أصبح الذهاب إلى العيادة روتينا يوميا تعودت عليه منذ فترة ليست بالقريبة من أجل أن أتلقى العلاج والشفاء من مرض معين (الله يعافينا ويعافي المسلمين جميعاً ويبعد عنكم الشر) وعادة ما أذهب لوحدي، لأتلقى علاجي، وأتألم في صمت رهيب، لا يعلم به إلا الله تعالى، فأخرج من العيادة وأنا مرهقة من الألم الذي أعانيه جسدياً ونفسياً، وأعود إلى المنزل وأنا مرهقة لا يزول إلا بعد أن أصلي ركعتين لربي، داعية الله تعالى أن يزيل همي ويكشف كربي ويشفيني ويشفي المؤمنين والمسلمين جميعاً·
ولكن منذ أيام قليلة، كنت ذاهبة وكالعادة إلى نفس العيادة للعلاج، وكنت جالسة أنتظر دوري، ومن ثم دخلت فتاة من سني تريد هي الأخرى أن تتلقى العلاج·· ولكن بصحبة من؟؟ بصحبة والدتها الحنون، التي جاءت برفقتها لتكفكف عنها دموعها، وتساهم في إزالة همها وخوفها من العلاج، وتصبرها على غمها، وتدعو لها بأن يفرج عليها ربنا ويشفيها بإذنه تعالى، وبالفعل كانت نعم المرافق ونعم الأنيس الونيس الذي يحتاج إليه المريض في هذا الزمان·
عندما رأيت هذا المنظر الجميل، نسيت ألمي ونسيت همي وتذكرت 'هما' آخر تعجز الكلمات عن وصفه، ويعجز قلمي الصغير عن سرده، تذكرت أمي الحبيبة، التي لو كانت حية لفعلت مثل ما فعلته تلك الأم وأكثر، فهي سترافقني إلى المستشفى بدلاً من الذهاب لوحدي، وستأخذني بحضنها الدافئ وتساهم باغماري بكلماتها العذبة، مكفكفة بذلك همومي وأحزاني التي طفح قلبي منها تعب فؤادي من احتمالها طول هذه السنين الطوال، ولكانت خففت عني ابتلاء ربي، وثبتتني وصبرتني بالأجر الكبير الذي سأناله جراء ألمي وهمي، فالكلمة الطيبة لها أثر كبير في القلب، كونها شافية ومعافية لهمومنا الثقيلة، ولأحزاننا المؤرقة، وحضن الأم يلعب دوراً كبيراً في نسيان الهموم، والتئام الجروح والقيام لاستعادة الحياة من جديد، فهي بحد ذاتها دواء للقلب وللروح، ونسيان للآلام والأحزان والأوجاع الجسدية والنفسية التي تسببها أمراض هذه الأيام·
ماذا عسى قلمي أن يقول لأمي الحبيبة؟ فالهموم والآلام عادة ما تخف مع مرور الأيام، إلا أن ألم فقدان والدتي يزيد يوماً بعد يوم، فهي في قلبي، وصورتها محفورة فيه، وهي تتمثل دائماً وأبدأ أمامي في كل المعارك التي أقودها لوحدي، لأنني بالتأكيد لن أنساها أبداً، كون بعد رحيلها بدأت 'فسيناريو' المصائب والأحزان تتكرر مع الأحداث التي نعيشها ومن الواقع المر الذي يحوم حوالينا، فبالأمس كانت نعم الأم ونعم السند ونعم الأخت في المصائب والشدائد، وكانت نعم الحضن الحنون التي تضم هموم الدنيا وما فيها، وتنسينا سلسلة المصائب التي تمر بها، واليوم رحلت لتتركني وحيدة يتيمة تتألم وحدها لتستقبل كل هذه الهموم والأحزان، وتكتم ألمها وأوجاعها في قلبها، كونها وحيدة في الدنيا تعاني·· بصمت كبير!
مسك الختام: أسأل الله تعالى أن يعوض علينا بالخير، وأن يصبرنا على همومنا وأحزاننا، وأن يجزينا بالمقابل الأجر والثواب بإذن الله·· إنه على كل شيء قدير وجعل الله تعالى القرآن ربيع قلوبنا وشفاء صدورنا ومزيل همنا وغمنا بإذنه تعالى، فهذه هي حال الدنيا إذ لا بد من أن تعتري المصائب والهموم دروبنا، وتعرقل علينا الاستمرارية في الحياة ، ولكن وبالرغم من كل هذا أملنا بالله كبير، ودعاؤنا لن يخيب، وأجرنا لن يضيع، امتثالاً لقوله تعالى: 'وبشر الصابرين، الذين أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا اليه راجعون'·
لا أراكم الله تعالى ولا المسلمين جميعاً أي مكروه أبداً، لا في فقدان حبيب وغال على القلب، ولا في ابتلاء مرض أو هم أو غم·· إنه أرحم الراحمين· 'ولا تنسوا أختكم من الدعاء'
ريا المحمودي ــ رأس الخيمة