20 مارس 2012
مصطفى عبدالعظيم (دبي) - أكدت وكالة موديز لخدمات المستثمرين قدرة الاقتصاد الإماراتي على استيعاب الفجوة التمويلية الناجمة عن تقليص البنوك الأوروبية أنشطتها في المنطقة، بسبب تأثرها بأزمة الديون التي تمر بها منطقة اليورو.
ويشكل إقراض البنوك الأوروبية بحسب الوكالة نحو 77% من إجمالي الالتزامات على مختلف القطاعات في الدولة المقدر بنحو 140 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 99 مليار دولار.
وأكد محللون في الوكالة خلال مؤتمر صحفي في دبي أمس أن الوضع المالي القوي للإمارات، إضافة إلى ما يتمتع به النظام المصرفي من كفاءة في التعامل مع التطورات، من شأنه أن يعزز قدرة البنوك الإماراتية على معالجة فجوات التمويل الأوروبية.
وحذر خالد حوالدار نائب الرئيس ـ موظف أول ائتمان قطاع البنوك لدى الوكالة من تعرض بعض الأنظمة المصرفية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي لفجوات تمويلية إذا استمرت البنوك الأوروبية في تقليص أنشطتها في المنطقة.
ورغم أن الاعتماد الاقتصادي على التمويل الأوروبي يتفاوت بين بلدان المنطقة، إلا أن تراجع مستوى القروض المقدمة من البنوك الأوروبية للمنطقة قد يؤدي إلى نقص في السيولة المتاحة على المدى القصير، وسيؤدي على الأرجح إلى نقص في التمويل على المدى الطويل، بحسب حوالدار.
وأضاف خلال المؤتمر أنه سيتعين على البنوك الخليجية المحلية السعي نحو النمو فضلاً عن ضبط هياكلها التمويلية لسد العجز التمويلي، مشيراً إلى أن البنوك الآسيوية قد تشكل مصدراً متنامياً من مصادر التمويل الأجنبي.
وأوضح حوالدار أن انسحاب البنوك الأوروبية من المنطقة يأتي على خلفية تأثرها بأزمة الديون التي تمر بها منطقة اليورو، فضلاً عن حاجتها للتقليل من ديونها وبناء قواعد رأسمالية ضخمة لحماية وحفظ رأس المال.
ووفقا لتقرير تم استعراضه أمس، فقد بلغت القروض المقدمة من البنوك الأوروبية لدول مجلس التعاون الخليجي حتى سبتمبر 2011، حوالي 237 مليار دولار، يبلغ نصيب الإمارات منها نحو 41,7%.
وتتوقع الوكالة في تقريرها بعنوان “تداعيات تراجع استثمارات البنوك الأوروبية على الأنظمة المصرفية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي”، أن تؤدي رغبة البنوك الأوروبية في التخلص من ديونها إلى انخفاض مستويات القروض المقدمة إلى منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، في وقت تواجه فيه المنطقة متطلبات تمويلية لا يستهان بها، مع وجود ما يقدر بحوالي 1,8 تريليون دولار من الاستثمارات الرأسمالية التي يجري تنفيذها أو تخطيطها على مدى الأعوام الخمسة عشر المقبلة.
وترى وكالة التصنيف أن النقص في السيولة على المدى القصير بالنسبة للبنوك الخليجية، والذي سينجم عن تراجع استثمارات البنوك الأوروبية في المنطقة، يمكن في بعض الحالات تخفيفه من خلال الدعم المالي الذي توفره الحكومات والبنوك المركزية للمؤسسات التي تواجه مصاعب سيولة مؤقتة. فضلاً عن ذلك، فإن وضع السيولة لدى البنوك الخليجية قد شهد تحسناً منذ الضائقة الائتمانية التي شهدتها المنطقة في عام 2009.
ومع ذلك، ستواجه البنوك الخليجية أيضاً نقصاً في فرص الحصول على التمويل الهيكلي على الأجل الطويل، والذي سيكون من الصعب معالجته، الأمر الذي يستدعي قيام دول مجلس التعاون الخليجي المتضررة بتدبر مصادر جديدة للتمويل لدعم نمو الائتمان وخطط التنمية الاقتصادية في المستقبل.
وأشار حوالدار إلى أنه سيتعين أيضاً على البنوك المحلية السعي نحو النمو والتطور، كما ينبغي أن تخضع لتغييرات هيكلية لتلبية هذه الحاجة، لافتا إلى أن البنوك الآسيوية، وإلى حد أقل، المصارف الأميركية يمكن أن تسد بعضاً من هذه الفجوات التمويلية، حيث تمثل أنشطتها التمويلية المصرفية في دول مجلس التعاون الخليجي حوالي 1,9% و2,3% على التوالي، من إجمالي الناتج المحلي للمنطقة بنهاية سبتمبر عام 2011.
وإضافة إلى ذلك، إذا ما أخذنا في الاعتبار مستويات الديون الحكومية المنخفضة نسبياً يظل ازدياد القروض السيادية إمكانية واردة، بينما من المرجح أن تسعى الشركات الأكبر حجماً والتي تتمتع بجدارة ائتمانية عالية للاستفادة بصورة مباشرة من التمويل من أسواق السندات، بحسب موديز.
واستبعد حوالدار أن يكون الإسراع في إنشاء سوق سندات في المنطقة بالعملات المحلية بمثابة الحل السريع لسد الفجوة التمويلية الأوروبية المتوقعة، وذلك على خلفية ضعف الطلب على العملات المحلية في ظل استمرار ربط العملات الخليجية بالدولار.
وقال حوالدار إن الوكالة قامت بتصنيف النظام المصرفي لدول مجلس التعاون الخليجي إلى ثلاث فئات، استناداً إلى درجة تأثرها بتراجع التمويل المقدم من البنوك الأوروبية، حيث تضم الفئة الأولى ذات التأثر الطفيف الاقتصادات التي لا تعتمد اعتمادا كبيرا على التمويل الأوروبي كالمملكة العربية السعودية (المصنفة ائتمانياً بالفئة Aa3 مستقر)، ودولة الكويت (المصنفة ائتمانياً بالفئة Aa2 مستقر)، وسلطنة عمان (المصنفة ائتمانياً بالفئة A1 مستقر)، حيث أنها تعتبر في وضع أفضل يمكنها من تحمل التراجع المطرد لاستثمارات البنوك الأوروبية في المنطقة والتي تقدر بحوالي 10% من الناتج الإجمالي المحلي.
وضمت الفئة الثانية ذات التأثر المتوسط كلاً من دولة الإمارات وقطر، حيث تقدر مساهمة التمويل الأوروبي في الاقتصاد المحلي بالنسبة للقطاعات المصرفية الداخلية لدولة الإمارات (المصنفة ائتمانياً بالفئة Aa2 مستقر) ولدولة قطر (المصنفة ائتمانياً بالفئة Aa2 مستقر)، بحوالي 25% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقال حوالدار إن حكومة دولة الإمارات وقطر يمكنهما التعامل مع احتياجات التمويل والاحتياجات الاستثمارية قصيرة الأجل.
وأشارت الوكالة إلى أنه ونتيجة لحجم القطاع المصرفي البحريني يعتبر تأثر قطاع خدمات صيرفة التجزئة الداخلية بالتمويل الأوروبي في مملكة البحرين (المصنفة ائتمانياً بالفئة Baa1 سلبي) في مستوى مرتفع يقدر بحوالي 75% من الناتج الإجمالي المحلي، ولأن البنوك البحرينية على عكس الحال بالنسبة للقطاعات المصرفية في دولتي الإمارات العربية وقطر، تعكس مواءمة بين الأصول والخصوم الأجنبية وهو ما يخفف من حدة هذا التأثر.
لكن، على المدى البعيد، سيسبب الانسحاب المستمر للتمويل الأجنبي من المنطقة مشكلة هيكلية بالنسبة للبلدان الثلاثة المعنية، مما يستوجب تغييراً في الاستراتيجية التي تتبعها هذه البلدان، ووجود أي فجوة تمويلية سيشكل ضغطاً على الاقتصاد المحلي إذا لم يتم تدبير مصادر تمويل جديدة.
وصنفت الوكالة مملكة البحرين ضمن البلدان التي تعتمد بقوة على التمويل الأوروبي الذي يمثل حوالي 40% من الالتزامات التي تحتفظ بها بنوك الجملة البحرينية العاملة في الخارج، لافتة إلى أنه من شأن استمرار تقليص البنوك الأوروبية لأنشطتها في المنطقة أن يؤدي إلى حدوث أزمة سيولة كبيرة، وإلى تباطؤ في حجم الأعمال على المدى القصير إضافة إلى التحديات الهيكلية الرئيسية التي ستواجهها البنوك الخارجية على المدى الطويل.
وفي سياق تقرير آخر حول قطاع الشركات غير المالية العاملة في منطقة مجلس التعاون الخليجي، قالت الوكالة إن تصنيفاتها الائتمانية في الغالب لن تتأثر على المدى القصير بالانسحاب التدريجي للبنوك الأوروبية من المنطقة.
وفي ذات السياق، اعتبرت “موديز” أن الشركات ذات التصنيف الائتماني المنخفض ستكون أكثر عرضة لمخاطر تراجع التمويل الذي سيكون أكثر تكلفة فضلاً عن ارتباطه بشروط محددة.
وأوضح مارتن كوهاهاس نائب الرئيس ومحلل أول المؤسسات المالية في الوكالة أن انسحاب البنوك الأوروبية من المنطقة على خلفية تأثرها بأزمة الديون التي تمر بها منطقة اليورو، فضلا عن حاجتها للتقليل من ديونها وبناء قواعد رأسمالية عريضة، قد يؤثر على الأنظمة المصرفية لدول مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي على الشركات المحلية والتي تعتمد إلى حد كبير على التمويل المصرفي، والتي ستواجه مطالبات لتسديد ديون هائلة مستحقة الدفع خلال السنوات القليلة المقبلة.
وأشار إلى أنه وبالرغم من أن المتطلبات التمويلية للشركات العاملة في منطقة دول مجلس التعاون تعتبر هائلة، إلا أن الوكالة تتوقع أن يكون أثر الالتزامات الائتمانية على معظم الشركات المصدرة التي تم تصنيفها ائتمانياً محدوداً على المدى القريب، مرجعاً ذلك إلى أن معظم الشركات الخليجية التي تصنفها الوكالة، وعددها 24 شركة، تعتبر شركات تابعة لحكومات ذات تصنيفات ائتمانية عالية وقامت بتعزيز السيولة لديها خلال السنوات الأخيرة، مما مكنها من التصدي لآجال الاستحقاق قصيرة الأجل وبشكل استباقي من خلال تمديد آجال استحقاق ديونها.
ومع ذلك، يعتبر تعرض الشركات الخليجية المصنفة ائتمانياً مع المؤسسات المصرفية الأوروبية ذا أهمية كبيرة، فهو يستحوذ على حوالي 34% من إجمالي القروض المقدمة للشركات التي تصنفها الوكالة.
وتعتقد وكالة التصنيف أن تراجع مستوى القروض المقدمة من البنوك الأوروبية للمنطقة لن يؤدي إلى صدمة سيولة مفاجئة على المدى القصير، بينما سيؤدي استمرار تراجع التمويل الأوروبي، على المدى الطويل، إلى نقص هيكلي في التمويل بالمنطقة.
ومن المرجح أن يشجع ذلك الجهات المصدرة على تنويع مصادرها التمويلية، بما في ذلك زيادة إصدارات أسواق رأس المال بشقيها التقليدي والإسلامي.
وتعتبر وكالة التصنيف أن الجهات المصدرة ذات التصنيفات الائتمانية المتدنية، حسب مقياس Moody’s هي الأكثر عرضة لمخاطر تراجع التمويل حيث إنهم يعتمدون اعتماداً كبيراً على التسهيلات الائتمانية التي تقدمها لهم البنوك في تلبية احتياجاتهم التمويلية اليومية والوفاء باستحقاقاتهم الكبيرة المقبلة.
وترى وكالة التصنيف أن التمويل سيصبح أكثر تكلفة ومرتبطا بالمزيد من الشروط، الأمر الذي سينجم عنه عدد من التأثيرات السلبية وفي مقدمتها ارتفاع تكلفة الإقراض على الربحية والتدفقات النقدية وفي بعض الحالات، احتمال زيادة ظاهرة الإقراض المضمون أو المعزز بضمانات، وإمكانية أن يؤدي ذلك إلى تراجع وضعية الدائنين من دون ضمانات.