الجمعة 22 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بر الوالدين من أفضل الطاعات والقربات إلى الله

23 مارس 2012
الحمد لله، له أسلمت، وبه آمنت، وعليه توكلت، والصلاة والسلام على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد،،، قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا)، «سورة النساء، الآية 36». هذه الآية الكريمة السابقة من كتاب الله الكريم، تناولت أمرين صريحين من الله سبحانه وتعالى، أولهما: أن نعبده وحده لا نُشرك به شيئاً، وثانيهما: أن نحسن إلى الوالدين وذوى القربى، وبقية من ذكرتهم الآية الكريمة السابقة. إن بر الوالدين من أفضل الطاعات والقربات لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: “الصلاة على وقتها”، قلت: ثم أي؟ قال: “بر الوالدين”، قالت: ثم أي؟ قال: “الجهاد في سبيل الله”، (متفق عليه). جزاء بر الوالدين وجاء في حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم قال: «رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كليهما، فلم يدخل الجنة»، (أخرجه مسلم). إن بر الوالدين يكون بالإحسان إليهما، والعطف عليهما واحترامهما، وطاعة قولهما لذلك أمر الله به، فقال سبحانه: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)، «سورة لقمان، الآية 14». كما أن جزاء برهما والإحسان إليهما يكون الخير في الدنيا والآخرة، فقد روى الصحابي الجليل عبدُ الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قصة ثلاثة رهط من الأمم السابقة، حيث يقول، صلى الله عليه وسلم : «بينما ثلاثةُ نَفَرٍ يتمشَّوْن أخذهم المطر، فأوَوْا إلى غارٍ في جبل، فانحطَّت على فمِ غارِهِم صخرةٌ من الجبل، فانطبقت عليهم، أي سُدَّ عليهم بابُ الغار فلا يستطيعون الخروج - فقال بعضُهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها صالحة لله، فادعوا الله تعالى بها، لعلهّ يَفْرُجُها عنكم، فقال أحدهم وهو موضع الشاهد من هذا الحديث، اللهُمَّ إنه كان لي والدان شيخان كبيران، وامرأتي، وليَ صِبْيةٌ صغار أرعى عليهم، فإذا أَرَحْتُ عليهم، حلبتُ، فبدأت بوالديَّ فسقيتُهما قبل بَنيَّ، وأنه نَأَى بي ذاتَ يومٍ الشَّجرُ، فلم آتِ حتى أمسيتُ، فوجدتُهُما قد نَامَا، فحلبتُ كما كنتُ أحْلُبُ، فجئْتُ بالحِلاب، فقمتُ عند رؤوسهما، أكره أن أُوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقيَ الصِّبْيةَ قبلهما، والصِّبيةُ يتضاغَوْنَ عند قَدَمَيَّ، فلم يزل ذلك دَأْبي ودَأْبَهم حتى طلَع الفجر، فإنْ كنتَ تعلم أني فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهك، فافْرُجْ لنا منها فُرْجَةً نرى منها السماء، فَفَرجَ الله منها فُرْجَةً فرأوا منها السماء، (أخرجه مسلم) ثم دعا الثاني والثالث حتى انفرجت عنهم الصخرة، وزادوا في حديثهم (وخرجوا يمشون) وفي رواية (يتماشَوْن). خير الدنيا والشاهد من هذا الحديث الشريف أن الله سبحانه وتعالى قد استجاب لهذا الرجل ببِرِّه لوالديه، وإحسانه إليهما، ولعدم تفضيله لأحد من أبنائه وزوجته عليهما. أرأيت أخي القارئ ماذا كانت نتيجة البر بالوالدين؟! إنها نجاة في الدنيا وسعادة إن شاء الله في الآخرة، فرضى الله من رضى الوالدين وسخطه من سخطهما. أخي القارىء: كما تزرع تحصد، وكما تدين تدان، فمن يزرع المعروف يحصد الشكر، ومن يزرع الشر يحصد الندامة، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، وهل عاقبة الإساءة إلا الخسران؟ فهناك أبواب كثيرة للخير مع والديك في الدنيا من حسن المعاشرة والبر والإحسان، وتلبية رغباتهم، والسهر على راحتهم، فكم سهرا على راحتك، وقدما المال للإنفاق عليك، وإرشادك لما فيه الخير لك في الدنيا، والآخرة، فقد عد الرسول عقوقهما من أكبر الكبائر، وجعل الحفاظ على راحتهما وخدمتهما كالجهاد في سبيل الله، وغداً ستصبح مثلهما فنحن بحاجة إلى أبناء صالحين يخدموننا ويسهرون على راحتنا، ولا يكون ذلك إلا إذا قدمنا الطيبات والصالحات، لما ورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: أقبل رجل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى، قال: “فهل لك من والديك أحدٌ حَيِّ؟” قال: نعم بل كلاهما، قال: “فتبتغي الأجر من الله تعالى؟”، قال: نعم، قال “فارجع إلى والديك، فأحسن صحبتهما”، (متفق عليه). آلام الأم ومن المعلوم أن الأم هي التي حملت وقاست كثيراً من آلام الحمل، وهي التي وضعت وكثيراً من النساء يفقدن حياتهن أثناء الوضع، وما أدراك ما آلام الوضع، كما أنها هي التي أرضعت وسهرت ليلها وأظمأت نهارها في سبيل خدمة أبنائها. كما أن الأب يعمل ويتعب ويكافح من أجل توفير لقمة عيش شريفة لأسرته، ويتحمل المشاق والمتاعب ويذهب هنا وهناك، ويتحمل الأسى في سبيل توفير حاجات أسرته من طعام وشراب وكساء وغير ذلك. إن من الظلم لنفسك إيها المسلم أن تسبّ أباك أو تجلب له اللعنة، وذلك بأن تشتم آباء الناس فيشتمون أباك أو تسيء إلى الناس فيلعنون أباك وتلك لفتة شرعية تدل على أن المسلمين كالجسد الواحد وأن المسلم ليس بطعان ولا لعان فقد قال عليه السلام: “من الكبائر شتم الرجل والديه!”، قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟! قال: “نعم، يسب أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمة”، (متفق عليه)، وفي الحديث الآخر: “إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه!”، قيل: يا رسول الله كيف يعلن الرجل والديه؟! قال: “يسب أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه”. أنت ومالك لأبيك روي أن ولداً اشتكى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أباه، وأنه يأخذ ماله، فدعا به، فإذا هو شيخ يتوكأ على عصا فسأله فقال: إنه كان ضعيفاً وأنا قوي، وفقيراً وأنا غني، فكنت لا أمنعه شيئاً من مالي، واليوم أنا ضعيف وهو قوي، وأنا فقير وهو غني، ويبخل علي بماله، فبكى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وقال: “ما من حجر ولا شجر يسمع هذا إلا بكى، ثم قال للولد: أنت ومالك لأبيك، أنت ومالك لأبيك”. إن بر الوالدين في الإسلام يمثل بالنسبة للبشرية كلها مظلة الأمان الإلهية، التي يقررها للوالدين بعد أن يكون الكبر قد نال منهم ودب الضعف في أوصالهم. إن حقوق الوالدين في أعناق أبنائهم واجبة الأداء، ولا يمكن للأبناء أن يفوا والديهم حقهم مهما فعلوا وبذلوا ومهما ضحوا وقدموا. فكيف بأولئك العاقين الشاردين عن طريق الحق، البعيدين عن الجادة، العاقين لآبائهم الذين يرسلون آباءهم وأمهاتهم إلى بيوت المسنين كي يستريحوا منهم، وليريحوا زوجاتهم من خدمة والديهم، الويل لهؤلاء، لقد ضلوا ضلالاً مبيناً، وخسروا الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين. لقد فقد أولئك فرصة عظيمة ينالوا بها الأجر والثواب، ويسعدوا من خلالها في الدنيا والآخرة، عندما ينعمون برضى الوالدين، فرضى الله من رضى الوالدين، وسخطه من سخطهما. فما أحوج المجتمعات البشرية إلى الوقوف على مبادئ الإسلام القوية التي تشد من عزم الأسرة المسلمة أفراداً وجماعات، أبناء وبنات، إنها عندما تتمسك بتلك المبادئ مستجيبة لمناشدة الإسلام لها ستفوز برضوان من الله أكبر، وذلك هو الفوز العظيم. الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©