30 مارس 2012
شدد عدد من العلماء على أهمية الاعتدال والتمسك بالشريعة بعيداً عن التشدد، أو التفريط بحجة التيسير مؤكدين أن ذلك ذنب كبير. وقالوا: يتخذ بعض الناس من بعض الأحاديث النبوية الشريفة والقواعد الشرعية ذريعة للتحايل على الشرع، فنجد الواحد منهم يلجأ الى حديث«استفت قلبك»، وقاعدة «الضرورات تبيح المحظورات»، أو«لا تحجر واسعاً» وغيرها لتوافق أهواءه ورغباته.
عمرو أبوالفضل (القاهرة) - انتقد الدكتور مبروك عطية الاستاذ بجامعة الأزهر، خوض بعض الناس في المسائل الشرعية من منطلق الاستسهال والتهاون والتفريط بحجة أن الإسلام دين التيسير، مشيراً إلى أن البعض يردد في جرأة الحديث الشريف«استفت قلبك وإن أفتاك الناس»، لتبرير الأفعال التي يمكن أن تكون مخالفة لأحكام الشرع.
وأوضح أنه يجب على من يستند الى هذا الحديث وغيره أن يعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام، قاله للصحابي الزاهد العابد وابصة بن معبد الاسدي رضي الله عنه، ففي النسائي والترمذي بإسناد صحيح عن وابصة بن معبد قال:»أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أسأله عن البر فقال جئت تسأل عن البر قلت نعم، قال البر ما اطمأن إليه القلب، واطمأنت إليه النفس والآثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وكرهت أن يطلع عليه الناس، استفت قلبك وإن أفتاك الناس».
كتب السيرة
وقال إن كتب السيرة مملوءة بروايات عن كثير من الصحابة والعلماء والزهاد الذين كانوا يسافرون من قطر لقطر ويقطعون ألوف الاميال للسؤال عن مسألة وبيان موقف الشرع منها، مبيناً أن واجب المسلم الحرص على الطاعة والالتزام بأوامر الشرع الذي يحض على العلم والمعرفة ويدعو من لا يعلم إلى أن يتعلم ومن كان جاهلاً الى أن يسأل أهل العلم مرات حتى تطمئن نفسه، لأن الواجب تقوى الله بحسب الاستطاعة، ويقول جل وعلا:«قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب» 9 الزمر.
وقال إن العلماء بينوا أن ما حاك في صدر الإنسان فهو إثم، وانه قد يكون الأمر مستنكراً عند فاعله فقط، وذلك عندما يكون من أفتاه أفتى من غير دليل شرعي وحكم بالهوى، لأن الفتوى لا تخلصه من الله تعالى، مشيرا الى أن هناك كثيراً من الأمور ظاهرها غير باطنها، ولا يعلم حالها الحقيقي غير صاحبها، وقد يتعمد تجهيل المفتي بواقع الحال حتى يفتيه بما يريد، ولذلك حذرنا الرسول، صلى الله عليه وسلم، وقال: «من قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من نار».
التساهل
وحذر الدكتور عبدالرحمن عميرة الاستاذ بجامعة الأزهر من التساهل في الإباحية والتحريم والقول على الشرع بغير علم، مبيناً أنه لا يجوز التعامل مع الأدلة من الكتاب والسنة والأحكام الشرعية بالاجتزاء وتطويعها حسب الأهواء والميول حتى تتوافق مع مآرب النفس، والادعاء بالالتزام بأوامر الدين لأن هذا خروج عن الطاعة وافتئات على القيم الإسلامية وهو ذنب عظيم.
وبين أن خطورة أخذ ظواهر النصوص بلا تمحيص والوقوف على مقاصدها وغاياتها تؤدي الى الوقوع في المحظورات المنهي عنها. وقال أن أخذ عبارة: «استفت قلبك» على ظاهرها لا يعني أن يترك الانسان لقلبه العنان، ويختار كل ما يهوى، وإنما المقصود باستفتاء القلب اطمئنانه بعد معرفة حكم الشرع، وبيان الحرام من الحلال، وإنه مما يرضى الله تعالى فيتحقق الاطمئنان للنفس، ولا يكون فيه شبهة.
ويؤكد أن احتكام الانسان الى هواه فى المسائل الشرعية يؤدي الى أن يكون لكل واحد مذهب، وإلى تعدد الملل ويصبح أهل الضلال والبدع من المصيبين وقد استفتوا قلوبهم، مضيفاً أن واجب المسلم الحرص على الابتعاد عن كل ما يغضب الله تعالى، وأن يتحرى الحلال والحرام من أهل العلم والفتوى، فلا يجوز له أن يتقول على الله تعالى أو رسوله-صلى الله عليه وسلم- بغير علم وينصب نفسه عالماً بالشرع، ويفسر الآيات والاحاديث على هواه، ويتجاهل قول الله عز وجل:» فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون « 43 النحل.
وقال إن التقدم والتطور واقع في دنيا الناس وهو ما يقتضي وجود مستجدات، واستحداث مخترعات في شتى مجالات الحياة، في السلوك والمعاملات والمؤمن دائماً مرتبط بشرع الله يعرض عليه كل شأن من شؤونه فما كان موافقاً للشرع فعله وما كان مخالفاً ابتعد عنه وتركه. ونبه الى أن البعض يصل به الجهل والغفلة الى حد عدم قبول النصيحة والتمادي في تحكيم هواه فيتمسك ببعض النصوص ويرددها بلا روية. وذكر أن القول في أمور الشرع والإفتاء لا يكون بالنية، وليس مقبولاً أن يتخذ فيه الانسان رأياً وفق ما يظهر له من فهم وتقدير، وإنما يحكمه العلم والإحاطة بالمسائل الشرعية، وهناك ضوابط لحديث «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران» يجب أن تراعى وشروط ينبغي توافرها، منها أن يكون المجتهد حافظاً للكتاب ومستظهراً غالب السنة الصحيحة، وعالماً بالناسخ والمنسوخ من الشريعة، والقدرة على البحث في جميع أقوال العلماء في المسألة ثم يجتهد فيها.
الرحمة
ويقول الدكتور عبدالحكم الصعيدي والاستاذ بجامعة الازهر إن الأمة بحاجة إلى فهم واع ودقيق للنصوص الشرعية، في جو من الرحمة والتيسير، موضحاً أن تجاهل منهج الإسلام وأوامره يبعدنا عن الطاعة والخيرية، حيث يجادل البعض في الدين، ويتقول على الله ورسوله-صلى الله عليه وسلم- بغير علم. إما عن قصد سيىء وإما عن سوء فهم، وهو ما قد يكون سببا في أن يلتبس على الناس أمر دينهم،، وينصرفوا عن هدي ربهم كنتيجة طبيعية لهذا الكلام غير المسؤول، ومما يساعد على إحداث التأثيرات الضارة لهذا الكلام غير المسؤول ما شاع من ضعف الوازع الديني لدى كثير من الناس إلا من رحم الله.
وشدد على ضرورة أن نعرض قضايانا وأمور حياتنا على شرع الله تعالى لنتعرف على مدى توافقها معه. مضيفا أنه يجب أن يكون رائدنا في كل ذلك الحرص على مرضاة الله، والابتعاد عن الاهواء والميل، والبدع واللدد في الخصومة حتى يوفقنا الله لما فيه خير الدنيا والآخرة متذكرين ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم والله عز وجل يعطى ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله».
وقال إن مجتمعاتنا تعاني تزايد السلوكيات الشكلية والتساهل في أمور الدين، وحذرنا الله تعالى من هذا الشر.