شدد صندوق النقد الدولي على أن دول منطقة الشرق الأوسط تقف حالياً أمام 'فرصة ذهبية' لعلاج كل مشكلاتها الاقتصادية المزمنة بفضل الازدهار غير المسبوق في أسعار النفط للتجاوز إيرادات المنطقة من صادرات الخام ما جمعته في قفزات السبعينات والثمانينات· وجاء في الفصل الأول من تقرير الصندوق تحت عنوان 'الشرق الاوسط·· التعامل مع قفزة هائلة في صادرات النفط'، إن انتاج المنطقة من النفط (95 % من اجمالي الإنتاج) ارتفع لأعلى مستوياته في 20 عاماً لتنعم المنطقة بنمو قوي وفوائض غير مسبوقة في الميزان التجاري، وهو ما قال الصندوق إنه يفرز أكبر تحدٍ اقتصادي للشرق الأوسط·· كيفية إدارة العوائد الناجمة عن هذه الطفرة·
توقع الصندوق ارتفاع نمو المنطقة إلى 5,4 في المئة هذا العام وهو ما يزيد على توقعاته السابقة في ابريل الماضي والتي بلغت 5 %، وتوقع أن يواصل فائض الميزان التجاري للمنطقة ارتفاعه ليصل إلى 21 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2005 (أي حوالي 200 مليار دولار) والى 23,5 % في ·2006
ويرى الصندوق أن 'أرباح النفط تتيح للمنطقة فرصة لإصلاح بعض مشاكلها الاقتصادية منها على سبيل المثال السماح بتمويل إصلاحات لزيادة الوظائف· وفي ضوء ارتفاع معدلات البطالة بالمنطقة فإن هناك مجالاً أمام الحكومات لزيادة الإنفاق من دون مواجهة مخاطر التضخم التي لا تزال عند مستويات مقبولة رغم الطلب المحلي القوي·
ورسم الصندوق صورة وردية للمستقبل في ضوء التوقعات باستمرار ازدهار أسواق النفط وقال إن التحدي الرئيسي يتمثل في كيفية إدارة هذه الايرادات بالقدر الذي يتيح للاقتصاد الاستفادة منها بالشكل الأمثل ولأطول فترة ممكنة· وتوفر هذه الايرادات الضخمة فرصة ذهبية لمعالجة مشكلات اقتصادية مزمنة في مقدمتها تمويل الاصلاحات الهيكلية المطلوبة وخفض الديون العامة ومعالجة مشكلة البطالة وضمان ان يكون لهذا الإنفاق أثر دائم على النمو والانتاجية ومستويات المعيشة·
وأشار الصندوق الى ضرورة تلافي خطأين رئيسيين حدثا في السبعينات والثمانينات· الاول ان تكون الأولوية للانفاق على المجالات التي تضمن تأثيراً مستمراً على النمو ووتيرة الانتاج ومستوى المعيشة وذلك حتى لا تتأثر اقتصاداتها لاحقا اذا حدث تذبذب في أسعار النفط وحدوث دوامة جهنمية بين النمو القوي والركود·
الثاني·· التدرج في التوسع في الإنفاق ولكن بالقدر الذي يتيح للاقتصاد استيعابه حتى لا تؤدي أي تقلبات في السوق النفطية إلى فرض تعديلات كبيرة يصعب تطبيقها· وفي هذا السياق أبدى صندوق النقد تفاؤلاً قائلاً إنه يعتقد أن المسؤولين السياسيين في المنطقة استخلصوا العبر من أخطاء الماضي·
كما حذر الصندوق من انعكاسات تدفق الأموال الضخمة على الأنظمة المالية من خلال تسببه في خلق ارتفاعات غير مبررة في البورصات او في القطاع العقاري· وقال إن السيولة الهائلة ستتدفق على القطاع المصرفي ومن ثم ستتسارع وتيرة نمو الائتمان والمعروض النقدي· وإذا أضفنا إلى ذلك ثقة المستثمرين فإن هذه التدفقات قد تحدث أزمات في القطاعين العقاري وسوق الأوراق المالية وهو ما يتطلب إشرافاً جيداً لتفادي هذه المخاطر· وتوقع الصندوق أن يرتفع نمو السعودية الى 6 % في 2005 على ان يتراجع قليلا الى 4,7% السنة المقبلة· كما توقع انخفاضا كبيرا في الدين العام الى ما دون 50 % من اجمالي الناتج المحلي في نهاية ،2005 وتوقع انتعاش القطاعات غير النفطية خاصة مع فتح الباب أمام مشاركة القطاع الخاص في خدمات البريد والسكك الحديدية وتوليد الكهرباء وتحلية الماء ومشاريع التنجيم· وفي العراق، تتواصل جهود اعادة الاعمار رغم الوضع الأمني المتدهور وبطء التوسع في إنتاج النفط· وبعدما ارتفع الى اكثر من 30 % في 2004 تراجع مؤشر اسعار المستهلكين الى مستوى معتدل· وتواجه الحكومة العراقية تحديات صعبة على المدى الطويل منها المضي قدما في اعادة اعمار البنى الاساسية للبلاد وزيادة استقرار أسس الاقتصاد الكلي وتطوير مؤسسات يمكن أن تدعم اقتصاد السوق·
وفي مصر حصل النمو الاقتصادي على دفعة قوية في النصف الثاني من عام 2004 ومن المنتظر ان يظل النمو قويا بمعدل النمو 4,8% خلال 2005 و5% السنة المقبلة· وذكر الصندوق في تقريره ان الصادرات القوية لا تزال القوة الرئيسية للنمو في ضوء تراجع قيمة الجنيه المصري في الفترة من 2001 الى ·2004 وأشار الى عوامل اخرى ايجابية مثل انتعاش الطلب المحلي بفضل الثقة في الاتجاهات الاصلاحية للحكومة، وتراجع التضخم من مستوياته المرتفعة التي سجلها في بداية ·2004 وأوصى الصندوق القاهرة بخفض ديونها العامة موضحا ان صافي الدين العام استقر عند حوالي 65 % من اجمالي الناتج المحلي· وأضاف انه مع استقرار معتدل اقتراض الحكومة عند 7 % تقريبا من اجمالي الناتج المحلي فانه يتعين اجراء تعديلات نقدية لتقليل الدين وإفساح المجال أمام مزيد من الاستثمارات الخاصة·
وفي القسم التالي مباشرة لأوضاع الشرق الأوسط، استعرض صندوق النقد أوضاع المواد الخام وفي مقدمتها النفط ، وأشار إلى أن المؤشر العام لأسعار المواد الخام ارتفع بنسبة 29 % خلال الفترة من يناير إلى أغسطس 2005 مدعومة أساسا بأسعار الطاقة التي قفزت بنسبة 41 % في حين ارتفعت أسعار المواد غير المتعلقة بالطاقة بنسبة 5 % فقط مقارنة مع 9 % في أسعار المعادن و4 % في أسعار المواد الغذائية· وحذر رودريجو راتو، المدير العام لصندوق النقد، من أن أسعار النفط المرتفعة تهدد بوقف نمو الاقتصاد العالم، ودعا الدول المنتجة للنفط إلى زيادة الإنفاق على الإنتاج للمساعدة في تهدئة الأسعار المشتعلة للطاقة·