30 مارس 2012
اختتمت مسرحية “طورغوت” تأليف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وإخراج التونسي المنصف السويسي، مساء أمس الأول في قصر الثقافة بالشارقة، فعاليات الدورة الثانية والعشرين من مهرجان أيام الشارقة المسرحية.
وسلط العرض الضوء على القائد البطل العثماني “طورغوت” الذي ساهم بشكل كبير في تخليص الشمال الإفريقي من الاستعمار الإسباني المدعوم من قبل الحلف المقدس الصليبي. وجاءت المسرحية في نسق متسارع، تلاحقت فيه الأحداث وتقلبت الوضعيات ليتداول كلا القطبين المتصارعين “العثماني والصليبي” مواقع النصر والهزيمة ومشاعر النشوة والانكسار، وتستعرض جملة الوقائع التاريخية المجسدة للصراع القائم في القرن السادس عشر بين الامبراطورية العثمانية المسلمة من جهة والحلف المقدس الصليبي من جهة أخرى. وتكون العرض المسرحي من أربعة فصول تناولت الحديث عن وصول طورغوت وأسره في جنوه ومن ثم تخليص طورغوت من الأسر بمساندة أسطول العثمانيين بقيادة بربروس، ونشوب معركة جربة التي شهدت هزيمة الحلف المقدس، وكانت آخر الفصول قد خصصت لجنازة طورغوت ونهاية البطل الشهيد. وضم العمل في بنيته حالات مشهدية عدة غنية بعناصرها، فهناك البحر والسفن والميناء والقصر والخيمة، وغيرها، مما أعطاه أبعادا جمالية كثيرة على خشبة المسرح.
وهنا يمكن القول بأنه ضمن رؤيا درامية مثيرة عوّد الكاتب عليها عشاق مسرحه بتتبع الحكايات التاريخية الشائقة التي تحمل أبعاداً ودلالات إنسانية من أجل تقديمها ضمن تصور درامي واضح، يمكن القول إن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي قد قدم للمشاهدين تحفاً تاريخية ذات دلالات عميقة تقوم على السرد التاريخي، بل الرواية التاريخية المتكئة على مراجع مختلفة، عربية وغربية، من أجل عرض تصور درامي عنها يجعل من الحكاية بتعقيداتها في متناول الجميع، ولأجل هذا يجد المتابع في تلك المسرحيات التسع التي قدمها مرجعيات تاريخية ذات دلالة محكّمة لعاشق المسرح من جهة، ولقارئ التاريخ من جهة ثانية، وفي كل مجال يجد المتابع متعة التواصل معها.
وربما سعى السويسي من أجل تحقيق شراكة مع الدراما المسرحية التاريخية بتبنيه ثلاثة نصوص مسرحية مكتوبة من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، أو كما سماها في الكراس بالنصوص السلطانية، قدم من خلالها مادة مسرحية إخراجية ذات دلالات كثيرة، واللافت أن جهداً غير قليل بذله المخرج من أجل نقل الدراما الموجودة في النص إلى الحياة، بحيث يكون بإمكان العرض إيجاد معادلات فنية للبحر والسفن والحروب التي كانت تحدث، وقد قارب المخرج عوالم النص مقاربة مقبولة، مع الأخذ في الاعتبار الجهد المبذول لمسرحة الأحداث على الخشبة وربما يكون هذا النص بتنوع أحداثه وأمكنته من النصوص التي تحتاج إلى خيال من نوع خاص.
سعى المخرج منذ البداية لأن يحقق إضافة إلى النص الجديد الذي بدأ العمل عليه قبل نحو ثمانية أشهر تقريباً، معتمداً على ورش عمل مفتوحة في الأزياء والديكور والكومبارس، ومضى محاولاً الإفادة من قطع الديكور الضخمة من أجل تنقلات المكان والزمان، وإلى جانب الإضاءة كانت هناك إكسسوارات غير مبعثرة في فضاء المكان، اعتمد من خلالها على مفهوم الدلالة والاقتصاد بالأدوات من أجل تغيير الحالات، في حين ثمة جهد كبير على مستوى الأزياء وضرورة انتمائها إلى جنسيات شرقية وغربية في القرنين الرابع عشر والخامس عشر. ونجح المخرج في نقل أجواء الحياة بتفاصيل الأزياء والإكسسوارات عن المرحلة الزمنية التاريخية، والذي أعطى إيحاء بما يسميه النقاد “تأريخ الواقعة الدرامية” التي تناولها النص، وفي حين نجح المخرج نجاحاً طيباً في اختيار شخصيات تاريخية ذات شهرة، مثل “خير الدين بربروس” و”طورغوت” أيضاً، وكلاهما قدما أداء طيباً يبدو أن المدخل العام للعرض كان يحتاج إلى جهد تمثيلي يرفع من حرارة العرض، والدقائق الخمس الأولى لم تحفل بهذه الحرارة التي كان يأمل بها العرض، مقارنة بالمدخل العام للنص، كما يبدو الاشتغال على الاحتفاليات الغنائية والراقصة في غير محله وفضفاضاً على العرض، ولو أن المخرج قام بحذفها على سبيل المثال لما تغير الكثير، ولكن تظل هذه ضمن رؤيته العامة للعرض، كما أن المخرج استخدم في بعض المواقع الموسيقى العالمية وربما حسن لو اعتمد على موسيقى مؤلفة للمسرحية بحد ذاتها بدلاً منها، لأن المشاهد على علم ومعرفة بها، وبالتالي قد لا تحدث لديه الأثر الدرامي الذي تفعله الموسيقى لو تم الاعتماد على موسيقى تأليفية، وما أشرنا إليه لا ينقص من قيمة العمل فنياً أو إبداعياً، بل على العكس ربما كان هذا العرض من العروض اللافتة التي قدمها السويسي في تاريخه الفني، ويبدو تبنيه لمقولة العرض وللبعد الإنساني والإبداعي فيها واضحاً، ويكاد يكون هذا العرض من العروض الضخمة جداً عربياً بكم الممثلين والكومبارس الذين اشتغل عليهم.
المصدر: الشارقة