القاهرة (الاتحاد)
أكرم الله البشرية، بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أخرجها من الظلمات إلى النور، ومن الذل إلى العز والكرامة، ومن الجهل إلى العلم، أبطل عادات الوثنية، وقضى على معالم الشرك، من ظلم وجور، واستعباد وتكبر، إلى عدل ومساواة، وتواضع وتسامح، أنقذ الله به الناس من النار، إلى الجنة دار القرار.
والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومعرفة شمائله، ترشد المسلم إلى مكارم الأخلاق، وتعينه على اكتسابها، هو القدوة التي ترجمت المنهج الإسلامي وأخلاقه إلى حقيقة وواقع، فكان يغرس في أصحابه الأخلاق الطيبة بفعله وسلوكه مع قوله، ولما سُئِلَت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن أخلاقه قالت: «كان خُلُقُهُ القُرآن»، فجميع ما في القرآن من أخلاق وآداب وفضائل ومكارم، متمثلة في شخصيته وحياته، تأدب بآدابه، وتخلق بأخلاقه، صورة حية لأخلاق وتعاليم الإسلام السامية، أفضل معلم وأعظم قدوة في تاريخ البشرية كلها، أمرنا ربنا سبحانه بطاعته واتباعه والاقتداء به، قال تعالى: (... وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا...)، «سورة الحشر: الآية 7»، وقال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً)، «سورة الأحزاب: الآية 21».
قال ابن كثير: هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله ولهذا أمر الناس بالتأسي به، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه، والذي يقرأ السيرة النبوية، يرى أن النبي كان القدوة الحسنة الطيبة في كل أقواله وأفعاله، شارك أصحابه في حفر الخندق، والضرب بالفأس، وحمل التراب، وتحمل آلام الجوع والسهر.
وإن كان نزول الآية في غزوة الأحزاب، إلا أن المقصود بها وجوب الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في جميع أقواله وأفعاله، لقد كان لكم أيها الناس قدوة حسنة في نبيكم، وهذه القدوة كائنة وثابتة للمؤمنين حق الإيمان، الذين يرجون ثواب الله، ويؤملون رحمته يوم القيامة، هم المنتفعون بالتأسي برسولهم صلى الله عليه وسلم.