الثلاثاء 15 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات 37 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الدولة العثمانية جهنم القوميين وفردوس الإسلاميين

22 سبتمبر 2005

القاهرة ـ حلمي النمنم:
رغم مرور أكثر من ثمانين عاما على انهيار الدولة العثمانية، مازالت القضايا الفكرية والسياسية التي تحيط بها معلقة، ولم يتم حسمها بعد، مما دفع د· محمد عفيفي -أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة- لإعداد دراسته التي صدرت مؤخرا بعنوان 'عرب وعثمانيون·· رؤى مغايرة'·
كان الوضع شبه مستقر علميا وأكاديميا حول الدولة العثمانية منذ سقوطها، بين مدرستين، الأولى وهي السائدة وتمثل الفكر القومي العربي والوطني في كل قطر، وهذه المدرسة تعاملت مع العثمانيين على انهم استعمار تركي لدول المنطقة، حتى لو كان العثمانيون يعتنقون الإسلام، وقد وجدت هذه المدرسة أقطابها في بلاد الشام الذين عانوا استبداد الوالي 'جمال باشا' ومحاولات التتريك التي قام بها·
والمدرسة الثانية ومثلها تيار'الإخوان المسلمون' وعدد من الكُتاب الاسلاميين وهؤلاء دافعوا عن دولة الخلافة، فقد وحدت العالم الإسلامي وتصدت للغزو الأوروبي، وفي عهدها كان المسلمون كيانا قويا على الخريطة الدولية·
وبقي الوضع على هذا النحو في الدول العربية حتى وقعت هزيمة الخامس من يونيو ،1967 التي كانت في النهاية هزيمة مباشرة للفكر القومي، وعندها بدأ الاهتمام أو رد الاعتبار للدولة العثمانية، وكان أقوى تعبير عن ذلك التحول هو موقف د· عبدالعزيز الشناوي -استاذ التاريخ بجامعة الأزهر- الذي وضع كتابا ضخما في ثلاثة مجلدات بعنوان 'الدولة العثمانية·· المفترى عليها' وقال فيه ' مبلغ علمي انه لم تتعرض دولة في العالم لمثل ما تعرضت له هذه الدولة من حملات عنيفة ضارية، استهدفت التشهير بها والنيل منها، وقامت بهذه الحملات المكثفة قوتان عالميتان عاتيتان هما الاستعمار الاوروبي والصهيونية واتخذت هذه وتلك من المؤلفات التاريخية والبحوث العلمية والتصريحات الرسمية ومن مجموعة الوثائق التي نشرتها بعض الحكومات الاوروبية مجالا لاذاعة ماراق لها ان تنشره عن الدولة تحاملا عليها' ويلمح الشناوي هنا الى دور المستشرقين في تشويه صورة الاسلام عموما والدولة العثمانية خصوصا، وهنا حدد جمهوره وخطابه الى العرب والمسلمين وهو جمهور يعاني الاستعمار والصهيونية، ويبدأ مقارنة بين موقف المستشرقين من التاريخ الاوروبي وموقفهم تجاه الدولة العثمانية ومع ذلك حرص المؤرخون الاوروبيون على احاطة تاريخ نابليون الاول والثالث بهالات من الفخر والمجد في الوقت الذي نعتوا السلطان العثماني بانه السلطان المسلم الجاهل المستغرق في ملذاته مع حورياته الفاتنات، والحق ان وصف الدولة العثمانية بانها دولة اسلامية مفترى عليها هو أصدق من اي وصف اخر·
ولا يتوقف الشناوي امام المستشرقين والمؤرخين الاوروبيين وحدهم، لكنه يشتبك ايضا مع المؤرخين العرب، وخصوصا القوميين منهم، وهو هنا لا يتورع عن اتهامهم بانهم رددوا ما قاله الاوروبيون، بل كانوا اشبه بطابور خامس لصالح الرؤى الاوروبية ويقول 'وقد ردد بعض المؤرخين والباحثين العرب عن جهالة أو تجاهل أوحقد تلك الآراء الخاطئة والظالمة معا في مؤلفاتهم'·
ويوبخ الشناوي هؤلاء المؤرخين ويحاول تذكيرهم بما يعده مآثر وافضال الدولة العثمانية على الولايات العربية قائلا 'وغفل أولئك المتحاملون عن الخدمات التي اسدتها الدولة لولاياتها العربية بوجه خاص وهي خدمات يجب ان تذكر لها وتشكر عليها، وتناسوا ايضا ان الدولة العثمانية واجهت اخطارا دولية جسيمة كانت تهدد العالم العربي، وكان من بينها وصول البرتغاليين الى البحار الشرقية وتسللهم الى شرق الجزيرة العربية واستيلاؤهم على مواقع عسكرية ومحاولاتهم المتكررة دخول البحر الاحمر من منفذه الجنوبي للاستيلاء على جدة والزحف منها على مكة المكرمة لهدم الكعبة الشريفة ثم مواصلة الزحف على المدينة المنورة لنبش قبر الرسول صلوات الله وسلامة عليه، وكان الغزو البرتغالي لشرق الجزيرة العربية اول غزو اوربي عسكري صليبي في التاريخ الحديث لاقاليم عربية وكان شعاره الصليب أو المدفع'·
وكما هو واضح نحن لسنا بازاء خطاب علمي او بحث تاريخي بقدر ما اننا امام خطاب ايديولوجي فلم يستطع التدليل على دعواه بأن مؤامرة استعمارية وصهيونية وراء تشويه تاريخ الدولة العثمانية وذلك أن هناك اسبابا اخرى يمكن أن تكون محلية لسقوط هذه الدولة، يوردها الزعيم المصري محمد فريد في كتابه الذي صدر في بداية القرن العشرين بعنوان 'تاريخ الدولة العلية' كان محمد فريد رئيسا للحزب الوطني المصري خلفا لمصطفى كامل وكان الحزب مؤمنا بضرورة ارتباط مصر بالدولة العلية وعدم الانفصال عنها وكان من دعاة الجامعة الاسلامية وخاض مصطفى كامل معركة ضارية ضد اولئك الذين نادوا باستقلال مصر عن تلك الدولة من امثال احمد لطفي السيد وقاسم امين وغيرهما ويرى محمد فريد ان هناك تعمدا لتجاهل تاريخ الدولة قائلا 'تاريخ هذه الأمة الفاتحة الشريفة قد ينحصر في التوسع في فرعين رئيسيين الخلافة العربية والخلافة التركية وقد طرق الفرع الاول كل مؤرخي الاسلام، واما الفرع الثاني فكاد القلم العربي يكون منه ابعد الاقلام' ويصل محمد فريد الى ان مجييء محمد علي الى السلطة في عام 1805 ومشاكله العديدة فيما بعد مع الدولة العثمانية وتوريث السلطة في ابنائه جعل الكتاب المصريين يتجاهلون تاريخ الدولة ويهتمون بمناقب اسرة محمد علي· ويدلل على ذلك بحالة علي مبارك وكتابه 'الخطط التوفيقية' فقد حاول مبارك ان يثبت ان القاهرة كانت مدينة قذرة يملؤها الخراب والتخلف في عهد الدولة العثمانية وانها لم تشهد تطورا حديثا إلا مع الاسرة العلوية ليؤكد حق هذه الاسرة في الاستقلال بحكم مصر وتوريثها داخل الاسرة·
وهذا ايضا حديث وخطاب ايديولوجي لا يعكس رؤية وموقفا فكريا بل موقفا وانحيازا سياسيا فقد كان محمد فريد من انصار السلطان عبدالحميد والجامعة الاسلامية لكن وجهة نظره يدحضها الجبرتي في كتابه 'عجائب الاثار في التراجم والاخبار' ولم يكن الجبرتي محبا لمحمد علي ولا من انصاره، بل كان خصما وكارها له ومع ذلك فإن كتابه يكشف عن الكثير من فظائع الحكم العثماني في مصر أو في غيرها من دول المنطقة·
وهذا الموقف الايديولوجي المدافع عن الدولة العثمانية ازداد قوة في العقود الاخيرة خاصة مع صعود تيار الاسلام السياسي الذي راح بعض رموزه يطالبون بعودة الخلافة ودافعوا باستماتة عن الدولة العثمانية وعن السلطان عبدالحميد تحديدا، وصدرت كتب عديدة في القاهرة وعمان ودمشق وبيروت تدافع عن عبدالحميد ولا تعترف بتسلطه واستبداده، ويذهب هؤلاء الى انصاف الحقائق فقط مثل القول إن عبدالحميد ابعد عن السلطنة وان الخلافة اسقطت لانه رفض الانصياع لمطالب الصهيونية بأن يسمح بإقامة اسرائيل وتهجير اليهود الى فلسطين مقابل ان يسددوا له ديون الدولة ويدفعوا له فائضا ماليا ضخما وهذا ايضا حديث يفتقد الدقة التاريخية والعلمية، فالثابت ان الهجرة الصهيونية الاولى الى فلسطين تمت في عام 1882 وان معظم المستعمرات الصهيونية في فلسطين اقيمت في عهد عبدالحميد، وان ولاته في فلسطين سمحوا بذلك ومنهم من ارتشى أو تواطأ بل إن السلطان نفسه لم يكن يمانع في هجرة اليهود الى فلسطين وان الاحلام باقامة اسرائيل كانت تقال وتكتب علنا، والذي عارضه -فعلا- السلطان عبدالحميد هو طلب بعض قيادات الصهيونية السماح باقامة بعض اليهود في مدينة القدس، تحديدا حول المسجد الاقصى، وكان رأي عبدالحميد ان هذه اماكن اسلامية مقدسة لا يجوز لليهود ان يقيموا بها، فقط يمكنهم الذهاب للتعبد والانصراف، وكان اليهود يدخلون فلسطين بالمئات وبالالوف وبعد اسبوعين يطلبون الدخول في الرعوية العثمانية، اي الحصول على الجنسية فيجابون الى مطلبهم فورا بتواطؤ الولاة ورجال الجمارك والموانيء العثمانيين·
لقد وصل محمد فريد الى حد اضفاء طابع الهي أو اسطوري على الدولة العثمانية وما قامت به في التاريخ بالقول 'ان العناية الصمدية تداركتهم بلم الشعث ورتق الفتق فاضاءت الافق الاسلامي بظهور النور العثماني وامدته بالنصر والعون الرباني، فقامت الدولة العلية بحراسة هذا الدين وحماية الشرقيين، ودعت الى الخير وامرت بالمودة ونهت عن المنكر فكانت من المفلحين'· ويتجاهل محمد فريد هنا عدة حقائق منها ان الدولة عجزت عن حماية مصر والشام من غزو نابليون وفشلت جيوشها فشلا ذريعا اكثر من مرة أمام جيش نابليون وان الحملة فشلت بسبب المقاومة العنيفة للاهالي في البلدين ومساندة الاسطول الانجليزي في البحر المتوسط ونسى ايضا ان الجزائر احتلت تماما عام 1830 وعجزت الدولة عن اخراج الفرنسيين كما احتل الانجليز مصر في عام 1882 وان الدولة في عز الحرب ضد الانجليز اصدرت منشورا يكفر احمد عُرابي ويعلن عصيانه كي ينفض عنه المصريون مما عجل بالاحتلال، وفي عام 1881 كان الفرنسيون قد احتلوا تونس وفي كل هذا كانت الدولة عاجزة وغير قادرة إلا على الاستبداد والتسلط بالاهالي وجباية الاموال منهم، وربما يكون محمد فريد قد تأثر وقت الكتابة بما كان يقال عن الدولة انها رجل اوروبا المريض وان الاوروبيين كانوا يبحثون في تقسيم تركة هذا المريض، وبدأ الانفصال يحدث في ولايات الدولة التي تقع باوروبا مثل اليونان والبوسنة وغيرها فضلا عن احتجاجات العرب·
الدولة العلية
ووصل محمد فريد الى حد القول إن أي شرقي مسلما كان أو غير مسلم وتهزه النخوة القومية للمحافظة على بقاء الدولة العلية، سعيا الى بقاء نفسه ويطالب فريد الجميع بالعمل اكثر على بقاء الدولة ويرى ان هذا ممكن ويقول نالت الدولة العلية من العزة والتوفيق ما يجدر بكل شريف ان يتذكره الان لتستفزه عوامل الغيرة ودواعي النشاط الى بذل نفسه ونفيسه في سبيل تقويتها وتعزيز رايتها لما كان لها ولا يزال لها من الحسنات الحسان على كافة بني الانسان من غير نظر الى الاجناس والمذاهب والاديان·
ويتعامى محمد فريد عن الصراعات القومية داخل الدولة رغم أن هذه المشكلة هي التي اجهزت عليها تماما حين يقول 'ان جميع الناس تعيش فيها بغاية الحرية والسلام وكل المطرودين من الدول الاوروبية يفدون الى اراضيها فيشعرون بالراحة والهناء آمنين على انفسهم واعراضهم'·
وعموما فإن محمد فريد كشف عن موقفه الايديولوجي من الصفحة الاولى اذ قام باهداء الكتاب الى السلطان عبدالحميد قائلا له 'وقد قصدت بهذه الخدمة ان اقوم بغرض يجب على كل انسان اداؤه لعرش الخلافة العظمى وملجأ الاسلام في هذا الزمان مولانا امير المؤمنين السلطان الغازي عبدالحميد الثاني امد الله في عمره وايده بنصره' كما اهدى كتابه ايضا الى خديو مصر عباس حلمي الثاني مؤكدا ضرورة الارتباط بين مصر والدولة العلية مازجا بين الوطنية والدين أو الارض والعقيدة ويقول 'اني ابتهل الى الله بان يؤكد العروة الوثقى بين جلالته -السلطان- وولي امرنا صاحب الحزم والتدبير مولانا الجليل النبيل صاحب الرأي الاصيل رب الحزم والعزم وخديونا الافخم عباس باشا حلمي الثاني حفظه الله وابقاه اعلاء للوطن وابقاء لجامعة الملة آمين' كان هذا القول من محمد فريد مؤثرا بشدة بين عوام المصريين وانصار الجامعة الاسلامية، فلم يكن يؤمن بانفصال مصر واستقلالها التام عن الدولة سوى عدد من المثقفين والمفكرين المصريين والعرب المقيمين بمصر، فضلا عن بعض الباشوات المستنيرين وبقيت الحال على هذا النحو حتى انهزمت تركيا في الحرب العالمية الاولى مع المانيا ودول المحور، وانتصرت انجلترا وصعد نجمها عندئذ فكروا في مصر كوطن يجب أن يكون مستقلا، مما اشعل ثورة 1919 ويعبر نجيب محفوظ عن هذه اللحظة بدقة في الثلاثية على لسان فهمي احمد عبدالجواد شقيق كمال الاكبر والذي سيصبح فيما بعد أحد شهداء ثورة 19حيث قال: 'غلب الالمان، من كان يتصور هذا، لا أمل بعد اليوم في أن يعود عباس أو محمد فريد، كذلك آمال الخلافة قد ضاعت، لا يزال نجم الانجليز في صعود ونجمنا في افول، فله الامر'·
التيار الليبرالي
واندفع التيار الليبرالي في الاتجاه المضاد، حيث شن رموزه هجوما حادا على الدولة العثمانية وما ارتكبته من مآس في حق مصر والمنطقة وانها سبب التخلف الذي مرت به المنطقة وان الاستعمار سهل عليه احتلال كل البلدان بسبب ذلك الضعف والتأخر ومن رموز هذا التيار عبدالرحمن الرافعي ود· حسين فوزي ود· لويس عوض ورغم ان الرافعي من الحزب الوطني، الجيل الذي تلا محمد فريد إلا انه اتخذ موقفا عدائيا من الدولة التي انهارت وكشف انهيارها ومساوئها وكوارثها ويقول الرافعي 'كان لنظام الحكم الذي رزحت تحته البلاد من عهد الفتح العثماني اسوأ الاثر في حالتها السياسية والعمرانية، فقد زال عنها الاستقلال الذي كان مصدر عزها وعظمتها، وصارت مسرحا للفتن والمشادة بين السلطات الثلاث التي تنازعت الحكم فيها، فحال ذلك دون قيام حكومة ثابتة مستقرة ترفع من شأن مصر وتقيم العدل وتحفظ الامن بين ربوعها، وتعني بمرافقها فلا غرو ان اقترن نظام الحكم بعد الفتح العثماني بتأخر البلاد وتقهقرها وتناقص عدد سكانها، ولو قارنت بين حالتها في ذلك العهد وحالتها من قبل حينما كانت مملكة مستقلة في عهد الدولة الفاطمية والايوبية والبحرية والبرجية لرأيت ان البلاد قد رجعت القهقري خطوات واسعة'·
وعند د· محمد عفيفي فإن الرافعي يقع هنا في تعميم شديد، اذ انه يتحدث عن النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وسحبه على كل تاريخ الدولة العثمانية في مصر والذي بدأ عام 1517 ويتشكك محمد عفيفي في ان مصر كانت منهارة تماما في النصف الثاني من القرن 18 تلك الفرية اطلقها بعض المستشرقين والمؤرخين الاوربيين لتبرير حملة نابليون على مصر والشام، واضفاء مسحة تنويرية عليها، ليكون جيش نابليون قد جاء الى مصر وهو يحمل رسالة حضارية وثقافية وانسانية تجاه شعب مقهور ومغلوب على امره، لقد أعلن نابليون ذلك في بيانه الاول الذي وجهه الى المصريين وعنده ان الرافعي يقع في خطأ اخر، فقد اعتبر العثمانيين غزاة ومحتلين لمصر، بينما اشاد بالدولة الفاطمية مثلا، في حين ان الفاطميين غزوا مصر من الغرب اي انهم لم يكونوا مصريين، غرباء وشيعة وكان اغلب اهل مصر سنة، وبقيت القاهرة في عهدهم مدينة ملكية اي لا يسمح لغير رجال الحكم بان يدخلوها، وبهذا المعنى كانوا دولة احتلال ايضا·· والواقع ان هذا العنصر ليس مدار الحكم، فإن احمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية لم يكن مصريا، ولم يكن احد من سلاطين دولة المماليك مصريا وكذلك فإن محمد علي ونجله ابراهيم باشا جاءا الى مصر من قولة ولكن مدار الحديث هنا ان مصر على عهد الدولة العثمانية كانت مجرد ولاية يأتيها الباشا من اسطانبول بينما كانت دولة مستقلة ذات سيادة في العهد المملوكي وفي عهد الفاطميين ايضا، لم تكن ولاية تابعة لدولة اخرى، وهذا هو الفرق الذي لم يوله د· عفيفي اهتماما يستحقه·
ويوجه د· عفيفي هجوما شديدا لكتاب د· حسين فوزي 'سندباد مصري' وحسين فوزي عنده كان اديبا وفنانا ولم يكن مؤرخا، وكان ينوي كتابة ملحمة عن مصر وليس عملا علميا، ولكنه قدم انتقادا قاسيا للحكم العثماني في مصر، وقد انتشر كلامه وتأثر به كثير من المثقفين والكتاب نظرا لمكانة د· حسين بينهم وقال السندباد 'لفهم الحكم العثماني يجب ادراك حقيقة اساسية وهي انه تدهور سريعا جدا في مصر بسبب نظام في الادارة هو الاختلال بعينه ولان الباشوات الولاة كانوا في غالبيتهم قليلي الخبرة، طماعين، ملوثين خلقيا، حتى من كان منهم على شيء من الخلق اضطرته طريقة تقديم الحساب بعد نهاية ولايته القصيرة، من عام الى عامين ولا حساب هناك يعتد به عندما تحمل ذمته بمبالغ ليست في الحسبان، ولم تدر في خلده·· لهذا استحال الباشوات وامراء المماليك، وجيش الاحتلال العثماني الى منسر من قطاع الطرق' وهذه صورة يراها عفيفي فنية وليست تاريخية، لذا لا يمكن محاسبتها تاريخيا، ويدعم هذه الرؤية ان حسين فوزي اعتبر مصر في تلك الفترة حمراء داكنة اشبه بجحيم دانتي، كان د· حسين فوزي يردد انه في بعثته العلمية بباريس بعد ثورة 19 عاش هناك بعقلية اوروبية وقلب مصري، وقد طعن بهذا التصريح على موقفه من الدولة، فقد كان موقفا عدائيا، تعمد مسخ فترة الحكم العثماني بمصر·
ويتوقف الباحث ايضا امام حالة د· لويس عوض الذي شن حملة ضارية على الحكم العثماني في كتابه 'تاريخ الفكر المصري الحديث' والذي اصدره بعد هزيمة يونيو 1967 ويقع في جزءين، والواقع انه اذا كان التيار الاسلامي رأى هزيمة يونيو 1967 نتيجة لابتعادنا عن الروح الاسلامية ومن ثم ضرورة رد الاعتبار للدولة العثمانية فقد ذهب د· لويس الى الموقف المضاد، وهو ان الهزيمة وقعت لاننا لم نستكمل بعد مشروع بناء الدولة الحديثة ولم نتخلص كلية من نتائج ومظاهر العصور الوسطى المظلمة كما تمثلت في الدولة العثمانية·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض