السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأزمة السورية... إعادة تدشين توازنات القوى

20 مارس 2012
على السطح، قد تبدو التفاصيل اليومية للثورة السورية مشابهة لمثيلتها في أي بلد من البلدان التي شهدت احتجاجات واسعة النطاق ضد الحكم الديكتاتوري لبشار، وحملات مستمرة من قوات الجيش والأمن القوية لسحقها. لكن المحللين يقولون إن الأزمة السورية لها تأثير استراتيجي عالمي، يفوق ذلك الذي كان للانتفاضات الشعبية الأخرى في الوطن العربي التي أدت لإسقاط الحكام في مصر، وتونس، وليبيا، واليمن. وفي الوقت الذي يدخل فيه الحراك الثوري في سوريا عامه الثاني -وأسفر عن مصرع ما يزيد عن 8000 شخص بالفعل- فإن تداعيات الأزمة بها، قد أعادت مجدداً إشعال حمى المنافسة بين الولايات المتحدة وروسيا في الشرق الأوسط، كما عرضت"محور الممانعة" المناوئ للمصالح الغربية في المنطقة بقيادة إيران لخطر التحلل. وفي إطار الحرب الباردة التي تغلي على نار هادئة في الشرق الأوسط منذ سنوات، كان من الطبيعي أن تؤيد إيران و"حزب الله" اللبناني الشيعي حليفيهما السوري تأييداً تاماً، وأن تقف الدول السُنية الصديقة للولايات المتحدة مثل السعودية وقطر مع الحراك الثوري وتدعو لتسليح المتمردين المناوئين لنظام الأسد. بيد أن ما حدث الشهر الماضي، هو أن حركة المقاومة الفلسطينية المسلحة "حماس"، العضو المهم في محور الممانعة المذكور، قد تخلت فجأة عن سوريا، التي ظلت الراعي الرئيسي لها لزمن طويل، وقام قادتها بنقل مكاتبهم لمصر وقطر. والدور السوري في محور الممانعة سوف يظل -كما يرى الخبراء- قوياً ما دام نظام الأسد ذاته قوياً، أما إذا ما أُجبر الأسد على التخلي عن السلطة، فإن قدرة "حزب الله" على الحصول على الأسلحة والمعدات من إيران عبر الأراضي السورية، يمكن أن تتقلص بشكل حاد وتتقلص معها بالتالي قدرة إيران على المحافظة على دور قوي للحزب كوكيل لها في المنطقة، في مواجهتها المستمرة مع إسرائيل. يقول" رامي خوري" المحلل السياسي بالجامعة الأميركية في بيروت:"لقد بدأ محور الممانعة الذي يضم سوريا وإيران وحزب الله وحماس في التآكل" من ناحية أخرى، وعلى صعيد أوسع نطاقاً فإن الأزمة السورية - بحسب خوري- قد أثارت مجدداً احتمال"عودة المنافسة الدولية"بين الولايات المتحدة وروسيا، على شؤون المنطقة. ويندرج في هذا الإطار، ما قامت به روسيا والصين من استخدام لحق النقض"الفيتو" للحيلولة دون صدور قرار من مجلس الأمن الدولي، ضد سوريا وهو ما شجع نظامها على التمادي في قمع المعارضة بوحشية في مدن حمص، وإدلب، ودرعا. ويشار في هذا السياق أيضاً إلى أن كوفي عنان مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية والأمين العام السابق للمنظمة الدولية، قد أطلع مجلس الأمن الدولي على الجهود غير المثمرة التي قام بها حتى الآن، لوقف إطلاق النار في سوريا، وذلك بعد أن تعقدت مهمته بسبب المناورات الإقليمية. يشرح" فواز جرجس" رئيس مركز الشرق الأوسط بـ"مدرسة لندن للاقتصاد"، هذا الوضع بقوله"ما حدث أن الصورة العامة في الأزمة السورية قد اشتبكت بحرب باردة إقليمية". وهذه المتغيرات الإقليمية والدولية تعقد الأزمة السورية لحد كبير، على النقيض من أزمة ليبيا في الربيع الماضي حيث كان هناك إجماع على اتخاذ قرار ضد القذافي في مجلس الأمن. يقول "جرجس" حول هذه النقطة: "أما في حالة الأسد فإن الشيء المفاجئ، هو استخدام الفيتو لمرتين من قبل اثنتين من الدول العظمى في النظام الدولي...وهو ما مثل الخبر الأهم" ويضيف جرجس" ولقد ذهبت روسيا في هذا الشأن إلى حد أنها اشترطت أن يكون أي وقف لإطلاق النار متبادلًا(بين النظام والمتمردين). وفي حين يتوقع معظم المحللين سقوط نظام الأسد في نهاية المطاف، فإن القليل منهم هو الذي يغامر بتقديم تخمين بشأن متى يمكن أن يحدث ذلك. وإيران، التي تتذكر جيداً أن حافظ الأسد والد الرئيس السوري الحالي، كان الرئيس العربي الوحيد الذي وقف إلى جانبها في حربها مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي، ألقت بثقلها كله خلف سوريا لأسباب ليس أقلها أن النظام السوري يلعب دوراً رئيسياً في استراتيجيتها الإقليمية. ولكن الثورة السورية تعيد في الوقت الراهن تعريف توازنات القوى في المنطقة التي ظلت ثابتة لفترة طويلة، وتضيف المزيد من عدم اليقين، لما هو سائد في منطقة الشرق الأوسط. ويقول "خوري" إن "التحولات" التي تجري في روسيا وإيران في الوقت الراهن عقب الانتخابات الرئاسية في روسيا والبرلمانية في طهران، قد زادت لحد كبير من صعوبة التنبؤ بالمحصلات النهائية للتفاعلات، التي تتم في المنطقة في الوقت الراهن. وللمزيد من التوضيح يقول "الجميع الآن في حالة سيولة. ينطبق هذا على جميع اللاعبين في المنطقة، وعلى اللاعبين الدوليين، وعلى الولايات المتحدة ذاتها التي بدأت تخرج من المنطقة تدريجياً وتفقد تأثيرها، بحيث بات الوضع يشبه لعبة الكراسي الموسيقية... فالجميع في حالة حركة ولا أحد يدري متى سيستقر... وفي رأيي أن الأمور بحاجة لعدة سنوات حتى يستقر كل شيء في مكانه". سكوت بيترسون - إسطنبول ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©