د· فائقة حبيب:
مستشارة في العلاج النفسي والأسري
قال تعالى: (ويُنجِّي اللهُ الذينَ اتقوا بمفازتِهِم لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ ولا هُم يَحزَنُونَ)
للتحفيز أساليب متنوعة تستخدم لزيادة أداء أفراد الأسرة وتجويده ليكون على أفضل ما يمكن من خلال ما يعرفونه من مهارات وأدوار، ويعد الأزواج قدوة لأولادهم في تحفيزهم لبعضهم وربط عمليات التحفيز الأسرية بمشاعرهم وأحاسيسهم تجاه بعضهم وتجاه العمل ذاته، ومن المؤكد أن كل فرد منا يدرك كيفية التعامل مع محيطه ومن حوله، ليُظهر أفضل ما لديه نحوهم أو نحو الأعمال والمسؤوليات والأدوار المنوطة به عن طريق التحفيز والتشجيع·
معنى التحفيز
؟ التحفيز: عملية يتم من خلالها استخدام مجموعة من الدوافع التي تدفعنا لعمل شيء ما، إذن فأنت ـ كأب، أو كأم لا تستطيع أن تحفز أفراد أسرتك، فحسب بل تستطيع أن توجد لهم أو تذكرهم بالدوافع التي تدفعهم وتحفزهم على إتقان وأداء مهامهم بسرعة وبشكل أفضل، مثال ذلك تحديد قائمة بالمحفزات والمدعمات لكل فرد يختارها من خلال التواصل والتعرف على ما يرغب في تحفيزه إذا أدى الأعمال والأدوار المنوطة به·
لماذا التحفيز؟
هل يمكن التحفيز من زيادة الدافعية لدينا؟
هل نكتفي بتحفيز الآخر لنا؟ أم يمكننا تحفيز أنفسنا ومكافأتها؟
العوامل المؤثرة على تحفيز أفراد الأسرة
أولاً: الشعور بالانتماء
كل فرد في الأسرة جزء لا يتجزأ منها، فنجاحها نجاح له وفشلها فشل له، ويشعر بالانتماء للأسرة التي هي جزء من وجوده وكيانه، فإذا تمكن كل أب وأم أن يوصل تلك المفاهيم إلى أبنائه فسيكون قد وضع يده على أكبر حافز لهم، وعندها يدرك الأبناء أنه لا يعمل لصالح ذاته أو أحد أفراد أسرته بل لصالح الأسرة ككل، والأب هو القائد ولكن يبقى أحد أفراد الأسرة وعليه عدة مهام وأدوار لا بد له من أدائها·
ثانيا: قناعة كل فرد بالتقدير والأهمية وبأنه عضو مهم في هذه الأسرة· فمهما كان عمره أوعمله صغيرًا فلا يوجد أبدًا عمل لا قيمة له، بل يوجد إنسان لا قيمة له ولا أهمية، يأبى أن يكون إنسانًا ذا قيمة أو فعالية، فإذا شعر الابن أو الابنة بالأهميه وبالتقدير داخل أسرته المنزلية والتربوية سيكون ذلك دافعًا كبيرًا لتحسين أدائه، بل سيزيده إصرارًا على الابتكار في كيفية أدائه للأعمال الموكلة إليه، ولذا فالأب أو الأم أو المدرس الناجح هو الذي يشعر كل من معه مهما كان دوره بأنه أهم عضو في دائرته، وأن عمله هو أهم الأعمال، وإذا تمكن هذا الشعور من كل فرد فلن تعرف الراعي من الرعية، ومن هو الأب ومن هو الابن، ومن هي الأم ومن هي الابنة، فكلهم يجتهدون بهمة عالية وبغيرة وبحرص وإحسان عند أداء العمل·
ثالثا: وجود مساحة للاختيار:
لابد للوالد الناجح أن يترك مساحة لأبنائه للاختيار معه، فيطرح عليهم المقترح أو الخطة أو المشكلة، ويطرح ـ مثلاً ـ بدائل لحلها، ويستشيرهم ويستأنس برأيهم ويشاركهم معه، حتى إذا وقع اختيارهم على بديل من البدائل المطروحة عليهم أن يتحملوا مسئوليته مع والدهم أو والدتهم، ويصبح لدى كل واحد منهم الحافز القوي لإتمام نجاح ذلك الخيار·
التحفيز في الواقع الزوجي والأسري
لا زلنا نعيش لحظات التحفيز في أذهاننا ونفوسنا بعد أن أنجزنا الأداء في العام السابق على أكمل وجه وتمت المكافأة وفقا لإمكانات الأسرة، فالعديد من الأسر سافرت إلى البلدان الأخرى عربية كانت أو أجنبية، وجابوا أروقتها وأسواقها لتحقيق السعادة لكل فرد من أفراد الأسرة، ومنهم من شارك أو انتمى لناد أو جمعية أو مركز لتحفيظ القرآن أو رحلة داخل البلد أو عبر صفحات أوراق الكتب التي قرأها، وكل فرد قد استثمر العطلة الصيفية بطرق التحفيز المختلفة التي وفرتها الدولة مشكورة من خلال النوادي الصيفية أو الأنشطة أو الفعاليات المتنوعة، أو أفراد الأسرة أنفسهم بالتعاون مع مرافق الدولة المختلفة·
إلا أن الجميع قد اتفق على عملية التحفيز الفوري وبعد انتهاء الاختبارات تحديدا، وقد عكفت أغلب الأسر على تطوير ذات كل فرد من أفرادها ليطورها ويطورهم ويبني العلاقات الإيجابية التي سمع أو قرأ عنها، إلا أن الأمر لا يمتد للأسر كافة فبعضها قد أخفق في التوجيه والاختيار وفي التحفيز لتلبية متطلباته، بالأخص عندما يقارن الأب أو الأم الأبناء بأخوتهم أو أبناء العم أو حتى من يمثل على جهاز التلفاز، أو ربما يطلب الأب من الأم لوحدها تحفيز أبنائه وهو يلهو عنهم بمجالات بعيدة عن البيئة الأسرية ويتركهم يتحملون وحدهم مسؤولية البناء بل ويحاسبهم إن حدث أي تقصير من أصغر فرد فيهم·
وربما يكون هناك انهماك لأحد الأبوين في تطوير ذاته والابتعاد عن تطوير المجال الأسري، مما يؤدي إلى إحباط أقرب الناس إليه الزوج الآخر في العمل وضعف الهمة والدافعية لبذل الجهود لتحقيق أهداف الأسرة وتطوير أسسها، ولذلك قد نجد أحيانا ولدى قلة من الأسر، أن اللوم أو العتاب يلقى على أحد أفرادها كونه السبب في تأخر أداء أفراد الأسرة أو إحداث المشكلات فيها، وإن كان هنالك بعض الصحة في هذا الأمر فهناك الفرد المشكل في أغلب الأسر، إلا أن تحفيزه بما لديه قد يجعله أكثر نشاطا وحيوية، وقد يكون حافزا له ليتحول من المشكلات إلى الإبداع، وبالأخص بعد اكتشاف نقاط قوته وتعزيزها ونقاط ضعفه وتحسينها·
وهناك بعض الأزواج أو الزوجات ينتظرون بل ويتشوقون لوجود السلبيات في الأداء ليتهموا الزوج الآخر ويحملوه مسؤولية هذا التقصير أو ذاك، مما يؤدي إلى إرباك باقي أفراد الأسرة، وابتعادهم عن المحور الأسري·
وبما أننا في بداية عام جديد بعد انقضاء الإجازة الطويلة والجميلة، لنبدأ بمصارحة الذات ودوافعها، وتذكير الزوج الآخر بأهداف العلاقة الزوجية والأسرية، ولنحول الواقع من جيد إلى أكثر جودة، ومن حسن إلى متميز، ومن متميز إلى مبدع ومستمر على الإنتاج الإيجابي ليس للأسرة فحسب بل للمجتمع بأسره·
خطوات تساعد على التحفيز:
وإذا أردنا التعرف على الخطوات التي تساعد على التحفيز وكسب تعاون أفراد الأسرة معاً لنبدأ بالآتي:
؟ الاجتهاد والتخطيط لبناء الشعور بالاحترام والتقدير لكل فرد من أفراد الأسرة بدءا بالوالدين ومرورا بالزوجة والأبناء بإطرائهم والثناء على ما أنجزوه من أعمال جيدة، وما لديهم من قدرات لإنجاز ما لم ينجزوه بعد·
؟ الابتعاد عن مقارنة كل فرد بالآخر، كي لا يفقد ثقته في ذاته بل مقارنته بذاته وما لديه من قدرات، وربط ذلك بتوقعاتك الإيجابية لأدائه·
؟ محاولة التحلي بالصبر في أغلب المواقف، وإشعار كل فرد بأنه موضع اهتمام ومحط عناية·
؟ فسح المجال لأفراد الأسرة للمشاركة في صناعة القرارات الأسرية وتحمل المسؤولية·
؟ التعرف على سمات شخصية كل فرد وتوزيع الأدوار حسب العمر والقدرات والخبرات، والدافعية، ودرجة التعاون السابق، والاستعداد الحالي·
؟ إشراك الزوج الآخر والأبناء معك في تصوراتك، وطموحاتك وتشجيعهم للمشاركة بالمزيد من الأفكار والاقتراحات وأساليب التعاون معك لإنجاح خططك·
؟ العمل على تعليم الآخرين طرق إنجاز الأشياء بأنفسهم، وتشجيعهم على ذلك·
؟ تحديد قائمة بالمكافآت والهدايا والرحلات والمعززات وربطها بالإنجاز الجيد للأعمال المتفق عليها·
؟ الاستماع وتشجيع المبادرات الفردية دون التقليل من شأن الأفراد الآخرين أو توبيخهم لعدم مبادرتهم، ودون مبالغة في التحفيز أو التشجيع·
؟ تشجيع أفراد أسرتك على حل مشكلاتهم بأنفسهم·
؟ تقييم إنجازات كل فرد من أفراد الأسرة، وبيان القِيَم التي أضافتها هذه الإنجازات للأسرة، سواء على المستوى النفسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو الجمالي، وفقا لنوع المهمة والمرحلة العمرية التي يمر بها الفرد·
؟ تذكيرهم بفضل وأهمية المهمة التي يقومون بها دون مبالغة أو إقلال من أهميتها·
؟ ربط المهام المنوطة بكل فرد في الأسرة بقدوتنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم إذ قال ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، وتذكيرهم بالتضحيات التي قام بها من سبقهم في سبيل إنجاح التعاون والتآلف الأسري·
؟ البدء بزراعة الحب والولاء بدلا من الخوف في قلوب أفراد الأسرة ونفوسهم، وبالأخص إن كانت هناك سلبيات سابقة في التعامل معهم·
؟ تذكير الجميع دائمًا وأبدًا بوجوب ربط أي أداء بالإحسان والإخلاص·
؟ توزيع الأفراد إلى مجموعات متجانسة ومتناسبة في التوزيع والمهام والبيئة المساعدة على إبداعهم·
؟ السعي لبناء قنوات التواصل والحوار الإيجابي بين الوالدين وأفراد الأسرة وبين القنوات التربوية (معلميهم وأقرانهم)·
ولنتذكر دائما قول الحق تعالى: (إن للمُتَّقِينَ مَفَازًا)
استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه