مع مرور السنوات وتناثر الأيام وتزاحم الذكرى، وزوال مرارة الفراق التي تحميني من نار البعاد، أبحر وأسبح في بحر ذكراك وأنا أتغنى فرحاً بلقاك واحلم بالتلاقي·· يصدمني واقعي، يذبحني، يقول لي لا تحلم بالتلاقي فهي جسد مُسجى وروح تسكن جنة الرحمن، حينما تشعر أنك وحيد مهموم وأن صدرك بدأ يضيق وأنك لا تجد شخصاً واحداً من بين ملايين العالم، من يستطيع أن يبعثر همومك وينثر أحزانك للريح ويعيدك من جديد نقياً وصافياً وعذباً· ماذا بوسعك أن تفعل سوى أن تذرف دمعة حارقة كتأشيرة دخول الى جزيرة الغربة التي تألفها وتألفك، حينما تكتب بكل شفافية عن الحب·· وتهدي الآخرين ورود الأمل والفرح والتفاؤل، فيما أصابعك تنزف من هذه الأشواك التي أدمتها هذه الورود، ماذا بوسعك أن تفعل سوى أن تبتسم نصف حزين، نصف ضاحك حينما تكشف أنك وحيد في زحمة الناس·· لأن قلبك لا يحب سوى ذلك البعيد·· البعيد جداً، لأن نبضك لا يريد سوى ذلك المستحيل·· المستحيل جداً·· ماذا بوسعك أن تفعل سوى أن تنظر لغصن القلب الواقف وحيداً في مهب الريح بأسى وحيرة وذهول·
حينما تشعر بإحساس موجع ومؤلم·· انك تنبض بالحب في الزمن الخطأ، والمكان الخطأ، والناس الخطأ، ماذا بوسعك أن تفعل سوى أن توقن أنك ذلك الغريب الذي لم يستطع يوماً أن يفارق غربته·
حينما تكتشف أن قلبك مثل الاسفنجة يمتص حزن الناس، وألم الناس، ووجع الناس·· لكن لا أحد في هذا العالم يراك من الداخل، لا أحد ينظر إليك بعين قلبه، ماذا بوسعك أن تفعل سوى أن تقف أمام المرآة لتطالعك صورة وجه غريب تراه للمرة الأولى، لكنك بالتأكيد تعرفه·
حينما ترى كل الأشياء مائلة، وغائمة، وعائمة، لا تستطيع أن ترى الأشياء بوضوح· وقلبك لا يقبل أنصاف الحلول·· ونبضك لا يعترف بالقسمة على اثنين·· ماذا بوسعك أن تفعل سوى أن تجعل من جزيرة الغربة وطناً لك، ولأحلامك، وأحزانك، حينما تكتشف أن المسافة بين النقطتين في حالة الصدق أطول من المسافة بين الخطوط المتعرجة في حالة الزيف (وانك وحيد) عاقل (في زمن مجنون) أو هكذا يتراءى لك·ماذا بوسعك أن تفعل سوى أن تشعر بسخرية الأشياء وتفاهة رهافة الحس والشعور الذي يلازمك، حينما يتعب قلبك من الركض خلف السراب·· ويجف قلمك من الغوص في بحر الكلمة الرقيقة، ويبح صوتك من النداء على كل الراحلين والغائبين والمفقودين·
ماذا بوسعك أن تفعل سوى أن تصمت بألم وأسى لأنه لم يعد ثمة جدوى من الكتابة في عالم مكتظ بالكآبة·
فاطمة أحمد