8 سبتمبر 2009 00:11
مثلت الدولة العثمانية نقطة عبور الإسلام التاريخية إلى السويد، التي تماست معها في حدود مشتركة حيث دفع العداء المشترك من قبل الدولة العثمانية ومملكة السويد لروسيا القيصرية بالدولتين إلى التحالف المشترك ضد روسيا، لتكون تلك الحقبة هي بداية الاتصال المباشر بين السويد والإسلام ممثلاً في الدولة العثمانية.
وقد كانت علاقات الدولة العثمانية مع روسيا القيصرية، كما يشير كل من يلماز أوزتونا في كتابه «تاريخ الدولة العثمانية»، وأحمد عبد الرحيم مصطفى في مؤلفه «في أصول التاريخ العثماني»، عدائية خاصة في عهد القيصر بطرس الأكبر الذي هزم الملك شارل الثاني عشر ملك السويد عام (1709م)، مما دفع ملك السويد إلى اللجوء والهروب إلى الدولة العثمانية، فتعقبه الجنود الروس في بلاد الدولة العثمانية، فانتهزت تركيا هذه الفرصة لإعلان الحرب على روسيا بتحريض من ملك السويد، الذي أقام لفترة بمدينة بندر التركية، هرباً من الملاحقة الروسية له. ويحفل الأرشيف الوطني السويدي بأكثر من 120 وثيقة هي عبارة عن رسائل دبلوماسية تشهد على العلاقات السويدية مع العثمانيين، والرغبة في توطيد تلك العلاقات وإقامة التحالفات. وبالرغم من تلك البداية المبكرة لاتصال السويد بالإسلام، إلا أن الجاليات الإسلامية لم تتشكل تاريخياً في السويد، كما يؤكد سيد عبدالمجيد بكر في كتابه عن «الأقليات المسلمة في أوروبا»، إلا في العصر الحديث، ويمثل تتار روسيا، أو ما يطلق عليهم «تتار القرم»، أول الهجرات الإسلامية إلى السويد، حيث وفدوا اليها كتجار أثناء الحرب العالمية الثانية، واستقروا بالعاصمة استكهولم، ليبدأ الإسلام في الانتشار لاسيما في المدن الصناعية، بعد أن استقطبت السويد العمالة الإسلامية من تركيا ويوغسلافيا وشمال إفريقيا. وفي السبعينيات من القرن الماضي بدأت الهجرة السياسية من مختلف الأقطار العربية والإسلامية للسويد، ولم تتوقف ليرتفع عدد المسلمين من الألف شخص عام 1950، وفقاً لما أورده علي بن المنتصر الكتاني في كتابه «المسلمون في أوروبا وأميركا»، إلى أكثر من نصف مليون حالياً حسب ما ورد بأحدث الإحصائيات الصادرة من المراكز الإسلامية بالسويد وعلى رأسها تقديرات الرابطة الإسلامية بالسويد. ومع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في السبعينيات من القرن الماضي، تدفقت إلى السويد أعداد كبيرة من العرب من لبنان وسوريا، كما نزحت إليها أعداد إضافية بعد اندلاع حرب الثماني سنوات بين العراق وإيران، ويؤرخ لعام 1975 بوصفه بداية العمل التنظيمي بالسويد، إذ تم تأسيس أول اتحاد إسلامي، ومقره مدينة مالموا الواقعة جنوباً، واكتسب الاتحاد اعتراف الحكومة السويدية، وأطلق عليه اسم «رابطة الجمعيات الإسلامية في السويد». وتعتبر الرابطة الإسلامية في السويد المحرك الرئيسي للعمل الإسلامي في السويد، حيث ساهمت في انتشار الجمعيات الإسلامية في مختلف المدن السويدية، وتزايد عددها حتى وصل 160 جمعية. وعلى الرغم من أنَّ الإسلام يعتبر حديث العهد في السويد، الاّ أنّه تحولّ وبسرعة إلى الديانة الرسميّة الثانية فيها بعد المسيحية التي يدين بها الشعب السويدي، والواقع أنّ المسلمين لم يجدوا صعوبة في أداء مناسكهم وإحياء شعائرهم الإسلامية، وإقامة مساجدهم على امتداد المحافظات السويدية، استنادا إلى قانون حرية الأديان وحق أصحاب الديانات في أداء مناسكهم كاملة دون خوف من أحد. وقد بني أول مسجد في السويد سنة 1976 في مدينة يوتوبوري، وهي من أكبر الولايات أو المناطق الإدارية السويدية بعد العاصمة استكهولم، وبعد ذلك تمّ بناء مسجد في منطقة مالمو القريبة من الدنمارك، وتوالى بعدها بناء المساجد في معظم المدن السويدية الكبيرة مثل منطقة أوبسالا وآخر مسجد كبير تمّ بناؤه في السويد هو المسجد العام في مدينة استكهولم والذي يقصده مئات المصلين . ويتواصل النمو الإسلامي في السويد بشكل مطرد في السنوات الأخيرة إلى الحد الذي دفع بالكاتب السويدي المتخصص في القضايا الإسلامية «يان سامويلسون» لأن يخصص فصلاً استشرافيّاً كاملاً في أحد مؤلفاته عن مستقبل الإسلام في السويد، وذلك تحت عنوان «الإسلام في سنة 2020 في السويد» يقول فيه «الإسلام أصبح حقاً ليس ضمن المعادلة السويدية فحسب بل بات جزءا من المعادلة الأوروبية، ولا شك في أن أولاد المسلمين سيلعبون أكبر الأدوار في تاريخ أوروبا المستقبلي». وبالرغم من الإنجازات والمميزات التي حصل عليها المسلمون في السويد، والمتمثلة في وجود عدد لا بأس به من الجمعيات والمراكز الإسلامية في العاصمة استكهولم وبعض المدن الأخرى، إلا أن الصورة ليست كلها وردية، فالحكومة السويدية كغيرها من الحكومات الغربية تعامل الإسلام كدين وأتباعه من المسلمين بمكيالين، فهي لا تقبل بالتطبيق الصريح للتعاليم والقيم الإسلامية، بل والأكثر من ذلك تطالب المسلمين بالالتزام بالسلوكيات والمبادئ الغربية. وانطلاقاً من تلك الرؤية يواجه المسلمون في السويد عدة صعوبات تقف حجر عثرة في طريق الالتزام بالتعاليم الإسلامية والمحافظة على الهوية الإسلامية، أهمها عدم توافر الإرادة السياسية لدى الحكومة لتنظيم احتياجات المسلمين المختلفة، والاكتفاء بتقديم بعض المساعدات المادية الزهيدة للمؤسسات الإسلامية لتنفق منها على الأنشطة الدينية المختلفة وكأنها تفعل ذلك لتبرئ ساحتها. ويعامل المسلمون في هذا السياق، كما يتضح من تصريحات ممثلي الجاليات الإسلامية في السويد، ومما تكشفه بعض استطلاعات الرأي لبعض المراكز الإسلامية، كأقلية عرقية ليس لها ما لعامة الشعب السويدي المسيحي من حقوق، كما يعامل الإسلام كتراث ثقافي لا كدين له تأثير كبير على المسلمين وغيرهم في السويد، بالإضافة إلى المشكلات الخاصة بالحجاب، وشعور الخوف الذي يعيشه المسلم من الذوبان في المجتمع ذي الغالبية المسيحية، حيث يمنعه هذا الشعور من الاندماج التام في المجتمع ويحجم نشاطه، كما أنه يقف عائقاً نفسياً ضد فكرة المواطنة السويدية. ومن أبرز المشكلات التي تواجه المسلمين والإسلام في السويد أيضاً أنّ القيمين على الدعوة الإسلامية في السويد خصوصاً، وفي الغرب عموماً، لا يملكون مؤهلات أن يكونوا في صفوف الدعاة، ولا يتمكنّون حتى من اللغة السويدية، وبالتالي لم يكن في وسع السويديين والغربيين استيعاب الأبعاد الحضارية للإسلام، وكذلك فإنّ بعض المحسوبين على العالم الإسلامي أعلنوا إلحادهم في السويد، وكفرهم وباتوا في طليعة الدعاة إلى حرمان المسلمين من ممارسة شعائرهم في السويد، ودعا بعضهم إلى حظر الحجاب في ذلك البلد الأوروبي.