بيروت - كارولين بعيني
لا يمكن للمرء ان يزور مدينة طرابلس الأثرية في الشمال اللبناني دون ان يعرج على خان الصابون الذي يعود تاريخه الى اكثر من 600 سنة· خان خارج من تاريخ عريق لمدينة عتيقة، قابع بين جنبات الجامع المنصوري الكبير وسوق الصاغة وسوق البازركان· خان نقل صناعة الصابون البلدي المعطر من لبنان الى اشهر عواصم العالم· فبعد ان كادت هذه الصناعة اليدوية التقليدية تندثر اعاد العطار بدر حسون احياءها، فحملها من لبنان الى قطر فالمملكة العربية السعودية فباريس وألمانيا الى ان وصلت الى نيويورك ولاقت رواجاً في ارقى المتاجر العالمية، واصبح يتمتع بشهرة دولية خصوصاً وان صابون الخان ممزوج بعطور طبيعية ولا تدخله اي مواد مصنعة· وهذه قصة الخان وبدر حسون
يتحدث بدر حسون عن خان الصابون الذي بات يملكه: هذا الخان أقامه الوالي التركي يوسف باشا سيفا مطلع القرن السابع عشر كثكنة تحميه من الجند والخيل وتبلغ مساحته حوالي 2000 متر مربع، وهو مؤلف من طابقين ويتضمن 40 غرفة كانت تحتضن اهم الصناعات التي تشتهر بها مدينة طرابلس وابرزها الصابون ذا الجودة العالية لتضمنه زيت الزيتون النقي الذي تنتجه سهول الكورة·
اما العطور التي تضاف اليه فلها حكاية· فمنذ 800 عاماً كان هناك سوق يدعى سوق العطارين في طرابلس، حيث كانت المدينة تحوي عيادات للطب الشعبي يديرها نخبة من العطارين الحكماء· وكان يقال ان العطور غذاء الروح ودواؤها وكانوا يستخدمون العطور في علاج الامراض النفسية والعصبية·
وعلى هذه القاعدة كان يتم خلط العطور بالصابون بالإضافة الى الاعشاب التي تستخدم كعلاج لامراض جلدية مختلفة منها الصدفية الاكزيما الجرب، التهاب الجلد، الفطريات، الحكاك، القباء وغيرها، وكانوا يمزجون الاعشاب بالصابون على خلفية التجارب من خلال العمل اليومي· ومن هنا فان صابون حسون هو خلاصة مئات السنين من العمل في فن كيمياء الطبيعة التي حرص الاجداد على تطويرها·
ويتحدث بدر حسون عن عائلته الطرابلسية المعروفة بصناعة الصابون فيقول: انحدر من عائلة طرابلسية يعود تاريخها الى 400 عام كانت تعمل حتى منتصف الخمسينات من القرن الماضي في انتاج الصابون من زيت الزيتون· وكان جدي الحاج عبد الرحمن حسون من ابرز العاملين في هذا المجال، حيث كان يصنع انواعا مختلفة من الصابون البلدي المؤلف من زيت الزيتون الممزوج بعطور طبيعية وأعشاب ذات فائدة، الى ان بدأت المصانع الكبيرة المصنعة للصابون التجاري تدمر حرفة العائلة، علماً ان الصابون التجاري المصنوع من مواد كيمياوية وشحوم معطرة اقل ثمناً وكلفة من الصابون البلدي، مما جعل معظم العائلات التي تعتاش من صناعة الصابون البلدي تعاني البطالة بعد توقفها عن انتاج هذا الصابون· إلا ان جدتي بقيت تصنعه كونه للعائلة، وكنت صغيراً اراقبها بحشرية حتى عشقت هذه الحرفة·
يضيف: جدتي عاشت 521 سنة وبقيت تردد امامنا حكايات من الماضي، وكيف كان الناس يصنعون الصابون المطيب بالعسل والعطور لتقديمه كهدايا تتعطر بها الصبايا· ولكن والدي ابعدنا عن هذه المهنة وكان يردد امامنا انها مهنة الفقر والمتاعب وجعلنا نتجه نحو صياغة الذهب، وبت املك متجر ذهب·
في عام 1985 تعرض متجري للسرقة بكل محتوياته فكان ان شجعني احد اقربائي للعودة الى الحرفة التي اعشقها وأستخدام ادوات جدي البدائية والمصبنة القديمة لأحيي خان الصابون بعدما بات مهجوراً· وهكذا عدت الى هذه الحرفة بخلفية ثقافية ويد تتقن الزخرفة والتصميم وطالعت كتب طب الاعشاب والكيمياء الطبيعية حتى ابتكرت اصنافاً جديدة من الصابون متعدد الألوان والأشكال والمواد والأعشاب المعالجة·
يذكر بدر حسون انواع الصابون الذي يصنعه في الخان فيقول: هناك اكثر من 400 نوع من الصابون بكافة الأشكال والألوان والإستعمالات، وذات روائح مميزة· وهناك خمسة انواع أساسية، منها الصابون الطرابلسي المطيب المؤلف من الكثير من العسل وزيت الزيتون النقي وعطور شرقية ذات تأثير روحاني كبير تفيد لعدة استعمالات وهي معطرة للجسم مطرية ومغذية للجلد·
ويؤكد بدر حسون انه لا يستعمل اي مواد صناعية اوكيماوية ملونة الى الصابون· فالأعشاب الطبيعية هي التي تمنح الصابون الواناً وروائح مميزة·
بدر حائز على شهادات تقدير من عدة بلدان عربية وأجنبية شارك في مهرجانات عدة ومعارض دولية ابرزها القرية العالمية في مدينة دبي التي يشارك فيها كل عام· كما بات يملك شهرة واسعة، اذ من ابرز زبائنه رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري وشخصيات عربية وعالمية من فنانين واعلاميين، حيث يعتبر صابون الخان المفضل لدى المطربة صباح والإعلامي جورج قرداحي·
يقول حسون: استطعت ان اجعل من خان الصابون معلما سياحيا بارزا في لبنان بعدما اعدت احياء صناعة تقليدية جميلة، لأؤكد ان صناعة الصابون فن وذوق مرهف وحرفة لها خصائص، ويجب ان تلقى الدعم والتشجيع· وأفتخر اني أعدت الحركة السياحية الى عاصمة الشمال اللبناني طرابلس·