عمار يوسف (الرياض)
قصر الصفا الملكي، هو المقر المكي الذي اعتاد ملوك المملكة العربية السعودية أن يستقبلوا فيه قادة وزعماء العالم الإسلامي في العشر الأواخر من شهر رمضان، فيما يعرف إعلامياً بـ«دبلوماسية العمرة» وذلك من أجل، بحث وحل أزمات وقضايا الأمة الإسلامية.
يقع القصر الذي أمر الملك خالد بن عبدالعزيز، رحمه الله، ببنائه عام 1980، على جبل أبي قبيس، الذي احتضن الحجر الأسود عند حادثة الطوفان أيام النبي نوح عليه السلام.
ويقال: إن جبل أبي قبيس هو أول جبل وضع على الأرض، وإن الربوة التي بنيت عليها الكعبة تتصل بأصل جبل أبي قبيس، الذي كان شاهداً على حادثة شق القمر، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم، واقفاً أمام الجبل.
ويقع قصر الصفا، الذي تبلغ مساحته 240 ألف متر مربع، وبإطلالته الفريدة على المسجد الحرام من جهة مشعر الصفا، حيث يشاهد المرء عبر واجهته الزجاجية بوضوح شديد حركة الطواف حول الكعبة المشرف، إضافةً إلى أنه غير بعيد من هذا القصر المكان، الذي كان يضم دار الأرقم ابن أبي الأرقم، التي أقام فيها الرسول وأصحابه صلاتهم سرًّا، خوفًا من أذى قريش بمكة المكرمة.
يقول الدكتور عدنان الحارثي، من جامعة أم القرى، التي تقع أيضاً في مكة المكرمة: إن «دار الأرقم لم يتبق منها شيء في هذا الزمن»، ولكنه أوضح أنها استمرت في كونها دارا إلى العهد العباسي، حيث تحولت إلى جزء من المسجد مع كثير من التعديلات والإضافات، مشيراً إلى أن موقع دار الأرقم كان في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود – مؤسس السعودية – مدرسة قبل أن يتحول لجزء لا يتجزأ من الحرم المكي الشريف.
ومن جهته قال الدكتور فيصل الخالدي، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة أم القرى، إن جبريل عليه السلام جاء بالحجر الأسود من جبل أبي قبيس الذي بني عليه قصر الصفا، ويقع بالقرب من هذا القصر جبل أجياد الذي سمي بهذا الاسم بعد خروج السميدع بن حوثر لمقاتلة الحارث الجرهمي في الجاهلية وقبل الإسلام، ومعه الجياد والرجال فسمي الجبل الذي خرج منه أجياد.
ومنذ إنشاء هذا القصر، ظل ملوك السعودية يحرصون على قضاء العشر الأواخر من شهر رمضان المعظم فيه، ليشاهدوا بأنفسهم حركة طواف المعتمرين، ويتابعون عبر تقارير ميدانية ترفع لهم على مدار الساعة مستوى الخدمات، التي تقدم لقاصدي بيت الله الحرام، كما ظلت تعقد جلسات مجلس الوزراء وإدارة شؤون الدولة داخله، أثناء تواجد الملك بمكة المكرمة.
قصر المصالحات العربية والإسلامية
وفي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك من كل عام، يتحول قصر الصفا في مكة المكرمة، إلى ورشة عمل لخدمة العالمين العربي والإسلامي، حيث يستقبل فيه خادم الحرمين الشريفين الرؤساء والقادة المعتمرين، وتناقش مشاكل وأزمات العالم الإسلامي، من دون أي بروتوكولات ولا كلمات متلفزة ولا بيانات صحفية، فيما عرف بـ «دبلوماسية العشر الأواخر»، التي وظفتها المؤسسة الدبلوماسية السعودية لإطفاء حرائق عربية وإسلامية، مستفيدين بامتياز من المكان والزمان.
وقد شهد قصر الصفا، في فبراير 2007م، اجتماع الفصائل الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، في لقاء رعاه حينها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، لمواجهة حالة الانفجار التي اشتعلت في الشارع الفلسطيني، كما احتضن القصر توقيع معاهدة الصلح التي وقعت بين أطراف القيادات العراقية في أكتوبر 2006م، في لقاء تركز على محاولة جمع شتات هذه القيادات.
كما احتضن القصر في ديسمبر 2005م فعاليات القمة الإسلامية الاستثنائية، والتي شارك عدد كبير من أصحاب الجلالة والفخامة والسمو ملوك ورؤساء وأمراء الدول الإسلامية. وفي هذا القصر، بايعت السعودية رسمياً يوم 22 يونيو 2017م الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولياً للعهد، وذلك بحضور المئات من الأمراء والعلماء ورجال الدين والمسؤولين وشيوخ قبائل.
وفي يونيو 2018م، شهد قصر الصفا اجتماعاً رباعياً، ضم قادة الإمارات والسعودية والكويت والأردن لمناقشة سبل دعم الأردن في محنته الاقتصادية التي يمر بها، وذلك بناءً على دعوة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز.
وجرت العادة ألا يغادر خادم الحرمين الشريفين مكة إلا صباح عيد الفطر، بعد أداء صلاة عيد الفطر في المسجد الحرام، والاستماع لخطبة العيد، وكذلك توجيه خطاب ملكي لعموم المسلمين يوم العيد.
ويحتفظ السعوديون الذين توكل إليهم مهام مرافقة القادة والزعماء الزائرين بقصص مثيرة عن مواقف طريفة، وقعت أثناء أداء هذا الزعيم أو ذاك لمناسك العمرة أو أسئلة غريبة طرحها بعضهم أو أحد من مرافقيهم. فمثلاً يقال إنه ذات مرة سأل أحد الزعماء عما إذا كانت هناك مقابر خاصة بـ «الموؤدات»، عندما تذكر الآية القرآنية الكريمة «إذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت»، فيما سأل زعيم آخر مرافقه السعودي عن سر الحمام، الذي يتكاثر حول المسجد الحرام.
موقع معجزة انشقاق القمر
وفي كتب السنة، يُروَى عن العباس أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان واقفاً أمام جبل أبي قبيس عندما جاءه نفر من كفار قريش منهم الوليد بن المغيرة وأبي جهل بن هشام، والعاص بن وائل وغيره، وقالوا له: يا محمد إن كنت حقاً نبياً ورسولاً فإتنا بمعجزة تشهد لك بالنبوة الرسالة، فسألهم: ماذا تريدون ؟ قالوا: شق لنا القمر، على سبيل التعجيز والتحدي.
فوقف المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يدعو ربه أن ينصره في هذا الموقف، فألهمه ربه تبارك وتعالى أن يشير بإصبعه الشريف إلى القمر، فانشق القمر إلى فلقتين، تباعدتا عن بعضهما البعض لعدة ساعات متصلة، ثم التحمتا. فقال الكفار: سحرنا محمد ( صلى الله عليه وسلم )، لكن بعض العقلاء قالوا: إن السحر قد يؤثر على الذين حضروه، لكنه لا يستطيع أن يؤثر على كل الناس، فانتظروا الركبان القادمين من السفر، فسارع الكفار إلى مخارج مكة ينتظرون القادمين من السفر، فحين قدم أول ركب سألهم الكفار: هل رأيتم شيئاً غريباً حدث لهذا القمر؟
قالوا: نعم، في الليلة الفلانية رأينا القمر قد انشق إلى فلقتين، تباعدتا عن بعضهما البعض ثم التحمتا، فآمن منهم من آمن وكفر من كفر. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى في كتابه العزيز: «اقتربت الساعة وانشق القمر». «وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر». «وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر» … إلى آخر الآيات الكريمة التي نزلت في ذلك، وقد أثبت العلم الحديث أن القمر انشق ثم التحم.