الأربعاء 25 ديسمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الألغام الأرضية...معضلة وطنية في كولومبيا

الألغام الأرضية...معضلة وطنية في كولومبيا
9 سبتمبر 2009 00:14
تقف المدرسة التي تتألف من ثلاث حجرات مهجورة لوحدها وسط التجمع الريفي الصغير بمحافظة «أنتيوكوا» الكولومبية بعدما غادرت العائلات قرية «بوكيرون» التي تستضيف المدرسة قبل ما يربو على أربع سنوات ومعهم أربعين تلميذاً بعدما سقطت 15 ضحية بسبب الألغام الأرضية التي زرعتها الجماعات «اليسارية» المتمردة في الطريق الوحيدة التي تربط القرية بمدينة سان فرانسيسكو الكولومبية، المركز الحضاري الأقرب للقرية النائية. ومع أن الحكومة اليوم تبذل جهوداً حثيثة لإزالة الألغام الأرضية باحثة عنها بصبر وأناة بين جنبات الطرقات وراصدة الفخاخ المتفجرة التي نصبها المتمردون، إلا إنه وفي الوقت الذي تتولى فيه الحكومة هذه المهمة الثقيلة والخطيرة وتضاعف محاولاتها الدؤوبة لتطهير المناطق الريفية من الألغام الأرضية يواصل فيه قادة القوات المسلحة الثورية في كولومبيا المعروفة اختصاراً باسم «فارك» في توجيه تعليماتهم بزرع المزيد منها وذلك بموازاة حملة الجيش الكولومبي للقضاء على المتمردين الذين يقدر عددهم بحوالي تسعة آلاف مقاتل يزرعون الخوف في نفوس الأهالي والقوات الحكومية على حد سواء. ففي السنة الماضية تم اعتراض رسالة إلكترونية وجهها قائد القوات المسلحة الثورية «ألفونسو كانو» إلى أتباعه يأمرهم فيها بوقف تقدم القوات الحكومية بزرع المزيد من الألغام الأرضية قائلا «ما دمنا نعرف جيداً بأنها العامل الوحيد الذي يوقفهم ويروعهم»، وفي هذا السياق يقول الجنرال «فريدي باديلا»، قائد الجيش الكولومبي «لقد عجزت قوات التمرد عن مواجهة الجيش على نحو مباشر لهذا يلجؤون إلى الألغام كسلاح جديد في معركتهم المستمرة ضد الدولة»، لكن وبسبب الزيادة المطردة في زرع الألغام ارتفع عدد الضحايا من الجيش بنسبة 15 في المئة مقارنة بالسنة الماضية. وعلى بعد أمتار قليلة فقط من المدرسة في قرية «بوكيرون» عثر فريق نزع الألغام على ثلاثة منها محلية الصنع لا تبعد كثيراً عن محيط المدرسة، وباستخدامهم المعدات المتطورة التي تدربوا عليها تمكن الفريق من إزالة الخطر وتفجير الألغام بعيداً عن الأهالي، لكن الأمر لا يخلو من خطورة بالنسبة للجنود كما يعبر عن ذلك الملازم «كارلوس بتانكورت» قائد فرقة نزع الألغام، موضحاً ذلك بقوله «إنها مهمة صعبة للغاية وتنطوي على قدر كبير من التوتر وشد الأعصاب، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتمشيط مساحة كبيرة خطوة بخطوة»، وعلى مدى 11 شهراً قضاها الفريق العسكري في تمشيط المنطقة الريفية تمكن أعضاؤه من نزع 97 لغماً لا تفصلها سوى ثلاثة أميال عن الطريق الرئيسية التي تربط القرية بالمدينة. ومنذ العام 2002 سقط في المنطقة المحيطة بالقرية ما لا يقل عن 257 شخصاً بين مدني وعسكري بسبب انفجار الألغام كان آخرها في شهر أبريل الماضي عندما فقد أحد الجنود قدمه أثناء قيامه بعمله، ومع أن مقاطعة «سان فرانسيسكو» تعتبر الأكثر تلغيماً في كولومبيا تبقى الألغام الأرضية مع ذلك مشكلة وطنية، لا سيما في ظل الإحصاءات التي تقول إن أكثر من 60 في المئة من المقاطعات الكولومبية سواء كان المسؤول عنها قوات «الفارك»، أو الميليشيات اليمينية التي تحاربها لأكثر من 45 عاماً تشهد انتشاراً واسعاً للألغام، وبحسب الإحصاءات نفسها سقط منذ العام 2000 أكثر من سبعة آلاف قتيل بسبب تلك الألغام وصلوا خلال النصف الأول من السنة الجارية إلى 411 شخصا بين قتيل ومصاب ليبلغ معدل الضحايا شخصين في اليوم الواحد. وخلال هذه الحرب الضروس التي تخوضها الحكومة ضد الألغام الأرضية كثيراً ما يصاب الجنود بجروح خطيرة مثل «خورخي لويس ديلجادو»، الذي فقد الجزء السفلي من ساقه اليسرى قبل ثلاثة أشهر بسبب انفجار لغم أرضي أثناء قيامه بعمله، وهو اليوم يُعاد تأهيله في مركز طبي تابع للجيش بالعاصمة بوجوتا في انتظار تثبيت ساق اصطناعية، وعن محنته يقول الجندي «لم نرَ اللغم لأن الفريق المختص بإزالة الألغام كان قد سبقنا واعتقدنا أن المنطقة آمنة، لكن يبدو أن بعض الألغام كانت مزروعة بإحكام». ويرجع الكولونيل «هانسيل رودريجز»، الذي يقود وحدة الهندسة المسؤولة عن نزع الألغام، سبب اعتماد المتمردين على الألغام في حربهم المتواصلة مع الحكومة إلى إدراكهم بأن «سقوط أي جندي بسبب اللغم ينال من معنويات باقي أفراد الجيش»، مضيفاً أن الألغام التي يزرعها أفراد «الفارك» على قدر كبير من التنوع فهي إما يتم تفجيرها عن طريق الضغط الذي تحدثه قدم الإنسان عندما تلامس اللغم، أو من خلال الأسلاك التي توضع في مكان خفي، أو حتى أحياناً من خلال موجات الراديو ليتم التحكم في توقيت الانفجار. وتعتمد قوات التمرد في تمويل حربها ضد الحكومة وتصنيعها للألغام على الأموال التي تحصل عليها من تجارة المخدرات وحمايتها لمحاصيل «الكوكا» التي يستخرج منها المخدر، وهم كما يقول نائب الرئيس، «فرانسيسكو سانتوس»، الذي يقود الحملة الحكومية ضد الألغام الأرضية «يلجؤون إلى الألغام لحماية مورد دخلهم وضمان تدفق الأموال». سيبيلا برودزينسكي-كولومبيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©