القاهرة (الاتحاد)
الحارث بن كلدة الثقفي، ولد في مدينة الطائف قبل نزول الدعوة ونشأ فيها، وعند بلوغه واشتداد عوده سافر إلى أغلب بلاد الجزيرة العربية ليتعلم الطب، ودخل أول مدرسة طبية في اليمن، حيث كانت الأولى التي تعلم العلوم الطبية، ومن خلالها عرف معنى الداء والدواء، وتعلم العزف على العود حتى دخل بلاد فارس، ويقال له: مولى أبي بكرة، وأبو بكرة من فقهاء الصحابة بالبصرة.
كثُرت أسفار الحارث، وذكر ابن جلجل: أن الحارث تعلم الطب بناحية اليمن وفارس، وجاد في هذه الصناعة وطب بأرض فارس، وعالج وحصل له بذلك مال هناك، وشهد أهل فارس ممن رآه بعلمه، وكان قد عالج بعض أجلائهم فبرء وأعطاه مالاً وجارية سماها الحارث «سمية»، ثم اشتاقت نفسه لبني بلاده فرجع واشتهر طبه بين العرب، وتزامن تواجده بالطائف مع ظهور الإسلام، وعاصر الرسول عليه السلام في أواخر حياته، وكان ابن كلدة زوج خالة الرسول، كما عاصر عهد أبي بكر بعد توليه الخلافة.
وقال القفطي: أدرك الحارث بن كلدة الإسلام، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يأمر من كانت به علة أن يأتيه فيسأله عن علته، وذاع صيته في علاج المرضى، وقد روي أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، مرض بمكة، فخلط الحلبة مع التمر وأطعمها لسعد حتى شفي.
وفد الحارث بن كلدة على أحد الملوك، فلما وقف بين يديه، قال له: من أنت؟ قال: أنا الحارث، قال: فما صناعتك؟ قال: الطب، قال: أأعرابي أنت؟ قال: نعم، من صميمها وبحبوحة دارها، قال: فما تصنع العرب بالطب مع جهلها، وسوء أغذيتها؟ قال: أيها الملك، إذا كانت هذه صفتها كانت أحوج من يصلح جهلها، ويقيم عوجها، ويسوس أبدانها، ويعدل أمشاجها، فإن العاقل يعرف ذلك من نفسه، وحين سأله: فما الداء الدوي؟، قال الحارث: إدخال الطعام على الطعام، هو الذي أهلك البرية، وقتل السباع في البرية، فأُعجِب الملك بكلامه، ومن شدة إعجابه به عينه كطبيب خاص له.
تعددت أعمال الحارث، وكانت مهمته الأولى هي جمع العلوم الطبية وتحسينها وتطويرها، حتى قام بأخذ العلوم غير المعربة وترجمها إلى العربية ولم يقتصر علمه على الطب، بل كان على دراية بالعلوم العسكرية، ففي معركة القادسية استعان به جيش المسلمين لخبراته الواسعة في بلاد الفرس، كما اشتهر الحارث بفصاحة اللسان وتميز بالفطنة والذكاء.
كان ابن كلدة يتعلم المهارات الطبية، من خلال التدريبات العملية التي يقوم بها، ويستفيد من تجاربه وتجارب الحكماء السابقين، ومن تنقله وتعلمه حتى أصبح بارعاً في الطب، متمكناً من ذلك، وماهراً فيه، فهو مع كونه يعالج المرضى ويصف لهم الدواء، يضيف إلى ذلك إرشادات يستفيد منها الناس في حياتهم.
أورده ابن مندة وغيره في أسماء الصحابة، وذكره ابن الأثير، وقال إنه مختلف في صحبته، وإسلامه أو عدمه كلاهما محتمل، وذكر ابن حجر في: «الإصابة»، نحو هذا، حيث ترجم له ضمن أسماء الصحابة، لاحتمال كونه منهم، ولم يصرح بكونه منهم، لاحتمال ألا يكون منهم، وفي الحالين لا يحكم له بهذا أو ذاك.
وجاء في بعض الروايات أنه أسلم ومات مسلماً في خلافة عمر بن الخطاب، وأنه أكل مع أبي بكر، وأنه شهد أن أبا بكر مات مسموماً، وفي بعض الروايات، أنه خرج مع النساء، حينما حاصر المسلمون الطائف سنة تسع للهجرة.