القاهرة – أحمد القاضي
أصبح «الفانوس» أحد طقوس وأيقونات شهر رمضان ومن أهم وأشهر رموز الشهر الكريم، وهو جزء لا يتجزأ من زينة ومظاهر الاحتفال بالشهر الفضيل، ارتبط به، يحبه الأطفال والكبار، تطور مع الزمن، وتعددت أشكاله وأنواعه والخامات التي تتم صناعته منها.
أصل الحكاية
تختلف القصص حول بداية اعتبار الفانوس رمزًا لقدوم شهر رمضان، إلا أن الجميع اتفق أن تاريخه يعود إلى مصر الفاطمية، فالرواية الأولى تشير إلى خليفة فاطمي كان يحب استطلاع رؤية هلال رمضان بنفسه، فيخرج ويتبعه الأطفال يحملون الفوانيس الصغيرة لإضاءة الطريق له.
وقصة ثانية تشير إلى أن أحد الخلفاء الفاطميين رغب في إنارة الطرقات خلال شهر رمضان، فأمر شيوخ المساجد بتعليق فوانيس تضيء ليلًا بالشموع، ومنذ هذا الوقت توارثت الأجيال إنارة الشوارع ليلًا بالفوانيس.
أما الرواية الثالثة، فتتعلق بالنساء، وفي العصر الفاطمي أيضًا، حين كن ممنوعات من السير في الشوارع بحرية إلا في شهر رمضان، يسبقهن طفل يحمل فانوسًا في يديه لينبه المارة إلى وجود سيدة تمر من هنا.
من الشموع إلى الكهرباء
وكنتيجة منطقية لبداية الفانوس من منطقة القاهرة الفاطمية، تتمركز عمليات البيع فيما تعرف بـ «مصر القديمة» في مناطق الغورية، وشارع المعز لدين الله الفاطمية، ومنطقة الأزهر القديمة وحول مسجد الحسين بالقاهرة، وما يحيط بها من مناطق مثل منطقة باب الشعرية.
ومثل جميع مظاهر رمضان خضع الفانوس منذ الدولة الفاطمية إلى العصر الحديث لمظاهر التطور، قديمًا أضاءه المصريون بالشموع والنيران، ثم تطورت لتصبح بالكهرباء في العصر الحديث، وفي كل عام يخرج اسم جديد للفانوس، ففي فترة سابقة كانت تباع الفوانيس على شكل ضباط، ومنذ عام تقريباً انتشر فانوس «محمد صلاح» ليغزو الأسواق، ويسيطر عليها فهو معشوق المصريين وفخر العرب.
في مناطق البيع الشهيرة يقف الفانوس التاريخي بأشكاله المعتادة، ومنها النجمة، والشكل الخماسي، أو السداسي التقليدي، وبجميع الأحجام، وبجانبهم يقف فانوس يحمل صورة اللاعب المصري «محمد صلاح»، بعد اكتسابه شهرة عربية وعالمية، فيفضله الأطفال والكبار على الفانوس التقليدي.
الطابع المصري الأصيل
«بركة الفيل» هي أحد أحياء منطقة السيدة زينب بالعاصمة المصرية القاهرة، هناك يتناثر القليل من الورش التي مازالت تمسك بتلابيب الماضي، وتأبى أن تنفصل عنه، هناك حيث تصنع فوانيس رمضان ذات الطابع المصري الأصيل.
وفي مهنة يتوارثها الأبناء عن الآباء في تلك الورش القديمة، وفي إحداها يعمل إبراهيم حسين ذو الثانية والعشرين عامًا، يعرف نفسه كحفيد لأحد أقدم صانعي الفوانيس بالقاهرة، ففي ورشة الجد الأكبر صنع فانوس الملك فاروق، وخرج منها الفانوس الذي احتفل به المصريون بالنصر في حرب أكتوبر 1973.
يفخر «حسين» بانتمائه لمعقل صناعة الفوانيس يقول لـ «الاتحاد»: «لم يعد هناك الكثير من الورش بمنطقة بركة الفيل، للأسف لم يتبق منها إلا خمس فقط، وكل ورشة تتخصص في إنتاج نوع وشكل معين من الفوانيس كل عام».
ويؤكد «حسين» أن جودة الفوانيس المصنوعة في منطقته لا يختلف عليها محبو التراث، وتصدر للخارج، لبعض البلدان العربية وفي مقدمتها الملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، فضلًا عن بعض الدول الأوربية.
«الصين لا تصنع الفوانيس، إنها مجرد ألعاب أطفال».. بتلك الكلمات عبر«حسين»عن رفضه للفوانيس المستورة من الصين، ويعتبرها مجرد ألعاب للأطفال لا أصل لها ولا تاريخ، ولا تعدو كونها قطعاً بلاستيكية ملونة.
يقول «حسين»:«نحن أصل صناعة الفوانيس، ولكننا نسينا تاريخنا ونعتمد على تعديل بعض ألعاب الأطفال الواردة من الصين، ونجعلها تغني أغاني تراثية، ليقتنع الأطفال بأنها فانوس رمضان، ولكنها ليست كذلك».
وينتقل حفيد صانعي الفانوس للحديث عن المراحل التي يمر بها الفانوس حتى يخرج من ورشته إلى الأسواق: «نبدأ بالعمل لموسم رمضان عقب الانتهاء من الشهر الكريم في كل عام، ويستمر العمل حتى رمضان الذي يليه، ثم نرتاح طوال شهر رمضان نفسه، أي أننا نعمل لمدة أحد عشر شهرًا بالعام».
تقوم المرحلة الأولى على قص الزجاج والصفيح، ويتم توفير المواد الخام من الأسواق المحلية، ثم تليها مرحلة الطلاء، لينتقل بعد ذلك الفانوس إلى مرحلتي اللحام والكبس، وأخيرًا «السندقة».
«النجمة» في المقدمة
وفي كل عام يكون هناك نوع معين من الفوانيس يكثر عليه الطلب، وفي هذا العام اختار «حسين» لورشته نموذج فانوس «النجمة» الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 100 عام، ولا يتسنى لأي شخص صناعته إلا إذا كان خبيرًا، ورث المهنة عن أجداده.
وأحيانًا يكثر الطلب على بعض أنواع الفوانيس التي يسميها «حسين» من أشهر الأنواع، فانوس البرلمان المصري، ويشبه ذلك الفانوس الذي كان معلقًا داخل أول برلمان في مصر، وكذلك فانوس الأمير فاروق، الذي صنع احتفالًا بيوم مولده، وأيضًا فانوس الملك عبدالعزيز مؤسس المملكة العربية السعودية».
ومنذ اليوم الأول الذي صنع فيه الفانوس في شوارع مصر القديمة، وحتى الآن لا يزال رمزًا لا يتغير لقدوم شهر رمضان، فعندما تضيء شموع الفانوس في نفس الوقت من كل عام، تنطلق أجهزة الراديو العتيقة لتشدو «مرحب شهر الصوم.. لياليك عادت في أمان».