19 سبتمبر 2009 00:00
عبرت روسيا عن موافقة حذرة على قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما الخاص بمراجعة سياسات بلاده الدفاعية الخاصة ببناء الدرع الصاروخية في شرقي أوروبا. بيد أن مشاعر وردود أفعال مزدوجة إزاء ذلك القرار سادت في كل من بولندا وجمهورية التشيك حيث تنفس البعض الصعداء وأبدوا ارتياحهم للقرار، بينما عبر آخرون عن غضبهم لإلغاء بناء مشروع الدرع الصاروخية في البلدين، ما يعني خسارتهما لمكاسب كانت تحملها الدرع لهما، رغم ما تثيره من خلاف وجدل سياسيين.
وبالنسبة للكرملين الذي شجب الخطة الأولى الخاصة ببناء الدرع، واصفاً إياها بأنها تمثل تهديداً لأمن روسيا الوطني، أعلن ترحيبه بقرار إدارة أوباما بإلغاء المشروع، بينما قال إنه في انتظار مزيد من التفاصيل حول القرار الجديد. وقال الرئيس الروسي ميدفيديف إن القرار يسهم في خلق مناخ سياسي ملائم للتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية في عدد من المسائل الدفاعية، وأطرى ما وصفه بسلوك أوباما المسؤول. واستطرد ميدفيديف في القول: من الطبيعي أن نجري استشارات مكثفة مع الخبراء الدفاعيين، ومن حسن الحظ أن بلادنا مستعدة لهذه الاستشارات. ومما لا شك فيه أننا سنعمل معاً من أجل تطوير إجراءات وتدابير احترازية ضد أي احتمال للانتشار الصاروخي، على أن تأخذ هذه التدابير في اعتبارها هواجس كافة الأطراف، وتحقق المساواة الأمنية لكافة الدول الأوروبية. غير أن اللواء فلاديمير دفوركين -رئيس معهد الأبحاث العسكرية سابقاً- حذر من أن المراجعة التي أجرتها واشنطن لنظامها الدفاعي في أوروبا الشرقية، ربما لا تزال تمثل مهدداً أمنياً لروسيا: «كل شيء يعتمد على حجم النظام الدفاعي الأميركي في نهاية الأمر. وفيما لو كان هذا النظام يتألف من منشآت عسكرية كثيرة -بما فيها القدرات الفضائية- فمن شأن ذلك أن يهدد قدرات موسكو الخاصة بالردع النووي». ولكن مسؤولين روس آخرين قالوا بأن بناء درع صاروخية بديلة صغيرة الحجم تقام في مستوى ومدى الاعتراضات البحرية البطيئة، لن يمثل أي تهديد أمني لبلادهم. ويجب القول إن إدارة أوباما تخطط كذلك لبناء نسخ أكثر تطوراً من هذه الصواريخ -ينصب بعضها في البر وليس في البحر- إضافة إلى نصب نظم رادار فائقة الكفاءة على طراز تلك التي كان مقترحاً نصبها في جمهورية التشيك، وفقاً لخطة إدارة الرئيس بوش التي تمت مراجعتها مؤخراً. وربما يتم نصب نظم الرادار الجديدة هذه في منطقة جبال القوقاز. وهذا ما دعا بعض الجنرالات والمسؤولين العسكريين الروس للتعبير عن قلقهم إزاء هذه الخطوة. وتزداد هذه الهواجس الأمنية اعتماداً على المكان الذي ستنشر فيه الصواريخ ونظم الرادار المقترحة، ومدى قدراتها العسكرية.غير أن ردة الفعل المباشرة في أوساط الساسة الروس هي إبداء الشعور الكبير بالارتياح لقرار إدارة أوباما. ووصف بعض المشرعين الروس تراجع واشنطن عن بناء الدرع الصاروخية بأنه انتصار لمعارضة الكرملين القوية لذلك المشروع، إلى جانب كونه مؤشراً على التزام أوباما وحرصه على تعزيز علاقات بلاده بموسكو. تعليقاً على ذلك قال ميخائيل مارجليوف، رئيس لجنة الشؤون الخارجية التابعة للبرلمان الروسي: «نحن نرى في هذا القرار مؤشراً إيجابياً صادرا عن الإدارة الجديدة في واشنطن. فمن الواضح الآن أن النهج العملي البراجماتي بدأ يسود سياسات واشنطن الخارجية على حساب النهج الأيديولوجي الذي تبنته الإدارة السابقة». وقال زميله كونستاتين كوساكيوف في مجلس النواب إن صدور قرار أوباما الأخير جاء تأكيداً على أن روسيا كانت محقة طوال الفترة السابقة في تمسكها بأن واشنطن قد هولت من شأن خطر البرنامج الصاروخي الإيراني، حتى يتسنى لها تسويق خطة بناء الدرع الصاروخية وتطبيقها عملياً. فها هم الأميركيون وقد اتفقوا معنا على ذلك الرأي في نهاية الأمر. إلى ذلك قال مسؤولون روس إن واشنطن لم تبرم معهم أي صفقة مقابل تخليها عن خطة بناء الدرع الصاروخية. وأبدى هؤلاء مخاوف من أن تشعر واشنطن بخيبة الأمل فيما لو لم توافق موسكو وتعمل جنباً إلى جنب واشنطن في ممارسة مزيد من الضغوط على طهران. ذلك أن ما فعله الأميركيون هو تصحيح خطئهم لا أكثر. هكذا كان تعليق ديمتري روزجن، سفير روسيا لدى حلف «الناتو». وأضاف قائلاً: نحن لسنا مدينون لأحد مقابل تصحيح أخطائه. ولكن جاءت ردود المسؤولين البولنديين معبرة عن الشعور بخيبة الأمل بسبب تراجع واشنطن عن بناء الدرع الصاروخية. ذلك أن الاتفاق السابق بين واشنطن وبولندا كان يقضي بنشر 10 من نظم الاعتراض الصاروخي فائقة السرعة، إضافة إلى تنفيذ خطط ترمي إلى نشر مجموعة من صواريخ باترويت أرض-جو في بولندا رغم معارضة موسكو لتلك الخطة. ووصف رئيس الوزراء البولندي دونالد تسك قرار واشنطن الأخير بأنه يمثل هزيمة لبولندا لأن بناء الدرع الصاروخية كان ممكناً له أن يعزز الأمن الأوروبي عموماً والبولندي على وجه الخصوص. يذكر أن نظيره رئيس الوزراء التشيكي السابق ميرك توبولانك -الذي كانت قد انهارت حكومته بسبب المعارضة الشعبية القوية لمشروع نصب نظم الرادار الأميركية في أراضي بلادهم- وصف هو الآخر قرار أوباما الأخير بأنه أسوأ خبر سمعه خلال الأسابيع الماضية.
فيليب بي. بان: هيلسنكي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»