16 سبتمبر 2009 22:56
أختلف المؤرخون في تحديد تاريخ دقيق لبدء وصول المسلمين إلى أميركا، فمنهم من يرجع ذلك إلى بدء اكتشاف القارة الأميركية على يد كريستوفر كولومبوس، ومنهم من يعود بتلك البداية إلى ما قبل اكتشاف كولومبوس للعالم الجديد.
ويقول الدكتور عبدالرزاق الزهراني، في كتابه «المسلمون في الولايات المتحدة الأميركية»، إن هناك من يرى أن المسلمين وصلوا إلى أميركا قبل أن يكتشفها كولومبوس بعدة قرون. ويستدلون على ذلك بعدد من المؤشرات منها أن سبعة من الشبان أطلق عليهم المغامرون السبعة، غادروا أسبانيا غرباً عندما كان المسلمون يحكمونها، ولم يعودوا، وسمي أحد شوارع لشبونة عاصمة البرتغال باسمهم. ويشير هؤلاء إلى ما تذكره بعض كتب التاريخ، أن وفداً ذكر لأحد الملوك المسلمين على الساحل الغربي لأفريقيا أن هناك في الجانب الغربي من الأطلسي، مناطق غنية بثرواتها الطبيعية، وبجمال طبيعتها، فما كان من ذلك الملك إلا أن جهز أسطولاً كبيراً وقاده بنفسه واتجه غربا مع عدد كبير من الناس، ويقال أنه وصل إلى أميركا الوسطى، وكون مملكة هناك من ذوي البشرة الغامقة، وعندما وصل كولومبوس إلى هناك واكتشف أن هناك سكاناً محليين يتحدثون العربية قام بالقضاء عليهم، حتى لا يقال إنَّ هناك من سبقه لاكتشاف أميركا. ويرى القسم الثاني من المؤرخين أن الإسلام وصل إلى أميركا في مراحل مبكرة جداً، أعقبت اكتشافها من قبل كولومبس في عام 1495 بفترة وجيزة، ومن المحتمل أن بعض المسلمين وصلوا إلى أميركا على السفن والبواخر التي أقلت (كولومبس) ومن معه، ولكنهم كانوا يخفون إسلامهم خوفاً من القتل والتعذيب. وبالرغم من هذه الجذور التاريخية البعيدة للإسلام في أميركا فإنَّ الأصول الحقيقية لمسلمي أميركا تعود - كما يؤكد علي بن المنتصر الكتاني في كتابه «المسلمون في أوروبا وأميركا» - إلى الأفارقة الذين تم استعبادهم واقتيدوا إلى العالم الجديد، وكان أغلبهم من المسلمين الذين حملوا الإسلام إلى أميركا بصورة جماعية عندما أخذوا عنوة إليها، وفي الغالب ما لا يقل عن خمسة المستعبدين الذين أخذوا إلى أميركا قبل الحرب الأهلية كانوا من المسلمين. وتدريجيا بدأ المسلمون السود - كما يشير كل من الكتاني والزهراني في مؤلفيهما السابقين - في أميركا يشكلون أكبر المجموعات الإسلامية هناك، والغالبية العظمى منهم من أحفاد الذين جيء بهم إلى أميركا كرقيق، فالذين هاجروا من إفريقيا في القرن العشرين بإرادتهم من المسلمين يبلغ عددهم 260 ألف نسمة، أما أحفاد من أخذوا إلى هناك قبل الحرب الأهلية فيبلغ عددهم ما بين اثنين إلى ثلاثة ملايين نسمة. وتوافدت الهجرات الإسلامية على أميركا مع بداية القرن العشرين حيث نزح في السنوات الأولى من القرن العشرين إلى القارة الأميركية عدد كبير من مسلمي شبه القارة الهندية، ومن جزر الهند الشرقية، وفي سنة 1906 هاجرت من البنجاب مجموعة من مسلمي الهند استوطنوا ولاية كاليفورنيا، كما هاجرت إلى هذه الولاية جاليات عربية. وتسبب انهيار الإمبراطورية العثمانية في هجرة أعداد كبيرة من التتار والألبان والبوسنيين، كما بدأ الأتراك يستغلون الفرص الاقتصادية المتاحة لهم في الولايات المتحدة الأميركية، مثلما فعل مسلمو إفريقيا وإندونيسيا وماليزيا ومن جميع الدول الإسلامية وغير الإسلامية. وتختلف التقديرات الحالية لتعداد المسلمين في أميركا، وتتباين كثيراً من شخص لآخر كون الحكومة الأميركية لا تقوم بتعداد المواطنين على أساس الدين، وبالتالي لا يوجد إحصاء رسمي للمسلمين في أميركا. وبينما تتراوح تقديرات المراكز والمؤسسات الإسلامية في أميركا، ومنها مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية، «كير» من 5 إلى 7 ملايين نجد أن التقارير الإحصائية التي تصدر عن المراكز البحثية الأميركية تقدر عدد المسلمين بثلاثة ملايين نسمة، مشيرة إلى أن المسلمين السود يشكلون ثلثي المجموعة الإسلامية، بينما يمثل المسلمون المهاجرون الثلث الآخر، ويقدر عدد العرب المسلمين في الولايات المتحدة بـ 620ألف نسمة. ورغم الفروق بين المسلمين والتي سببها اختلاف موطن الأصل، فإنهم قاموا بمحاولات جادة للجمع بين الجماعات الإسلامية المعزولة عن بعضها في بناء تنظيمي، وكان ذلك واضحاً في المراكز الحضرية الكبيرة مثل (ديترويت، ونيويورك، وبتسبرج، وكليفلاند، وبوسطن)، حيث أقام الرواد الأوائل أول مسجد في الولايات المتحدة عام 1911، وهـو مسجد روس في ولاية نورث داكوتا والذي هدم عام 1979 . ويعد الاتحاد الإسلامي العالمي أقدم المنظمات الإسلامية في أميركا، ومن الجمعيات الرائدة (الجمعية الخيرية الأميركية للمسلمين الأفارقة) التي أنشئت عام 1927، ومن المنظمات اتحاد المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة وكندا واتحاد الطلبة المسلمين والاتحاد الإسلامي في أميركا الشمالية، بالإضافة إلى المركز الإسلامي في واشنطن والذي تم وضع حجر الأساس لإنشائه في عام 1949 وساهمت فيه معظم الحكومات الإسلامية وافتتحه الرئيس السابق ايزنهاور في سنة 1957 ويعتبر من معالم مدينة واشنطن. ومن المراكز الإسلامية الكبيرة مركز نيويورك والذي تم إنشاؤه في الستينيات، ويضم مسجدا يتسع لأكثر من ألف مصل ومكتبة وقاعة محاضرات ويصل ارتفاع مئذنته إلى أكثر من ثلاثة وستين متراً، والمركز الإسلامي في ديترويت، والمركز الإسلامي في لوس أنجلوس، وغيرهما من المراكز التي تنتشر عبر أميركا، والتي أنشئ معظمها خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات الميلادية. ومن المنظمات التي أسست في العقد الأخير من القرن العشرين «المجلس الإسلامي الأميركي» وهو منظمة خيرية تم تأسيسها في عام 1990، و»مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية- كير» الذي تم تأسيسه عام 1994 م ويعد من أكبر منظمات الحقوق المسلمة الأميركية، وله 31 مكتباً وفرعاً إقليمياً، ويهدف إلى زيادة فهم المجتمع الأميركي للإسلام، وتشجيع الحوار، وحماية الحريات المدنية، وتقوية المسلمين الأميركيين ومكافحة كل ألوان التمييز ضدهم. ويواجه المسلمون في الولايات المتحدة الأميركية مشكلات متنوعة منها - كما تذكر تقارير حقوق الأقليات الصادرة عن كير وغيرها من المؤسسات الخاصة بالمسلمين في أميركا - توفير اللحم الحلال، وإشكالية المساجد وإنشائها وكيفية توفير أئمة ووعاظ لها، بالإضافة إلى ظاهرة الإسلام وفوبيا خاصة في الفترة التي أعقبت أحدث 11 سبتمبر، بسبب ما نتج عنها من آثار خطيرة منها تزايد حالات الاعتداء على الأقليات الإسلامية في المجتمع الأميركي، وترسيخ الصورة السلبية عن الإسلام والمسلمين في أذهان الأميركيين، وتهديد حقوق المسلمين في الولايات المتحدة. وتعد مشكلات المرأة والأسرة الأميركية المسلمة مثل أدوار وهوية المرأة المسلمة وقضايا الزواج والطلاق خاصة زواج المسلم من غير المسلمة وما ينتج عنه من مشكلات على الجانبين، وإشكالية الأجيال الجديدة من الأطفال والشباب وحياة المسلم في المجتمع الأميركي في ظل تصارع الرؤى المتباينة لفهم الدين نتيجة اختلاف القيم والعادات
المصدر: القاهرة