23 مارس 2012
بيروت (رويترز) - أصيب الاقتصاد السوري بالشلل بوجه عام بسبب الاضطرابات والعنف، إلا أن الانتفاضة الشعبية خلقت فرص عمل للبعض. من هؤلاء على سبيل المثال، مقاول البناء أحمد الذي طلب آلا ينشر سوى اسمه الأول فقط خوفاً من الاعتقال. فهو يستغل انشغال السلطات بمهمتها الأكثر إلحاحاً وهي سحق الانتفاضة، ليبني بعض البيوت الصغيرة دون ترخيص. وقال أحمد (48 عاماً) في منزله بحلب المدينة التجارية الكبيرة شمال البلاد والتي يقطنها 2.5 مليون نسمة، “نعم .. أنا أستغل الثورة. الحكومة مشغولة”. وأضاف “كنت أقوم ببعض أعمال البناء غير المرخصة سراً من قبل، لكن الآن أكاد أكون أقوم بذلك في العلن”.
ويقول السوريون إن المقاولين الانتهازيين والمرابين والمستوردين بالسوق السوداء، تكسبوا من الانتفاضة. ويؤكد سكان المدن إن شركات الأمن التي تبيع كاميرات المراقبة وأبواب الصلب للسوريين الخائفين الذين يريدون حماية منازلهم، ازدهرت أعمالها بصورة كبيرة كذلك بسبب الأحداث. وقال جهاد اليازجي رئيس تحرير نشرة “تقرير سوريا” الاقتصادية التي تصدر بالإنجليزية، إنه في الأيام الأولى للانتفاضة توقع السوريون قفزة في التضخم .. وقد هبطت الليرة السورية إلى النصف تقريباً أمام الدولار منذ بداية الاضطرابات. ولذلك أقبلوا على شراء العقارات أو البناء على أراض يملكونها كنوع من الاستثمار. وقد نجحت هذه الاستراتيجية فيما يبدو، إذ ظلت أسعار المنازل مرتفعة نسبياً في المناطق التي لا يوجد بها قتال. وقال اليازجي لـ”رويترز” في اتصال هاتفي من دمشق “شهدنا عمليات بناء كثيرة دون تراخيص في الأشهر الأولى من الثورة، ليس فقط بسبب خوف الناس من التضخم، بل لأن الكثيرين كان لديهم خطط للبناء لكن لم يحصلوا على التراخيص”. وذكر أن السلطات منذ ذلك الحين، شنت حملة على أنشطة البناء دون ترخيص في العاصمة، في حين ارتفعت أسعار الإسمنت والحديد بحدة ما رفع تكلفة البناء.
إلا أن طفرة البناء ما زالت مستمرة في أجزاء أخرى من سوريا على ما يبدو. وبالنسبة للشاب السوري عادة ما يكون امتلاك منزل شرطاً للزواج. وأدت زيادة الطلب إلى ارتفاع أسعار المنازل. أما بالنسبة للآباء فمن الأوفر إضافة طابق أو اثنين للأبناء على بناية تملكها الأسرة بدلاً من شراء شقق لهم.
واستفاد آخرون من حالة الفوضى في القطاع المصرفي الذي يعاني عقوبات اقتصادية وتراجع احتياطيات النقد الأجنبي. وتقلصت الودائع في البنوك السورية إلى الثلث تقريباً منذ بدء الانتفاضة. وتحجم معظم البنوك عن بيع العملة الأجنبية التي أصبحت شحيحة وزاد الإقبال عليها بعد ضعف الليرة واستفاد تجار العملة بالسوق السوداء من التهافت على الشراء. وأصبح الحصول على قرض من البنك شبه مستحيل، ما أتاح الفرصة لمرابين غير مرخص لهم بالإقراض.
وفي محاولة للحفاظ على مستويات الاحتياطي الأجنبي، رفعت الحكومة التعريفة الجمركية على بعض السلع لمنع خروج العملة. ويضطر من يحتاج لمنتجات مصنعة في الخارج مثل الأدوية، إلى اللجوء للسوق السوداء.
ومع طول الطوابير للحصول على وقود التدفئة والبنزين ورفع الحكومة للأسعار الرسمية للوقود، تلجأ أعداد متزايدة من سكان المدن للسوق السوداء المزدهرة. وقال عيسى وهو طالب في دمشق إنه لاحظ تغيراً في ممارسات العمل في محطة البنزين التي يعمل بها بدوام جزئي. وأضاف “مع ارتفاع أسعار الوقود، استعان مديري بالمزيد من العاملين للسير بين طوابير السيارات المصطفة انتظاراً للحصول على البنزين. وعندما يرون البعض قد تخلى عن مكانه ويستعد للمغادرة يوقفونهم ويسألونهم إن كانوا يريدون شراء البنزين بسعر أعلى”. وأضاف “الطوابير طويلة بدرجة تضطر الناس لدفع أسعار مبالغ فيها”.
غير أن الكثيرين في سوريا يعتقدون أن الأزمة الاقتصادية العامة، حادة بدرجة تجعل حتى أكثر رجال الأعمال حنكة لا ينجح سوى في عدم تكبد خسائر. ولم تورد الحكومة بيانات عن مدى تأثير الاضطرابات على الناتج المحلي الإجمالي، لكن وفقاً لتقديرات اليازجي قد يكون الاقتصاد انكمش نحو 15% العام الماضي وقد ينكمش بنسبة مماثلة أو أكثر العام الحالي. وحذرت الحكومة من احتمال الحاجة لترشيد أكبر في استهلاك الوقود وألقت اللوم على “إرهابيين” في تخريب محطات كهرباء. ومع تراجع الليرة لم يعد بمقدور العديد من السوريين شراء أي شيء سوى ضروريات الحياة.