البرتقالة الحزينة، خلف بوابة الدموع، غريب، انكسار، الحلم والاطفال، ملحمة كنعان، نفق المستحيل، اغنيات الغربة، الخيل في المنفى، النبتة والإعصار، اغنيات لاطفال الحجارة، صلوات للقدس، والاحلام العابرة، كل هذه الأسماء ليست سوى عناوين للقصائد التي ضمها الديوان الجديد للشاعر الفلسطيني إبراهيم السعافين الذي يحمل عنوان 'أفق الخيول'·وهي قصائد كما تبوح عناوينها ممتلئة بالغربة والأحزان، ويستطيع القارىء قبل ان يتناولها بالتفصيل ان يدخل الى اجوائها عبر بابين· اولهما عناوين معظم القصائد والثاني كلمة كتبها الدكتور محمد عصفور·
لن تكون انطباعات القارىء بعد قراءة القصائد مختلفة كثيرا عما تقوله له العناوين وسيجد نفسه على الارجح متفقا في المبدأ مع ما قاله الدكتور عصفور، اي ان امتلاء الشاعر بمرارت الغربة والتشرد والهم الوطني والقومي يطل عنده بوجوه شتى من الالم والحزن·
الهم القومي
اما الاكاديمي والناقد الدكتور عصفور فقال في كلمته 'هذه المجموعة من القصائد مسكونة بالهم القومي بالدرجة الاولى، وهي في هذا شهادة على ان الحاح هذا الهم على الشاعر المعاصر اقوى من اي هم اخر· لقد جردتنا الاحداث التي رافقت النكبة الفلسطينية وما تلاها من القدرة على قول اي شيء اخر يتسم بالصدق والاصالة· وما اكثر ما يلجأ الشاعر في هذه المجموعة الى العبارات والصور الجارحة لانه شاعر مجروح يدمي قلبه اسى لما آل اليه حال الامة· ولكنه يرى ضوءا في اخر النفق· يرى ارادة ترفض ان تستسلم وذاكرة ترفض ان يصيبها الخدر ورمزه لها هو هذا الفتى الفلسطيني الصامد الذي يقف امام الدبابة ومعه حجر'·
زمن قصائد المجموعة كما يظهر في أواخر معظم قصائدها، يمتد من منتصف ستينات القرن المنصرم الى اواخر ثمانيناته وبعضها وهو قليل من نتاج التسعينات· صحيح ان القارىء قد يفتقد عند الشاعر في كثير من قصائده صوتا خاصا مميزا لكن 'الصوت' مع ذلك صوت جميل جمال اصوات نتاج كثير من شعراء معروفين·
وتعكس القصائد بحرارة وصور وايحاءات مؤثرة هموما عامة يشترك فيها الشاعر مع شعراء تلك المرحلة الزمنية وفي الانتماء الى الهم الفلسطيني الذي لم يعرف نهاية بعد ولم يعرف سوى حدين اثنين غدا الفلسطيني معلقا بينهما وهما الالم الكبير والامل الذي يطل معقولا مرة ويكاد يخبو مرارا كثيرة· ويبقى بين الاثنين امتداد دائم من الكفاح المرير· ويبقى الشاعر خلال هذا 'الامتداد' رافعا راية امل ·
همس البرتقال
المجموعة التي صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر اشتملت على 46 قصيدة غالبيتها العظمى متعددة الاوزان والقوافي وتوزعت على 155 صفحة متوسطة القطع·
قصيدة 'البرتقالة الحزينة' حملت بعد عنوانها سطرا جاء فيه 'على الحدود وقف يصغي الى همس برتقالة في بيارته'· اجواء تذكر بقصيدة شهيرة للشاعرة الفلسطينية الراحلة فدوى طوقان عنوانها 'نداء الارض'·
يقول السعافين:
وقفت اسائل الاطيار
عن اشجار بستاني
لتنزف من جريح القلب
اطيافا من الحسرة
فألقى في حدود الوهم
احلاما تعذبني
وأدفن في رحاب الارض في اعماقها
النظرة·
وتنتهي القصيدة بقوله:
وتهوي من عيون البرتقال
مدامع الغربة
ويزأر في غلاف الصمت
اعصار من الحقد
يمزق نسمة الاحباب في البيارة
الظمأى
فتهرب من دمي النجوى
وتهدأ في عيون البرتقال
كوامن الاسرار
ويهمي الحزن والامطار·
وفي قصيدة 'احلام البنفسج' يقول :
تحدثت الريح عن راحلين الى الحلم
كانوا هنا
ومروا الى الشيح عبر الضريح
وكانت سقوف المنازل ثلجا
وكانت عيون الكوانين افق الخيام
وكان التتار السهارى يغنون
للفاتح المستبيح ···
توقف ايا زمن الراحلين
فان الشموس محاصرة
بالبنادق
وان رياح الصقيع تغير
على الحلم من كل فج
وتقتل ابهى الزنابق
توقف ايا زمن الراحلين
فاخشى عليك الزمان المنافق·
وفي قصيدة 'انطلاقة الحديد' التي كتبت عام 1995 يقول:
ايها الخارجون على منطق العصر
الربح والخسر
هذي فلسطين تخرج من اسرها
في الحديد
وهذي فلسطين تبدأ قصتها
وتعيد
واما فلسطين امي التي اعتقت في الظلام
فعليها السلام
وعلى كل عشاقها الحالمين
السلام·
معظم قصائد المجموعة قصائد من الشعر الحديث المتعدد الاوزان والقوافي لكن الشاعر في بعض القصائد الحافلة بالغنائي والغنائي المحزن في شكل خاص يعود الى القصيدة العمودية·
في قصيدة 'اغنيات الغربة' يقول السعافين في جو رومانسي لكن معانيه وصوره اكثر قربا الى التقليدي:
يا ليل قد ضيعت دربي وملأت بالاحزان قلبي
الضوء مشنوق الشعاع كأنه من بعض حبي
اعوام بؤس عشتها امضي الى اشلاء دربي
يا ليل رفقا بالشريد فكم سعى في كل شعب·