محمد أحمد (القاهرة)
سارة بنت هارون، امرأة إبراهيم الخليل عليه السلام، أم النبي إسحاق، من النساء اللواتي أثنى عليهن القرآن الكريم، امرأة كريمة صابرة مباركة، أكرمها الله بمعجزتين عجيبتين يوم حفظها من أيدي أحد جبابرة الأرض، ويوم ولدت بعد عقم في سن كبيرة وزوج شيخ عجوز.
كانت سارة عجوزاً عقيماً، ولم ترزق الولد، ثم أكرمها الله تعالى بالولد، جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لم يكذب إبراهيم النبي عليه السلام قط إلا ثلاث كذبات، اثنتان في ذات الله، قوله: إني سقيم، وقوله: بل فعله كبيرهم هذا، وواحدة في شأن سارة، فإنه قدم إلى أرض جبار ومعه سارة، وكانت أحسن الناس، فقال لها إن هذا الجبار إنْ يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك، فإن سألك فأخبريه أنك أختي، فإنك أختي في الإسلام، فإني لا أعلم في الأرض مسلماً غيري وغيرك، فلما دخل أرضه رآها بعض أهل الجبار، وأتاه فقال له: لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغي لها أن تكون إلا لك، فأرسل إليها، فأتي بها، فقام إبراهيم إلى الصلاة، فلما دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها، فقبضت يده قبضة شديدة، فقال لها: ادعي الله أن يطلق يدي، ولا أضرك، ففعلت، فعاد، فقبضت أشد من القبضة الأولى، فقال لها مثل ذلك، ففعلت، فعاد، فقبضت أشد من القبضتين الأوليين، فقال: ادعي الله أن يطلق يدي، فلك الله أن لا أضرك، ففعلت، وأطلقت يده ودعا الذي جاء بها، فقال له: إنك إنما أتيتني بشيطان، ولم تأتني بإنسان، فأخرجها من أرضي، وأعطها هاجر، فأقبلت تمشي فلما رآها إبراهيم انصرف، فقال لها: مهيم؟ قالت: خيراً، كف الله يد الفاجر، وأخدم خادماً، قال أبو هريرة: فتلك أمكم يا بني ماء السماء»، المراد ببني ماء السماء العرب كلهم، لخلوص نسبهم، وصفائه.
جاء ذكرها في القرآن متعلقاً بالضيوف الكرام الذين نزلوا على زوجها وهم ملائكة جاءوا بصورة بشر، قال تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ * وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)، «سورة هود: الآيات 69 - 73».
مجدها القرآن الكريم بمخاطبة الملائكة، ضيوف إبراهيم، لها، فبشروها بإسحاق، ولدا صالحاً ونبياً، ومن وراء إسحاق يعقوب، ولداً تقر به عينها، وتسعد بحفيدها منه، لكنها تعجبت وصرخت بشدة قائلة إنها عجوز عقيم وزوجها شيخ كبير، فقالت الملائكة لها لا تعجبي من أمر الله، فإنه إذا أراد شيئاً أن يقول له «كن فيكون»، وإنْ كنت عجوزاً عقيماً، وزوجك وإنْ كان شيخاً كبيراً، فإن الله على ما يشاء قدير.
ومن العبر في قصة سارة، أن قدرة الله مطلقة لا تتقيد بالضوابط والمألوف، فسنة الله أن للحمل والإنجاب وقتاً وعمراً محدداً، عندما تصله المرأة ينقطع ولدها فلا تنجب ولا تحمل ولا ترضع، لكن سارة لها شأن مختلف ميزها الله عن كل النساء بالإنجاب في سن العجز، فكان الإنجاب في هذه السن المتأخرة من باب الكرامة لها.