القاهرة (الاتحاد)
من سماحة الإسلام الإصلاح بين الناس لما له من أهمية كبيرة، وقيمة عظيمة، فهو شعبة من شعب الإيمان، وخلق من أخلاق الإسلام، وحث الله تعالى عليه ورغب فيه في كتابه في مواضع عديدة، قال تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)، «سورة النساء: الآية 114».
يقول الدكتور عبدالله السعيد أستاذ الفقه بجامعة الأزهر: من سماحة الإسلام إصلاح ذات البين، فهو يُذهب غيظ الصدور ويجمع الشمل، ويضم الجماعة ويزيل الفرقة، والإصلاح بين الناس في دين الله مبعث الأمن والاستقرار، ومنبع الألفة والمحبة، ومصدر الهدوء والطمأنينة، إنه آية الاتحاد والتكاتف، ودليل الأخوة وبرهان الإيمان، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ...)، «سورة الحجرات: الآية 10»، والصلح نهج شرعي يصان به الناس وتحفظ به المجتمعات من الخصام والتفكك.
وقد أمر الله تعالى بإصلاح ذات البين وجعله عنوان الإيمان، فقال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، «سورة الأنفال: الآية 1»، ووعد سبحانه وتعالى من أصلح بين الناس إيماناً واحتساباً أن يؤتيه أجراً عظيماً، فقال: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)، «سورة النساء: الآية 114».
والإصلاح بين الناس وظيفة المرسلين لا يقوم بها إلا أولئك الذين أطاعوا ربهم، وشرفت نفوسهم وصفت أرواحهم يقومون به، لأنهم يحبون الخير ويكرهون الشر، ويمقتون الخلاف حتى عند غيرهم، ويجدّون في إحباط كيد الخائنين، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلح بين المتخاصمين. وبّين صلى الله عليه وسلم أن أفضل الصدقات الإصلاح بين الناس، قال: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة»، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة»، فبّين صلى الله عليه وسلم أن درجة المصلح بين الناس أفضل من درجة الصائمين والمصلين والمتصدقين، وقال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة إصلاح ذات البين».
ولقد بلغت العناية بالصلح بين المسلمين إلى أنه رخص فيه بالكذب مع قباحته وشدة تحريمه، عن أُم كلثوم - رضي الله عنها - أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فينمي خيرا، أو يقول خيراً».