أحمد مراد (القاهرة)
عندما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام، كان عبد الله بن مسعود غلاماً صغيراً، يعيش أسيراً لعادة الرق والعبودية، حيث كان عبداً مملوكاً لعقبة بن أبي معيط، من أكابر قريش، وأكثرهم غلظة وقسوة.
كان الغلام الصغير عبد الله بن مسعود في صحراء خارج مكة، يرعى غنماً مملوكة لسيده عقبة بن أبي معيط، وبينما هو جالس، إذ يمر عليه رجلان وهما: النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق، وكان الصغير لا يعرفهما، فطلبا منه بعضا من اللبن، فرد عليهما: إنها ليست لي، وإنما أنا أرعاها لسيدي، فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه بأمانة الغلام، ثم طلب النبي صلى الله عليه وسلم شاة صغيرة لم تلد من قبل، فتعجب الغلام، وتساءل: كيف لشاة صغيرة لم تلد أن تدر لبناً، جاء بها ليرى ما سيحدث، فأمسكها النبي صلى الله عليه وسلم، ومسح على ضرعها، وسمى الله، فانتفخ الضرع باللبن، وحلبت الشاة لبناً كثيراً شرب منه النبي وصاحبه والغلام، وحينها طلب ابن مسعود من النبي أن يعلمه من هذا القول، فرد عليه النبي: «إنك غلام معلم».
تعلق قلب عبد الله بن مسعود بالنبي صلى الله عليه وسلم، وآمن به ودخل في الإسلام، وتحمل في سبيل ذلك ألواناً شتى من العذاب من قبل سيده ابن أبي معيط، حتى يسر له الله من يخلصه من هذا العذاب، ويعتقه من الرق والعبودية، ومنذ هذه اللحظة لازم النبي وتعلم منه القرآن والحديث، وحرص على خدمته، فكان يحضر له الماء للوضوء، ويستره إذا اغتسل النبي، ومن شدة ملازمته للنبي أصبح من أكثر الناس تشبها به، والذي مدح علمه وخلقه قائلاً: «ما حدثكم به ابن مسعود فصدقوه»، كما قال النبي: «من سره أن يقرأ القرآن رطباً كما نزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد»، «يقصد عبد الله بن مسعود»، وفي رواية ثالثة، قال النبي: «خذوا القرآن من أربعة، من عبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وأبيّ بن كعب وسالم مولى أبي حذيفة».
وكان عبد الله بن مسعود أول من جهر بقراءة القرآن في مكة، حيث خرج إلى الكعبة، والمشركون ملتفون من حولها وقرأ آيات من سورة الرحمن، فاغتاظ المشركون، وأوسعوه ضرباً حتى غشي عليه، وعندما أفاق، قال: والله لأذهبن لهم غداً، ولأسمعنهم ما يكرهون.
ورغم ضآلة جسمه وصغر ساقيه إلا أن هذا كله لم يمنعه من الجهاد في سبيل الله، فخاض مع النبي صلى الله عليه وسلم كل الغزوات والمشاهد، وكان النبي يقول عن ساقيه: «إنها أثقل عند الله من جبل أحد».
توفي عبدالله بن مسعود في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنهما.