27 مارس 2011 19:57
يعنى مصممو الأزياء بكل ما له علاقة بالجمال والموضة ولا يعني ذلك أن كل ما يأتون به من ابتكارات في تصاميمهم يأتي بسهولة وفي لحظة صفاء، بل إن كثيرا من ابتكاراتهم تخرج من معاناة حقيقية يعيشونها وراء الكواليس.
مهنتي اليوم تقلب صفحات حياة المصممة اللبنانية الشهيرة ميرنا الحاج وتقف معها على أبرز القضايا الشائكة التي تعترض طريق مصممي الأزياء ودور الإعلام في رسم صورة غير حقيقية عن معظم من دخل هذا المجال.
عن سبب اختيارها لمهنة تصميم الأزياء تقول ميرنا الحاج: «عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري قمت بخياطة أول فستان لي مستعينة بتعليمات والدتي التي كانت ترغمني وأخواتي على تعلم الخياطة والتطريز والطبخ وتشدد على أدائنا ليصل إلى أعلى درجات الإتقان، فهي من الجيل القديم الذي يحرص على أن يرتدي ما يحكيه بيده، وعملت دائما على خياطة ملابسنا وتشجيعنا على أن تقوم كل واحدة منا بخياطة ملابسها، هذا الحرص الأمومي حول الخياطة إلى هواية أجد نفسي فيها.
متعة كبيرة
تتابع الحاج: كنت أجد في الخياطة متعة كبيرة وأفرح بكل فستان أخيطه وأختار تصميمه بنفسي وأنفذه، ففكرت بأن أدعم ذلك بالدراسة في الجامعة وعلى غير المتوقع رفضت أسرتي الأمر، وشجعتني على دراسة تخصص آخر وإبقاء الأزياء مجرد هواية، فدرست إدارة الأعمال في الجامعة التي أفادتني لاحقا في فتح مشروعي وكنت أنتهز العطل الأسبوعية أثناء المرحلة الجامعية لأجلس خلف الماكينة وأمارس هوايتي في القص والخياطة.
وظلت رغبتي في تعلم تصميم الأزياء تراودني بشغف لاعتقادي بأن الموهبة وحدها لا تكفي فلا بد من الدراسة التي تزيد من درجة الإبداع والإتقان وتغير نظرة المصمم وأفكاره لتكون أكثر نضجا ووعيا وإدراكا ، فالتحقت بمعهد كام لتصميم الأزياء في لبنان ودرست فيه سنتين لكنني لم أشعر أنني بعد أن تخرجت قادرة على إتقان المهنة كما ينبغي، فطلبت من والدي السماح لي بالسفر إلى باريس عاصمة الموضة والأزياء فرفض محتجا برفضه سفري كفتاة وحيدة إلى أوروبا فاضطررت إلى طلب وساطة أقاربي حتى تمكنت من السفر إلى باريس ودرست في أشهر معاهدها وتخصصت بالرسم والقص عن طريق الكمبيوتر فيما يسمى بالكترا سيستم وكان يستخدم للملابس الجاهزة التي تتطلب عمل نسخ وكميات كبيرة من الملابس، وتنقلت بين عدة معاهد أستقي من بحر علم الأزياء وأتتلمذ على يد كبار المصممين العالميين أمثال لاكرو وبيار بالمان ولاتز مارتان وعدت بعدها الى لبنان لأبدأ عملي الخاص وبعد أن فتحت دارا للأزياء خسرت الكثير نتيجة ظروف الحرب فقررت السفر مجددا إلى خارج بلدي وتلقيت عدة عروض بين الإمارات والكويت والسعودية فاخترت الإمارات وعملت لدى إحدى دور الأزياء فيها لمدة 6 سنوات اكتسبت خلالها المزيد من الخبرة واطلعت على نفسيات الزبونات ورغباتهن وطريقة التعامل معهن ومن ثم استقللت في دار أزياء وحدي في الشارقة برأس مال متواضع وأكملت طريقي في رحلة الكفاح التي بدأتها وصعدتها درجة درجة منذ ما يزيد على 14 سنة ...»
معهد للتعليم
شدة حب ميرنا لتصميم الأزياء واخلاصها وتفانيها في عملها دفعها إلى تبني فكرة افتتاح معهد في جزء من دار أزيائها تعلم فيه الفتيات الراغبات في دخول هذه المهنة كيف يتعلمون القص والخياطة والتصميم فهي تريد أن تنشر ثقافة مهمة في عالم الأزياء مفادها أن على المصمم ألا يكتفي بالموهبة بل عليه أن يتعلم ويدرس وفي ذات السياق تقول الحاج:»الموهبة مهمة جدا في تصميم الأزياء إذ تساعد على الصبر على المتاعب التي سيواجهها المصمم، وقد يصل المصمم بالموهبة إلى ما وصل إليه المصمم الذي تعلم ودرس ولم يكتفي بالموهبة لكنه يحتاج لوقت أطول . كما يتعرض لأخطاء في تكنيكات العمل قد يعجز عن حلها، كما أن العلم ينمي الموهبة ويصل بها المصمم بشكل أسرع إلى درجات الإتقان وتفادي الأخطاء، ومن الملاحظ أن أغلب المصممين يملكون مهارات التصميم ولا يملكون مهارات التنفيذ أو تطبيق هذا التصميم ويعتقدون أن ذلك كاف لكن في الحقيقة يجب أن يمتلكوا المهارتين ليعرفوا إلى أي مدى يمكنهم أن يطبقوا تصميما رسموه على الورق؟ بالإضافة إلى أنهم أثناء تنفيذهم من قص وخياطة للتصميم يعيشون حالة عصف ذهني تأخذهم لمزيد من القصات الجديدة التي يبحثون عنها ويقضون الساعات الطوال يفكرون بها».
تعتبر الحاج أنه يوجد كثير من المصممين الذين باتوا في زماننا هذا يطلقون على أنفسهم لقب العالمية هذا اللقب الذي يجب أن تمنحه لهم نقابة المصممين الفرنسيين بعد دخولهم أسبوع الموضة في فرنسا وتسجيلهم في تلك النقابة، وما يقوم به هؤلاء وهم ليسوا بالقلة بتزييف الحقيقة لزيادة مبيعاتهم ورفع أسعارهم وجذب الأنظار إليهم، والمؤلم وجود وسائل إعلامية عدة تساعدهم في ذلك وتلقبهم بألقاب ليسوا أهلا لها، وما يزيد الطين بلة عدم وجود رقابة أو نقابة تمنح للمصمم لقب مصمم بعد خضوعه لامتحانات عملية تثبت هل هو فعلا مصمم أم أحضر من يصمم له خلف الكواليس.
مهنة الخياطة
توضح الحاج أن مهنة تصميم الأزياء كانت تعرف في الماضي بالخياطة حيث اعتمدت بصورة كبيرة على الشغل والتطريز اليدوي بينما الآن لا يزال هذا الشغل موجود مع دخول الكثير من الآلات التي تسهل العمل وتسرعه لكن نزعت إلى حد ما روح العمل اليدوي القديم فعندما تعلمت في فرنسا الأزياء كنا نخيط حواف الفستان بأيدينا بغرز مرتبة متينة أما الآن فكله بالماكينة بمعنى أن طريقة الخياطة اختلفت، أما عروض الأزياء كانت تقام في نفس دار المصمم أو دار أزيائه تجتمع السيدات لشرب القهوة والشاي وتمر العارضات من بينهن أما الآن فقد صارت تقام في المعارض والفنادق وتكلف آلاف الدراهم، بالإضافة إلى أن خياطة الملابس عند الخياطين قديما كانت مقتصرة على الطبقات الثرية أما الطبقات الأخرى فكانت تشتري ملابسها جاهزة في الأسواق.
مفهوم الهوت كوتور
لاحظت الحاج أثناء تنقلها للعمل والدراسة في فرنسا ولبنان والإمارات أن المصممين الأجانب وبالأخص الفرنسيين لا يتجرأون على إطلاق لقب الهوت كوتور أي الخياطة الراقية على تصاميمهم حتى يتتلمذوا على يد مصممين كبار ويتعلموا منهم لسنوات، أما المصممون العرب فتجد المصمم لا يزال يحبو أو في بداياته وقد سمى فساتينه هوت كوتور وبات يطالب بالعالمية، كما أن المصممين الفرنسيين لا يتجرأون على تقليد بعضهم أو سرقة أفكار وتصاميم بعضهم لأنهم يتعرضون للمقاضاة والغرامة المالية فالمهنة مربوطة بحقوق ونقابة وما شابه ذلك، أما المصممون العرب فتجد بعضهم ينسخ أفكار غيره ولا يجد من يعاقبه ومن يحفظ حق المصمم المتميز المبتكر الناجح.
المصدر: العين