9 سبتمبر 2009 23:27
كان عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أحد نقباء الأنصار الذين بايعوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- في العقبة الأولى والعقبة الثانية، ومن أوائل أهل المدينة الذين اعتنقوا الإسلام وجاهدوا ببسالة لنشره ورفعته ولفضله وعلمه اختير معلماً لأهل الشام وكان أول من ولي القضاء بفلسطين.
هو أبوالوليد عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج، وأمه هي قرة العين بنت عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان، وهي أخت عباس بن عبادة بن نضلة، وزوجته خولة بنت ثعلبة التي أنزل الله فيها: «قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله، والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير» المجادلة 1، ولد في سنة 38 قبل الهجرة النبوية الشريفة وكان من بني عوف بن الخزرج الأنصاري، أي من الأنصار الذين نصروا وآووا وجاهدوا بأرواحهم وأموالهم في سبيل الله لنشر الدعوة الإسلامية.
نصرة الإسلام
يقول الدكتور عبدالله بركات، أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الأزهر: اسلم عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- في السنة العاشرة من بعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان من أوائل الذين أسلموا من الأنصار ومن رجال البيعة الأولى وعرف بحبه الشديد للرسول -صلى الله عليه وسلم- وارتبط به ارتباطاً وثيقاً وشهد مع الرسول -عليه الصلاة والسلام- الغزوات كلها بدراً وأحداً والخندق ولم يتخلف عن مشهد من مشاهد الإسلام الكبرى وكان أحد الذين ساهموا في جمع القرآن زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- ووقف مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأزره وناصره ضد اليهود والمنافقين وله دور مشهود في إخراج يهود بني قينقاع حلفائه في الجاهلية من المدينة. واستعمله الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الصدقات، وقال له: «اتق الله لا تأتي يوم القيامة ببعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها ثواج». وبايع النبي -صلى الله عليه وسلم- على «ألا يخاف في الله لومة لائم»•
خلافه مع معاوية
وكان له دور بارز في حروب الردة وعندما كتب يزيد بن سفيان إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يطلب منه أن يرسل إلى أهل الشام من يعلمهم القرآن الكريم ويفقههم في أمور دينهم أرسل إليه عمر معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبا الدرداء، فأقام عبادة بحمص فاستخلفه عليها أبو عبيدة بن الجراح، ثم انتقل إلى فلسطين وكان أول من ولي القضاء بفلسطين وعندما ولي القضاء اختلف مع معاوية في شؤون الصرف، إذ كان يحول بينه وبين أشياء كان ينكرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعاهده على ذلك فأغلظ له معاوية القول، فقال له عبادة: «لا أساكنك بأرض واحدة أبداً»، فرحل إلى المدينة المنورة وعندما التقى به عمر قال: «ما أقدمك؟ فأخبره بما حدث، فقال له عمر: أرجع مكانك فقبح الله أرضاً لست فيها ولا أمثالك فامتثل وأطاع وكتب عمر إلى معاوية: لا إمرة لك على عبادة»•
رجل بألف
وقال عنه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين أرسله مدداً لعمرو بن العاص في فتح مصر: «رجل يعد في الرجال بألف رجل»، وشارك هو وزوجته أم حرام بنت ملحان مع جيوش المسلمين في فتح جزيرة قبرص عام 28هـ/ 648م، وظفرت زوجه بالشهادة فور نزولها على البر فدفنت في الجزيرة، وظهرت مهارته في مفاوضاته مع المقوقس حاكم مصر. وروى عبادة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال الإمام الذهبي: «ساق له بقي بن مخلد في مسنده مئة وواحداً وثمانين حديثاً وله في البخاري ومسلم ستة، وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بحديثين»، وحدث عنه أبو أمامة الباهلي وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله وشرحبيل بن حسنة وأبو مسلم الخولاني الزاهد وجبير بن نفير وجنادة بن أبي أمية وعبدالرحمن بن عسيلة الصنابجي ومحمود بن الربيع وأبو إدريس الخولاني وأبوالأشعث الصنعاني وابنه الوليد بن عبادة وأبو سلمة بن عبدالرحمن وغيرهم.
حديث
وكان عبادة -رضي الله عنه- بالشام فرأى آنية من فضة يباع الإناء بمثلي ما فيه أو نحو ذلك فمشى إليهم عبادة فقال: «أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا عبادة بن الصامت ألا وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مجلس من مجالس الأنصار ليلة الخميس من رمضان، لم يصم رمضان بعده يقول: «الذهب بالذهب مثلاً بمثل، سواء بسواء، وزناً بوزن يداً بيد فما زاد فهو ربا، والحنطة بالحنطة قفيز بقفيز يد بيد، فما زاد فهو ربا، والتمر بالتمر، قفيزا بقفيز ويدا بيد، فما زاد فهو ربا»، فتفرق الناس عنه، فأتى معاوية فأخبر بذلك، فأرسل إلى عبادة، فأتاه فقال له معاوية: «لئن كنت صحبت النبي -صلى اللـه عليه وسلم- وسمعت منه فلقد صحبناه وسمعنا منه»، فقال له عبادة: «لقد صحبته وسمعت منه»، فقال له معاوية: فما هذا الحديث الذي تذكره؟ فأخبره فقال معاوية: اسكـت عن هذا الحديـث ولا تذكـره، فقال له عبادة: «بلى، وإن رغم أنف معاوية»، ثم قام فقال له معاوية: «ما نجد شيئاً أبلغ فيما بيني وبين أصحاب محمد -صلى اللـه عليه وسلم- من الصفح عنهم».
الزهد والشجاعة
وعرف عبادة بالزهد والشجاعة والفضل وتجلى ذلك في مناسبات كثيرة، فقد أهديت هدية إليه، وإن معه في الدار اثني عشر أهل بيت، فقال عبادة: «اذهبوا بهذه إلى آل فلان فهم أحوج إليها منا»، فما زالوا كلما جئت إلى أهل بيت يقولون: «اذهبوا إلى آل فلان هم أحوج إليه منا»، حتى رجعت الهدية إليه قبل الصبح. وتوفي -رضي الله عنه- في سنة 34 هـ ببيت المقدس ومات ودفن بها وقبره معروف إلى اليوم.
المصدر: القاهرة