23 سبتمبر 2009 00:26
تستضيف مدينة بيتسبرج غداً الخميس قمة مجموعة العشرين. وهو الحدث الأهم في العالم بالنظر إلى ما ينطوي عليه من مسائل اقتصادية وبيئية وسياسية هامة ومن قرارات أو توصيات أو مبادرات تتطلع إليها الأمم والشعوب فيما توشك الأزمة الاقتصادية العالمية على الانتهاء.
ومكان الحدث مدينة بيتسبرج التي تقع في ولاية بنسلفانيا شرق الولايات المتحدة، وصفها الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنها تحولت من مدينة صناعة الصلب الى مركز الابتكار التقني والتكنولوجيا الخضراء والتعليم والتدريب والبحث والتطوير والخدمات المالية، وبصفة خاصة الرعاية الصحية.
مدينة الجسور
وتبدو بيتسبرج متألقة وبراقة حتى في الأيام التي تسود فيها الغيوم والسحب. وهي تعتبر أكبر مدينة في ولاية بنسلفانيا ويبلغ عدد سكانها نحو 320 ألف نسمة. ويطلق على بيتسبرج مدينة الجسور حيث بها 446 جسراً، أي ما يزيد عن عدد جسور مدينة البندقية في إيطاليا، ويمر بها نهران هما نهر اليفيني ونهر مونونجهيل اللذان يلتقيان ليكونا نهر أوهايو الشهير. ولم تعد ترى الآن المداخن العديدة المنتشرة على ضفاف النهر والتي كانت انبعاثاتها الكربونية فيما مضى تحجب الرؤية وتلوث الجو حين كانت مصانع الصلب تمثل أكبر نشاط في المدينة وتجتذب أكبر عدد من العاملين في المنطقة. أما اليوم فإن المركز الطبي لجامعة بيتسبرج البالغة كلفته 8 مليارات من الدولارات هو الذي يستوعب نحو 50 ألف موظف وموظفة يعني أكبر جهة توظيف في غربي بنسلفانيا. ولا تعتمد بيتسبرج على مركز الجمعة الطبي أو المجال الصحي فقط، مثلما فعلت في ماضيها حين كانت تعول على صناعة الصلب والتي انهارات في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، وفقدت المدينة والمنطقة 120 ألف وظيفة أو نحو نصف عمالتها الصناعية. ومنذ ذاك راح نحو 50 ألفاً من سكان بيتسبرج يهجرونها كل عام، ثم بدأت بعد ذلك المدينة في النهوض بفضل الجهود المحلية من جهة والتخطيط الرشيد طول الأجل من جهة أخرى.
الرعاية الصحية
بدأ المسؤولون بالولاية والمدينة يضعون الخطط الاستثمارية كما تضافرت جهود قيادات الجامعات والمجتمع والشركات لتطوير استراتيجيات اقتصادية وتجارية في المنطقة.واليوم ازدهر في بيتسبرج اثنان من مجالاتها الرئيسية الرعاية الطبية والتعليم، حيث نما حجم نشاط الخدمات الصحية الى ثلاثة أمثاله منذ عام ،1979 ما وفر أكثر من 100 ألف وظيفة. ويعمل أكثر من 70 ألف موظف في مجال البحث والتطوير في نحو 35 جامعة (من أبرز إنجازات جامعة بيتسبرج إنتاج لقاح التحصين ضد شلل الأطفال على يد جوناس سولك عام 1955) و 100 مركز بحثي بالشركات منها مركز بحوث شركة باير، والذي يقول رئيسها إن كل ستة وظائف في بيتسبرج يعتمدون على وظيفة واحدة في باير. وتخلصت بيتسبرج خلال العقود الأخيرة من واجهتها البحرية من المصانع المصطفة، وأحلت محلها الحدائق والمتنزهات، كما نجد أن المبنى الذي ستعقد فيه قمة العشرين هو أول مركز مؤتمرات في العالم يحصل على شهادة الريادة البيئية الخضراء وهو يقع فيما كانت من قبل أركثر مناطق المدينة تلوثاً. وانشئت دار علوم الأحياء الخضراء التي تقدم الإرشادات والاستثمارات للشركات المتخصصة في العلوم الحيوية في منطقة كانت مصدراً للتلوث الصناعي فيما مضى. كذلك هناك ضاحية سكنية تسمى ساوث سايدووركس مساحتها نحو 50 هكتاراً تضم المتاجر والمكاتب والفنادق والشقق السكنية تحتل حالياً ما كان سابقاً مصنعاً للصلب. علماً بأن التصنيع لا يزال يشغل 8 في المائة من قوة بيتسبرج العاملة وما تزال المدينة موطن صناعة الصلب الأميركي ولكن بمعايير خضراء. كما تعتبر المدينة مركز ابتكار لعدد من المجالات منها الروبوت (الإنسان الآلي) والإلكترونيات والنانو تكنولوجي (تقنية المنمنمات). وتنتهج بيتسبرج سياسة تشجيع أصحاب المشروعات والمبتكرين، فمثلاً اختارت سوزان كتالانو (باحثة الأمراض العصبية) مدينة بيتسبرج لإجراء بحوثها في مجال كبح أعراض مرض الزهايمر في جامعة ساوث سايد نظراً للدعم والمزايا المتاحة. ونظراً للمكانة الرفيعة التي تحظى بها جامعات بيتسبرج منها على سبيل المثال جامعة كارنيجي ميلون فإن المدينة تجتذب العديد من العلماء والطلاب والباحثين.
بطالة منخفضة
وفي الوقت الذي بلغت فيه البطالة في الولايات المتحدة عموماً 9.4 في المئة لا تتجاوز نسبة البطالة في بيتسبرج 7.8 في المئة وهو ما يعتبر ميزة كبرى في عالم لا يزال يعاني من آثار الأزمة الاقتصادية والبطالة.وتعتبر بيتسبرج أحد أفضل المدن الأميركية من حيث نمو الوظائف حسب مجلة فوربر، حيث تتوفر نحو 30 ألف وظيفة في المنطقة بزيادة 10 آلاف وظيفة منذ بداية عام 2009. كما أن بيستبرج تستوعب 8.4 في المئة من مهندس الطاقة النووية الأميركيين. ونجد أن ويستنجهاوس، إحدى شركات الطاقة النووية توفر العديد من فرص العمل. وتستقطب بيتسبرج كثير من الناس نظراً لرواتب المنطقة المرتفعة وانخفاض تكاليف المعيشة وارتفاع مستوى المدارس والجامعات. وقد وصفتها إحدى المؤسسات التابعة للإيكونوميست بأنها أكثر المدن الأميركية ملاءمة من حيث توفير المتطلبات المعيشية. فهي بجانب ما تتميز به من شركات ومدارس وجامعات فيها أيضاً العديد من المسارح والفرق الموسيقية البارزة ودار للأوبرا، فضلاً عن أن أسعار البيوت فيها معقولة جداً.
فائض في الميزانية
ونظراً لما تتمتع به بيتسبرج من ازدهار اقتصادي وفائض في الميزانية فهي مرشحة لمزيد من التألق والتقدم. واستطاعت أن تتفادى موجات التضاغط والتخلخل الاقتصادي والمالي التي ضربت مؤخراً معظم أنحاء الولايات المتحدة الأخرى. ويجري حالياً وبلا أي عوائق فنية أو ائتمانية بناء مجمع رياضي ضخم ومستشفى جديد ومساكن أيضاً في منطقة وسط المدينة. وغداً ستستقبل المدينة نحو 1100 عضو في وفود دول و2000 صحفي، بل وكذلك لاستقبال حشود من المتظاهرين والمحتجين، حيث تعهد أحد مواقع الشبكة بمسيرة حاشدة وهدد موقع آخر بإزعاج القمة. وكان نحو 35000 متظاهر قد احتشدوا في قمة العشرين في اجتماع شهر ابريل في لندن. وزاد رئيس المدينة لوك رافستاهل البالغ من العمر 29 عاماً قوة الشرطة من 900 الى نحو 3600 رجل شرطة من خلال الاستعانة بقوات من مناطق ومدن أخرى مثل نيويورك. ويأمل مسؤولو المدينة ورجال أعمالها وأهلها ألا تطغى مظاهرات الاحتجاج والمعارضة على إنجازات المدينة وقصة تحولها الرائعة. (عن الايكونوميست)
المصدر: أبوظبي