حالة مزاج بيني وبينه.. أربعة أيام

أربعة أيام فقط، وشيء من الحزن العميق، ومكان فارغ في الحياة هي كل ما يفصلني عن ذكرى رحيله. كل عام حين يقترب تاريخ ذاك اليوم يتوجس داخلي الإحساس، يتنقل بي ما بين أعوام العمر، تقلبني مسافات رحيله الشاسعة، وتغتالني ذكريات كابوس زارني ولم أفق منه بعد. ست سنوات من العمر مضت، وفي عيني دمع لم ينسكب بعد، ست سنوات تراكضت أيامها وعصف في داخلي لم يهدأ بعد، ست وللعمر يا والدي فراغ حل منذ رحلت . أربعة أيام تقف ما بيني وبين ذكرى ذاك الحادث، أربعة أيام تبعدني ست سنين عن طهر قلبك، وصفاء عينيك ورائحتك العبقة، قبل ست سنين منها كان لي أب استند عليه، أحمي به نفسي وقلبي وحياتي، ومنذ ذاك اليوم سقط عمودي وانكسرت. حادثتك مرات في نومك ذاك، مسدت شعرك بيدي، خاطبت أبوتك التي أحب، واحتضنت حنانك الذي اشتاق، لكن ذاك كله لم يكن سوى وهمي أنا، فأنت يا أقرب الناس، لم تكن في الحياة. كل فجر، افتقد خطواتك في الممر المؤدي إلى غرفتي، افتقد ابتهالاتك وصوتك يوقظني للصلاة.. كل صباح يختنق صوتي وأنا أحبس حزني أمام غيابك عن إخوتي الصغار، وكل مساء افتقد ضحكتك الرائعة، ودفق حديثك اللذيذ، افتقد وجودك وانزوي بذكرياتك عن النسيان. أقف عاجزة أمام اشتياقي لك في كل ليلة، وأنهار أمام غيابك في كل رمضان، وابكيك صبيحة كل عيد، فبدونك يفقد ليلي وداعته، ويغيب عن رمضاني بهاؤه، وتموت فرحة عيدي. بغيابك يبدو كل شيء ناقصا حتى لو اكتمل، وباهتا حتى لو تزين، وغائما مهما اتضح، بدونك يا سيد أوقاتي تنتهي أفراحي قبل أن تبدأ، وتختفي أحلامي قبل أن تتحقق، لأنك طوال عمري الأول كنت ألق كل شيء وبهاء كل شيء، وروعة كل شيء في ذكرى رحيلك السادسة، لا تستطيع كلماتي إسعافي، وتكتبني اشجان أخفيها، وتنهمر في أعماقي غيوم الحنين. كل شيء والدي بعد رحيلك أزف أن يبقى ألقه، بقي الكون مثلما تركته، لكن روحه الطيبة رحلت، وفرحته الصافية تكدرت، ونضارته غابت. • ربما يكون هذا العمود أصعب ما كتبت، وربما كان من الأفضل أن لا أكتب عن رثاء والدي، لكني لم أستطع أن أتخطى ذكرى رحيله، فاعذروني. فتحية البلوشي