28 مارس 2011 20:38
تعتبر القطة الشامية الحيوان الأليف المحبب للصغار والكبار في الأسرة السورية عموماً. وعلى عكس ما يشاع عن شراسة القطط وغدرها، فإن القطة الشامية البلدية، تثبت رقتها وصداقتها للإنسان، وعدم إيذائها له، يقول أبوسعيد الببيلي (75 سنة) إنه من المستحيل أن تعض تلك القطة أو تخدش أحدا بأظافرها، ونظراً لرقتها ونعومتها، فإنها تحظى بالرعاية والاهتمام من قبل الأسر السورية عموماً والدمشقية خصوصاً.
إذا كان من النادر أن يخلو بيت دمشقي قديم من قط أو قطة، فإن الشقق الدمشقية الحديثة تضم في كثير منها قطة مدللة أو قطا مميزا، ينال أي منهما من الرعاية والاهتمام ما يناله أي فرد من أفراد الأسرة. وهناك من يولعون إلى حد الهوس بتربية القطط، كالسيدة الستينية التي تعيش في منطقة باب شرقي بدمشق، والتي حولت بيتها إلى ملجأ لثلاثين قطة تطعمها وتعتني بها وتعتبرها أسرتها.
مخلوقات رقيقة
يروي أبو فهد النجّار المقيم في برزة البلد أنه يجلب قطع اللحم الصغيرة إلى دكانه في شارع بغداد بدمشق صباحاً ليطعم القطط الموجودة في البناء والبنايات المجاورة، وأنه حين يحضر صباحاً إلى عمله يجد القطط، وقد تجمعت أمام مدخل الدكان بانتظاره، ويقول “في أكثر من مرة كنت أفتقد قطة ما، وحين أبحث عنها أجدها في حالة ولادة، ولا تستطيع أن تترك مواليدها، فأقدم لها طعامها، وأقوم برعايتها مع قططها الصغيرة”. ويعتقد أن سر رزقه يأتي من إكرامه للقطط ورعايته لها، مضيفا أن القطط مخلوقات رقيقة ولطيفة ورشيقة، رغم ما يقوله البعض عن شراستها، فهي لا تصبح كذلك، إلا عندما تتعرض للأذى أو توضع في مأزق.
أما السيدة المعروفة في حي باب شرقي باسم “ميلانو”، فهي تملك داراً من خمس غرف، تؤجر أربعاً منها، وتعيش في الخامسة مع أكثر من ثلاثين قطة، تقدم لها جميعاً الطعام والرعاية، وتطلق على كل واحدة منها اسماً محبباً. ولكونها وحيدة، فهي تعتبر هذه القطط أسرتها، فتلاعبها وتلاطفها، وتتلقى منها حناناً على طريقة القطط كما تقول.
يقول التاجر أبو خالد الذي يقيم تجارته في دمشق إنه عندما يعود إلى بلدته جيرود كل يوم خميس، فإن قطته تكون في انتظاره عند أول الشارع، فتقفز باتجاهه حين يطل، وترافقه سعيدة فرحة حتى يدخل المنزل.
وتتوزع القطط في البيوت الشامية العتيقة، لاسيما في المدينة القديمة وأحياء دمشق العريقة، وغالبيتها من القطط البلدية الشامية التي تمتاز بجمال الوجه وانسجام الجسم وصفاء العينين ونعومة الشعر، ولها ألوان عديدة، فمنها الأبيض الناصع، والعسلي الموشح بالأبيض والأسود، ومنها الرمادي الموشح بالأبيض، ومنها الأسود الموشح بالأبيض. ويحصل الدمشقيون على قططهم بالمجان، أو من جيرانهم، وليس من عادة الدمشقيين شراء قطة، لكن منازل بعض الأثرياء باتت تضم أنواعاً مستوردة ونادرة من القطط، كنوع الشيرازي أو السيامي أو هيمالايا، وقد يصل سعر القطة من هذه الأنواع إلى ما يزيد على سبعمائة دولار أميركي. ويصل الولع بالقطة داخل البيت إلى حد تزيينها بقلادة في عنقها، وتخصيصها بمكان مريح ومرفّه لنومها، وإلى إحاطتها بالكثير من مظاهر الدلال.
شروط الاقتناء
القطة الشامية البلدية لا يحتاج اقتناؤها إلى أي تدابير أو احتياطات، لاسيما إذا أخذت من مواليد قطة الجيران، أما طعامها فهو من طعام أهل البيت الذي تربى فيه، وبالتالي، فإنه ليس لتربية القطة أي تكلفة إضافية، أما القطط غير البلدية والنادرة، فإن تربيتها مكلفة مادياً.
إلى ذلك، يقول سمير أحمد، وهو مهندس، إنه اقتنى قطة من نوع “بريتش شورت هير” من أحد المحال بسعر ثلاثمائة دولار، وفرح بها أطفاله كثيراً، لكن كلفة طعامها الشهري تصل إلى حدود خمسة آلاف ليرة سورية، فهي تحتاج إلى علبتي طعام خاص يومياً، وإلى علبتين من رقائق الذرة شهرياً.
وتحتاج تربية القطط إلى عناية طبية خاصة لضمان سلامتها، وسلامة أفراد الأسرة التي تقتنيها، فهناك أمراض تنتقل من الحيوان الأليف إلى الإنسان، وهناك أمراض تتسبب بها القطط لمربيها. كذلك لا بد من معاينة القطة وفحصها دورياً، وإعطائها اللقاحات المناسبة ضد أمراضها الشائعة، كي نحميها ونحمي المخالطين لها، فالقطة قد تتسبب بأمراض كأكياس الماء التي تؤدي إلى إجهاض الحوامل، أو العقم عند الرجال، إضافة إلى العناية بنظافتها، وإخضاعها لحمام أسبوعي بشامبو خاص.
ويشدد الطبيب البيطري نجيب ميماس على ضرورة الفحص الطبي للقطة قبل اقتنائها لأن عدداً من الأمراض الجلدية والعينية تنتقل من الحيوان للإنسان، وأصبح من الشائع وجود عيادات بيطرية في دمشق والمحافظات السورية تختص برعاية ومعالجة الحيوانات المنزلية، وينظم بعض هذه العيادات مواعيد دورية لزيارتها للعيادة. وكانت كلية الطب البيطري في جامعة حماة، وسط سوريا، أسست وحدة خاصة عام 2006 لدراسة الحيوانات الأليفة الصغيرة والاهتمام بها، وتقديم المعالجة لها.
تعويض عن نقص
يقول الشاب علاء عبد الرحيم إنه يقتني عدداً من القطط وهو مفتون بها، وتبلغ سعادته قمتها عندما يعود إلى بيته فتهرع جميعاً نحوه بمحبة، ويؤكد أن لا خطر على الإنسان من تربية القطط إذا ما عرف المعلومات الصحية العامة وكيفية العناية صحياً بها، ويصل حب رشا اللولو لقطتها إلى حد أنها سترفض أي خطيب يتقدم لها إذا رفض وجود القطة “ميمي”.
ويسأل المرشد الاجتماعي عبد الهادي مطر عن سر تعلق بعض الناس بتربية القطط وغيرها من الحيوانات الأليفة، ويقول “ربما كان ذلك تعويضاً عن نقص ما، أو بحثاً عن حنان مفقود، أو ربما يكون نابعاً من شعور بالوحدة”. أما الدكتورة إيمان عيسى، فترى أن من الطبيعي أن يميل الفرد إلى تربية الحيوان الأليف والتآلف معه، وهذه حالة صحية تنمّ عن نفسية رحيمة، وإن كان البعض يجد نفسه مدفوعاً إلى ذلك، لأسباب تتعلق بعلاقاته مع الآخرين أو ميله للعزلة، أو رغبته في التقليد، وفي جميع الحالات، فإن رعاية الإنسان للحيوان الأليف تعبر عن عاطفة سامية”.
المصدر: دمشق