام 1741، على يد قائد يُدعى علي باشا. واسترد الصرب المسجد مرة أخرى في القرن التاسع عشر، لكنهم أرادوا أن يوضحوا أنهم لا يكنون عداءً تجاه المسلمين. وتنعكس كثرة تداوله بين أيادي مختلفة، واستخدامه من قبل أديان متعددة، في هندسته المعمارية وديكوراته الداخلية، وهو ما يجعله مختلفاً عن أي مسجد آخر في العالم.
وكان للمسجد نصيب وافر من الحظ بتفادي التفجير خلال الحرب العالمية الثانية، وأثناء الاحتلال السوفييتي ليوغوسلافيا، إضافةً إلى ما تبعه من صراعات تلت انهيار الاتحاد اليوغسلافي.
المسجد تعرض للدمار والتخريب عام 2004، وهو ما استلزم إصلاحات شاملة، وأسفر تدمير كثير من قطع الفنون الدينية لا تقدر بثمن. ولكن تم إصلاح المسجد بمساعدات من مواطني بلجراد والحكومة الصربية والمساعدات الدولية. ولا يزال يقيم الشعائر الإسلامية بينما يفتح أبوابه لكافة الزائرين، الذين يتعين عليهم احترام واتباع التعاليم الإسلامية التقليدية عند زيارته.
«الاتحاد» التقت محمد حمدي يوسف سباهت، إمام مسجد بيرق، الذي أشار إلى أن هذا المبنى العريق، يعد أول المصليات في تلك المنطقة الأوروبية، حيث صلى المسلمون أولى صلواتهم في ليلة 27 من شهر رمضان عام 1521م، وهذه حقيقة تاريخية لا ننساها نحن المسلمين المواطنين في بلجراد وصربيا، لأنها تتعلق بيوم فتح موطننا التاريخي. ويواصل يوسف، وهو خريج جامعة الأزهر، وحاصل على درجة الدكتوراه في أصول الدين من جامعة سراييفو عام 1992، الحديث عن المسجد، قائلاً: البيرق، وهو اسم المسجد يرمز للإسلام فهو العلم الأخضر ذو الهلال والنجمة، الذي يعتبر هنا علماً إسلامياً رسمياً، وعامةً يعتز مسلمو صربيا، بعراقة هذا الجامع، وما يمثله من أصالة وما يرمز إليه من أبعاد تاريخية.
والجالية الإسلامية في صربيا، يبلغ عددها 700000 مسلم، أي قرابة 8 في المئة من تعداد السكان البالغ 8 ملايين نسمة. عدد المساجد في صربيا يقارب 300 مسجد، أما العاصمة بلجراد فيوجد بها 16 مصلى.
مبنى كلية الدراسات الإسلامية هو المبنى المتواجد بجانب المسجد الجامع، مسجد «بيرق»، ومن خلال تلك المؤسسة تتم رعاية الجالية من خلال أئمة ودعاة، كما أن رعاية هذا المسجد العريق مسؤولية رئاسة الجالية الإسلامية في صربيا ودار الإفتاء الصربية.
واجه مسلمو صربيا أحداثاً صعبة مثل تحويل جامع «بيرق» إلى كنيسة كاثوليكية لمدة 20 عاماً، وذلك إبان الحكم النمساوي - المجري. وخلال الحرب الأهلية في يوغوسلافيا مر مسلمو صربيا ومساجدهم بأوقات عصيبة.
وفي مارس 2014 عندما حلت ذكرى إحراق مسجد «بيرق»، تم افتتاح مسجد آخر، هو المسجد الجامع في الجيش الصربي للجنود المسلمين، الذين يؤدون الخدمة العسكرية ضمن الجيش الصربي، ما يدل على حرية المسلمين في صربيا الحالية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©